- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
المبادلة والبيع والإجارة
جاء في الشخصية الجزء الثاني صفحة 318: (... فإنه لا يجوز أن يبيع دابة بسكنى دار سنة مثلاً، ولكن يصح أن يستأجر بستاناً بسكنى دار. لأن البيع هو مبادلة مال، فمبادلة المال بالمنفعة لا تعتبر بيعاً، بخلاف الإجارة فهي عقد على المنفعة بعوض، وهذا العوض لا ضرورة لأن يكون مالاً، بل قد يكون منفعة...).
وجاء في النظام الاقتصادي صفحة 270: (... والإسلام حين قرر أحكام البيع والإجارة، لم يعين لمبادلة السلع، أو لمبادلة الجهود والمنافع، شيئاً معيناً تجري المبادلة على أساسه فرضاً، وإنما أطلق للإنسان أن يُجري المبادلة بأي شيء، ما دام التراضي موجوداً في هذه المبادلة. فيجوز أن يتزوج امرأة بتعليمها القرآن، ويجوز أن يشتري سلعة بالعمل عند صاحبها يوماً، ويجوز أن يشتغل عند شخص يوماً بمقدار معين من التمر...).
ولي هنا سؤالان:
الأول:
أن ما جاء في الشخصية الجزء الثاني لا يُجيزُ بيعَ دابة بسكنى دار، على اعتبار أن البيع مبادلة مال بمال، وهذه الحالة مبادلة مال بمنفعة دار. وإنما يُجيز إجارة المنفعة كاستئجار بستان بسكنى دار. وفي الاقتصادي يُجيزُ هذا البيع، فيقول: (يجوز أن يشتري سلعة بالعمل عند صاحبها يوماً)، أي يبيع سلعة بمنفعة جهد، فالمشتري يشتري السلعة بمنفعة عمله عند صاحبها. وكما يظهر فبين الشخصية والاقتصادي تعارض، فأيهما الصحيح؟ هل يجوز بيع المال بالمنفعة أو لا يجوز؟
الثاني:
إن كان لا يجوز، فكيف يتم بيع الأراضي الخراجية، علماً بأنه بيع لمنفعتها، لأن رقبتها ملك للمسلمين وصاحبها لا يملك سوى منفعتها؟ فهل يُسَمَّى تبادلُ منفعةِ الأرضِ الخراجيةِ بالمالِ بيعاً وتنطبقُ عليه أحكامُ البيع؟
جواب السؤال الأول:
1- هناك ما يسمى (المبادلة)، وهناك ما يسمى (البيع)، وهناك ما يسمى (الإجارة).
2- المبادلة أطلقها الإسلام بين السلع والجهود والمنافع ما دامت هذه الأمور ليست محرمة، فيجوز أن تبادل السيارة أو السيارتين ببيت، ويجوز أن تبادل السيارة بسكنى بيت شهوراً معينة.
ويجوز أن تبادل عملك اليومي أو الشهري بمبلغ نقدي، ويجوز أن تبادل عملك اليومي أو الشهري أو السنوي ببيت أو بسيارة...
أي أنه يجوز أن تبادل جهداً بمال أو بسلعة أو بمنفعة ما دامت هذه الأمور -كما قلنا- ليست سلعاً محرمة أو منافع محرمة أو جهوداً في عمل حرام، وما دام التراضي موجوداً.
3- البيع هو نوع من المبادلة، فهو مبادلة مال بمال، ولذلك فإن ما كان من مبادلةٍ بين مالٍ ومال، كأن يكون بين نقد ونقد أو نقد وسلعة، فهو بيع وتجري عليه أحكام البيع.
4- الإجارة نوع آخر من أنواع المبادلة، وهي عقد على المنفعة بعوض، والعوض قد يكون مالاً، وقد يكون منفعة، فيجوز أن تعمل يوماً أو شهراً بمبلغ نقدي، أو بسلعة كقمح أو تمر...، وكذلك يجوز أن تعمل يوماً أو شهراً بسكنى دار شهراً مثلاً، وهكذا.
فما كان من تبادلٍ بين المنافع والسلع أو المال فهو إجارة، وتنطبق عليه أحكام الإجارة.
5- فإذا علمنا ذلك سَهُلَ علينا فهم ما ورد في الاقتصادي وفي الشخصية الجزء الثاني على النحو التالي:
أ- الوارد في الاقتصادي هو في باب النقد، فَذَكَرَ التبادلَ بشكل عام وجوازَهُ بين السلع والجهود والمنافع... ثم وصل إلى أن وحدة التبادل النقدية في الإسلام هي الذهب والفضة.
فالبحث في باب النقد كان عن التبادل، وهو صحيح، أي يكون التبادل في الأموال والسلع والجهود.
