الأحد، 20 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

 

جواب سؤال

 

رهن المبيع على ثمنه

إلى محمد القيسي

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

أود أن أسأل عن صيغة الشراء التالية (شراء سيارة بدفعة من ثمنها والباقي شيكات شخصية، ولكن البائع يشترط عدم التنازل إلا بعد استلامه قيمة آخر شك)، هل يعتبر ذلك حلالا أم لا؟ وبارك الله فيكم

 

 

الجواب:

 

لا يجوز للبائع ارتهان البيت بعد بيعه ديناً، لأن هذا يقع في باب (رهن المبيع على ثمنه)، وهذه مختلف فيها بين الفقهاء، فمنهم من يجيزها بشروط، ومنهم من لا يجيزها، وهناك آخرون يجيزونها في حالة ولا يجيزونها في أخرى... وغير ذلك... والذي أرجحه أن هذا لا يجوز لأن السيارة أو البيت عند الشراء ديناً أو بالتقسيط فيصبح مملوكاً لمن اشتراه وله حق التصرف فيه بيعا وتأجيرا وانتفاعا كأن يسكنه أو يُسكن غيره فيه...إلخ والجائز في مثل هذه الحالة أن بائع السيارة إما أن يصبر على المدين إلى أن يُسدد الدين أو أن يرتهن منه شيئاً آخر غير السيارة التي باعها له، كأن يرتهن قطعة ذهبية... إلخ وتبقى مع البائع إلى أن يُعيد الذي اشترى السيارة كامل الثمن المتفق عليه بعد ذلك يُدفع للمشتري الرهن أي القطعة الذهبية... إلخ، فقد صح عن رسول الله e أنه «اشترى رسول الله e من يهودي طعاماً بنسيئة فأعطاه درعاً له رهناً» أخرجه مسلم من طريق عائشة رضي الله عنها. وإن استحق أجل السداد ورفض المدين سداد المبلغ أو لم يستطع، فإن الرهن يُباع ويُؤخذ من ثمنه مقدار المبلغ المتبقي على المدين وما يزيد عن ذلك يُعاد للمدين، وذلك لأن الرهن يبقى لصاحبه وفق الحديث «لا يُغلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه» رواه الشافعي من طريق سعيد بن المسيِّب. أي إذا زادت قيمته عن الدين فيُعاد لصاحبه.

 

أما أن يرتهن البائع المبيع بالدين أو التقسيط فهذا لا يجوز لأن البيع بالدين أو بالتقسيط هو بيع كامل تام يملك المشتري المبيع ملكاً تاماً ما دام قد انعقد البيع ديناً أو تقسيطاً على دفعات، دفعة مثلاً كل سنة أو أقل أو أكثر وفق الاتفاق فإذا ارتهن المبيع فهذا يعني ظلماً للمشتري واعتداءً على ملكيته، لأن البيع ديناً أو بالتقسيط هو بيع تام صحيح يملك المشتري المبيع ويتصرف به كما يشاء، ولا يجوز بعد عقد البيع أن يرتهن البائع المبيع، لأن هذا يمنع المشتري التصرف بملكية المبيع الذي اشتراه.

 

وقد سبق أن أجبنا في 2015/5/24 جواباً مفصلاً حول هذا الموضوع أعيده عليك لمزيد من الفائدة:

 

(إن هذه المسألة معروفة في الفقه بمسمى (رهن المبيع على ثمنه)، أي أن يبقى المبيع مرهوناً عند البائع إلى أن يسدد المشتري الثمن. وهذه المسألة لا تظهر إذا كان البائع والمشتري كما قال رسول الله e في الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» لكنهما أحياناً يختلفان حول استلام السلعة أولاً أو دفع الثمن أولاً، وقد يعمد البائع بعد عقد البيع إلى حبس البضاعة أي رهنها عنده حتى يسدد الثمن، ومن ثم تنشأ هذه المسألة، وهذه مختلف فيها بين الفقهاء، فمنهم من يجيزها بشروط، ومنهم من لا يجيزها، وهناك آخرون يجيزونها في حالة ولا يجيزونها في أخرى... وغير ذلك.

 

والذي أرجحه بعد دراسة هذه المسألة هو على النحو التالي:

 

أولاً: نوع المبيع:

 

1- أن يكون المبيع مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً... إلخ، كبيع الأرز أو بيع القطن أو بيع الأقمشة...إلخ

 

2- أن يكون المبيع غير مكيل أو موزون...إلخ، كبيع سيارة أو بيع دار أو بيع حيوان...إلخ

 

ثانياً: ثمن المبيع:

 

1- أن يكون حالاً أي نقداً كأن تشتري السلعة بعشرة آلاف نقداً تدفع حالاً.

 

2- أن يكون مؤجلاً لمدة كأن تشتري السلعة بعشرة آلاف تدفعها بعد سنة.

 

3- أن يكون جزء منه معجلاً، وجزء منه مؤجلاً، كأن تشتري السلعة فتدفع دفعة أولى خمسة آلاف، وتدفع الخمسة الأخرى بعد سنة مثلاً أو تقسطها على أقساط شهرية...

 

ثالثاً: يختلف الحكم الشرعي باختلاف الأمور المذكورة أعلاه:

 

الحالة الأولى: المبيع غير مكيل وغير موزون... أي مثل بيع دار أو سيارة أو حيوان...:

 

1- الثمن نقداً، أي تشتري سيارة بعشرة آلاف نقداً، وأن يكون هذا مثبتاً في العقد.

 

في هذه الحالة يجوز للبائع أن يحبس البضاعة، أي أن تبقى مرهونة لديه حتى يُدفع الثمن العاجل وفق العقد. والدليل على ذلك الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي وقال عنه "حديث حسن" عن أبي أمامة قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ e يَقُولُ فِي الخُطْبَةِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» الزعيم: الكفيل، غارم: ضامن، ووجه الاستدلال في الحديث هو في قوله e «وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» فإن المشتري إذا استلم السلعة قبل أن يدفع الثمن فيكون قد اشتراها ديناً، و"الدين مقضي"، أي الأولوية لقضاء الدين ما دام الشراء كان نقداً، وبعبارة أخرى أن يدفع الثمن أولاً ما دام الثمن في العقد نقداً حالا... يقول الكاساني في بدائع الصنائع تعليقاً على الحديث (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ»، وَصَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيّاً عَامّاً أَوْ مُطْلَقاً فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيّاً، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ.).

 

وعليه فيجوز للبائع أن يحبس المبيع عنده إلى أن يدفع المشتري الثمن، وبذلك فلا يكون هناك دين، وهذا يوافق العقد لأن البيع لم يكن بالدين بل كان بثمن نقدي.

 

2- أن يكون الثمن مؤجلاً، كأن تشتري سيارة بعشرة آلاف تسددها بعد سنة، ففي هذه الحالة لا يجوز حبس البضاعة إلى أن يتم تسديد الثمن لأن الثمن مؤجل حسب العقد بموافقة البائع، فلا يجوز له أن يحبس البضاعة لضمان ثمنها ما دام هو قد باعها بثمن مؤجل، فأسقط حق نفسه بحبس البضاعة، ولذلك فلا يجوز له حبس البضاعة بل يسلمها للمشتري.

 

3- أن يكون الثمن معجلاً ومؤجلاً، كأن تشتري السيارة بدفعة أولى خمسة آلاف تدفعها نقداً حالاً، والخمسة آلاف الأخرى تدفعها بعد سنة مرة واحدة، أو تدفعها أقساطاً في أوقات آجلة.

 

ففي هذه الحالة يجوز للبائع حبس البضاعة إلى أن تسدد الدفعة العاجلة، وبعد ذلك فلا يجوز له حبس البضاعة لاستيفاء الدفعات المؤجلة، وذلك لما ذكرناه في البندين 1-2.