ب- الوارد في الشخصية الجزء الثاني هو في باب الإجارة للتفريق بينها وبين البيع، فهو يتكلم عن نوع من التبادل العام، طرفاه (مال) و (مال) وهو المسمى بيعاً، وله أحكامه، وعن نوعٍ آخر من التبادل العام طرفاه (منافع أو جهود) و (مال)، أو (منافع وجهود) و (منافع وجهود)، وهو المسمى إجارة.
فالبحث كان عن أنواع من التبادل، بعضها يسمى بيعاً وبعضها يسمى إجارة، وكل هذا كان في باب الإجارة.
ج- وعليه فإن ما ورد في الاقتصادي وما ورد في الشخصية، كلٌّ منهما صحيح في بابه.
د- لكن الالتباس هو في المثال الذي ضُرِبَ في الاقتصادي أثناء بحث التبادل بلفظ (الشراء) وهي العبارة (... ويجوز أن يشتري سلعة بالعمل عند صاحبها يوماً...) والمقصود منها (أن يبادل سلعة بالعمل عند صاحبها يوماً) لأن البحث هو عن التبادل، ولو نُصَّ عليها هكذا لزال الالتباس، لأن هذا النوع من التبادل هو عندنا يقع في باب الإجارة، وتنطبق عليه أحكام الإجارة وليس أحكام البيع، فأجرة هذا الرجل الذي يعمل يوماً هي تلك السلعة، ولا تنطبق على هذه الحالة أحكام البيع.
ومع أن البيع لغةً يطلق عليه التبادل كما جاء في الشخصية الجزء الثاني صفحة 284 في أول بحث البيع (البيع لغةً مطلق المبادلة وهو ضد الشراء...)، ولكنه شرعاً هو نوع من أنواع التبادل وهو تبادل مال بمال، كما جاء في الشخصية بعد العبارة السابقة (وأما البيع شرعاً فهو مبادلة مال بمال تمليكاً وتملّكاً على سبيل التراضي..).
ولهذا، وإزالة للالتباس فسنصحح هذه الجملة على نحو ما ذكرتُهُ آنفاً، أي بدلاً من (ويجوز أن يشتري سلعة بالعمل عند صاحبها يوماً) سنضع ما يلي: (ويجوز أن يبادل سلعة بالعمل عند صاحبها يوماً).
وذلك لأن الصواب عندنا أن البيع شرعاً هو (تبادل مالٍ بمال) كما جاء في تعريف البيع في الشخصية الجزء الثاني صفحة 284، الذي ذكرناه آنفاً.
وللعلم فإن هناك من الفقهاء من يُدخل في البيع تبادلَ المنافع والجهود والسلع بشروطٍ معينة، ولا يقتصر على تبادل مال بمال، ولكن الراجح عندنا هو الذي
ذكرناه.
جواب السؤال الثاني:
إن تعريف الإجارة هو عقد على المنفعة بعوض، والمنفعة هنا مقصود بها المنفعة المؤقتة، أي استيفاء المنفعة بشروط وكيفيات معينة تجعل المنفعة موقوتة بحدٍّ معين، فمثلاً إجارة دار للسكنى لسنة تعني أن يستوفي المستأجر منفعة مؤقتة وهي خلال المدة المحددة.
أما منفعة الأرض الخراجية، فعلى الرغم من أن رقبتها مملوكة للمسلمين، لكن هذه المنفعة مملوكة لصاحبها بشكل دائم، ولذلك يصح البيع فيها، وتنطبق أحكام البيع. ودليل ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على الحكم المستفاد من فعل عمر في الأرض الخراجية.
جاء في الشخصية الجزء الثاني صفحة 244 سطر 9 ما يلي: (... غير أن الذي يُورَث في الأرض الخراجية إنما هو منفعتها الدائمة ولا تُورَث رقبتها لأنها ملك لجميع المسلمين. أما منفعتها فقد أقرّ عمر بن الخطاب أصحابها على ملكية منفعتها الدائمة إلى آخر الدهر... والمنفعة تُملَك وتُورث، ولمالك المنفعة أن يتصرف بها جميع التصرفات من بيع ورهن وهبة ووصية وغير ذلك من التصرفات). وجاء في الكتاب نفسه صفحة 245 سطر 15 وما بعده ما يلي: (ومن يملك منفعة الأرض له أن يبيع هذه المنفعة ويتقاضى ثمنها لأن المنافع تباع وتستحق أثمانها) وكل ذلك عن المنفعة الدائمة حيثُ البحثُ عن منفعةِ الأرض الخراجية.
والخلاصة:
- إن التبادل جائز في المال والسلع والجهود والمنافع ما دامت مباحة والتراضي موجوداً.
- التبادل أشمل من البيع ومن الإجارة، فإن كان التبادل مالاً بمال فهو بيع، وإن كان التبادل مالاً ومنافع وجهوداً فهو إجارة.
- تبادل المنفعة الدائمة تنطبق عليه أحكام البيع، كما في الأرض الخراجية.