 

والخلاصة أنه يجوز للبائع ارتهان البضاعة على ثمنها العاجل، أي إذا كان عقد البيع بثمن عاجل يدفع حالاً، فإنه يجوز للبائع أن يحبس البضاعة عنده إلى أن يدفع المشتري الثمن العاجل وفق عقد البيع.

وكذلك يجوز للبائع أن يحبس البضاعة عنده إلى أن يدفع المشتري الدفعة المعجلة وفق عقد البيع.

 

ولا يقال هنا كيف يرهن المشتري بضاعته قبل قبضها، أي قبل أن يمتلكها؟ وذلك لأن الرهن لا يجوز إلا في ما يجوز بيعه، وحيث إن السلعة المشتراة لا يجوز بيعها إلا بعد قبضها استناداً إلى حديث رسول الله e الذي رواه البيهقي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله e لعتاب بن أسيد: «إني قد بعثتك إلى أهل الله، وأهل مكة، فانههم عن بيع ما لم يقبضوا». والحديث الذي رواه الطبراني عن حَكِيم بْنِ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَبِيعُ بُيُوعاً كَثِيرَةً، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «لَا تَبِيعَنَّ مَا لَمْ تَقْبِضْ»، فهذه الأحاديث صريحة في النهي عن بيع ما لم يقبضوه، فكيف إذن يرهن المبيع قبل قبضه؟

 

لا يقال ذلك لأن هذين الحديثين هما بالنسبة للمبيع المكيل والموزون... أما إذا كان المبيع من غير ذلك كالدار والسيارة والحيوان... فيجوز بيعه قبل قبضه استناداً إلى حديث الرسول e الذي رواه البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ e فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ e لِعُمَرَ: «بِعْنِيهِ»، قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بِعْنِيهِ» فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ e، فَقَالَ النَّبِيُّ e: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ» وهذا تصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه مما يدل على تمام ملك المبيع قبل قبضه، ويدل على جواز بيعه لأنه قد تم ملك البائع له.

 

وعليه فإنه يجوز رهن المبيع قبل قبضه ما دام يجوز بيعه قبل قبضه، ولكن هذا فقط في ما إذا كان المبيع من غير المكيل والموزون... كالدار والسيارة والحيوان ونحو ذلك، وفي حالة انعقاد البيع بثمن عاجل، أو في حالة وجود دفعة معجلة في عقد البيع، فيجوز رهن المبيع قبل قبضه إلى أن يُدفع الثمن المعجل أو الدفعة المعجلة.

 

الحالة الثانية: المبيع من المكيل والموزون... كشراء كميات من الأرز، أو من القطن أو كميات من الأقمشة... ففي هذه الحالة لا يجوز حبس المبيع على ثمنه مهما كان واقع الثمن: حالاً عاجلاً، أو آجلاً دفعة واحدة أو تقسيطاً:

 

فإن كان الثمن آجلاً فلا يجوز له حبس البضاعة كما بيناه أعلاه.

 

وإن كان الثمن عاجلاً فلا يجوز له حبس البضاعة، أي رهنها، لأنه لا يجوز رهن المكيل والموزون قبل قبضه وفق حديث الرسول e الذي ذكرناه أعلاه. والبائع هنا في حالة البيع بالثمن العاجل بين أمرين:

 

إما أن يبيعه البضاعة بثمن عاجل ويسلمها له ويصبر عليه سواء أعطاه الثمن حالاً أو بعد حين دون أن يرتهن البضاعة... وإما أن لا يبيع البضاعة، أي دون ارتهان للبضاعة بحال.

 

وعليه فإذا انعقد البيع بثمن عاجل أو آجل في حالة كون المبيع من المكيل أو الموزون، فلا يجوز للبائع أن يرتهن البضاعة عنده إلى حين تسديد الثمن.

 

وهذا ما أرجحه، والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

22 جمادى الآخرة 1441هـ

الموافق 2020/02/16م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع