- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال: اتفاقية النفط في أديس أبابا
السؤال:
في مساء يوم 3/8/2012 وقَّع السودان مع جنوب السودان على اتفاقية حول قضية النفط في أديس أبابا بعد ساعات من زيارة وزيرة خارجية أمريكا لجوبا عاصمة الجنوب. فرحب الرئيس الأمريكي بالاتفاق فور توقيعه. فماذا وراء هذا الاتفاق؟ ولماذا وضعت أمريكا ثقلها لتوقيعه، مع أن مسئولاً سودانياً كان قد صرح قبل عشرة أيام بأن الاتفاق مستحيل أن ينجز في تسعة أيام أو تسعين يوماً! ثم هل هو لمصلحة السودان؟ أم هو تنازل من السودان بضغط من أمريكا؟
الجواب:
يتضح الجواب باستعراض الأمور التالية:
1- لقد صرح وكيل وزارة الخارجية السودانية عوض عبد الفتاح قائلا: "توصلنا لاتفاق نهائي مع جنوب السودان حول عبور النفط ونتوقع ان نحل القضايا الاخرى عبر التفاوض". (وكالة الأنباء السودانية 4/8/2012)، فهنا يشير إلى أن توقيع هذه الاتفاقية مقدمة لحل القضايا الأخرى. وقد نقلت هذه الوكالة السودانية الرسمية عن المتحدث باسم الوفد السوداني مطرف صديق عقب وصوله إلى الخرطوم : "الاتفاق النفطي مقنع ولكنه لم يلب طموحات الطرفين" ولكنه أضاف قائلا: "سيبدأ التنفيذ بعد التوافق على القضايا الامنية". فهو يؤكد على أن هذا الاتفاق هو مقدمة لقضايا أمنية سيتم التوافق عليها. أي أن هذين المسؤولين في النظام السوداني يصرحان ضمنيا بأن هناك قضايا تم التوافق عليها مقدما من دون أن يتم الاتفاق عليها بصورة رسمية وينتظر إخراجها حتى يتم التوقيع عليها رسميا.
2- ولقد صرح الوسيط الأفريقي ثابو مبيكي رئيس وزراء جنوب أفريقيا السابق قائلا: "ان امام البلدين مهلة تنتهي في 22 أيلول / سبتمبر القادم لحل المسألة التي ما زالت عالقة وحدد لقاء في ايلول بين رئيسي البلدين البشير وسلفا كير لمناقشة وضع ابيي المتنازع عليها"، (راديو سوا الأمريكية 5/8/2012). وقال: "ان الطرفين يفهمان ضرورة الوصول الى اتفاق امني بحلول الوقت المحدد لبدء ضخ النفط"، (رويترز 4/8/2012). وهذا يدل على أن اتفاقية ضخ النفط هذه تأتي ضمن اتفاقيات أخرى وليست منفصلة. فمن هذه التصريحات يظهر بكل وضوح بأن هناك صفقة بين النظام في السودان وبين جنوبه تمت لحل قضايا أكبر أهمية من اتفاقية ضخ النفط ألا وهي قضية أبيي.
3- ولذلك جاءت هيلاري كلينتون يوم 3/8/2012 إلى جوبا وطلبت من سلفا كير أن يوقع هذا الاتفاق وبعد ساعات تم التوقيع بالفعل. مع العلم أن ذلك التوقيع كان يتعثر؛ فقد صرح مطرف صديق الناطق باسم الوفد السوداني المفاوض قبل عشرة أيام قائلا: "من المستحيل ان ينجز الاتفاق في غضون تسعة ايام او تسعين يوما، فبعض القضايا يحتاج الى وقت اطول لمناقشته وحله"، ( بي بي سي 23/7/2012). فيدل ذلك على أن الوفد السوداني لم يكن يتوقع أن يتم التوقيع حتى 2/8/2012 وهي المدة التي حددها مجلس الأمن في 2/5/2012 في قراره رقم 2046 الذي يلزم البلدين التوقيع على اتفاقية تسوية خلافاتهما فيما يتعلق بترسيم الحدود والمناطق المتنازعة عليها وإلا ستفرض عقوبات على الطرفين. فعندما انقضى يوم واحد وضعت أمريكا ثقلها لإجبار الطرفين على التوقيع. فقد صرحت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن سوزان رايس قائلة: "الولايات المتحدة تدعو الطرفين الى الوفاء فورا بتعهداتهما بموجب القرار 2046"، (بي بي سي 2/8/2012).
4- وبعد أن وقع الاتفاق أشاد به الرئيس الأمريكي أوباما قائلا: "يستحق رئيس السودان وجنوب السودان التهنئة بهذا الاتفاق، إنني أرحب بجهود المجتمع الدولي الذي توحدت لتشجيع ودعم الطرفين سعيا الى حل". (أ ف ب 4/8/2012) وكذلك أشادت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون "بشجاعة قادة جمهوية جنوب السودان في اتخاذ هذا القرار". وقالت: "كان ينبغي تجاوز هذا المأزق من اجل مصلحة شعب السودان وتطلعاته الى مستقبل افضل في ظل تحديات اخرى مقبلة". (المصدر نفسه)
5- لقد قدم النظام السوداني تنازلات بالغة في هذا الاتفاق، وكان أكبر تنازل هو تخليه عن نفط السودان لنظام جنوب السودان الذي استحوذ على 75% من نفط السودان باعترافه بانفصال الجنوب وجعله كيانا مستقلا. ثم إنه تنازل عن السعر الذي طلبه، فقد كان النظام السوداني يطالب بمبلغ 36 دولاراً كأجر عن كل برميل يمر عبر أراضيه، وتنازل إلى 22,20 دولارا وجنوب السودان يصر على دفع 7,61 دولارا، ولكنه قبل برفع الأجرة إلى 9,10 دولارا كما صرح رئيس وفد جنوب السودان باغان أموم قبل عشرة أيام من توقيع الاتفاق (بي بي سي 23/7/2012) ، وعندما تدخلت كلينتون قبل جنوب السودان بدفع مبلغ 9,48 دولارا عن كل برميل، وقد وافق السودان! فكان الرقم مقتربا لمطلب جنوب السودان وبعيدا كثيرا عن الرقم الذي كان يطالب به النظام السوداني، فقبل الأخير بربع رقمه الأول وبأقل من نصف رقمه الأخير بجانب ذلك كان النظام السوداني يطالب بمبلغ 4,9 مليار دولار كجزء من الديون على جنوب السودان. ولكن المسؤولين في جنوب السودان قبلوا بإعطاء النظام السوداني مبلغ 3,2 مليار دولار، فتنازل النظام السوداني وقبل بهذا المبلغ!
6- والأمر الأكثر خطورة في التنازل السوداني هو أن الاتفاق هو مقدمة لتنازل أخطر في منطقة أبيي، فالنظام السوداني قبل بإجراء استفتاء هناك وقد سحب قواته من المنطقة تمهيدا لذلك. ويعني ذلك استعداده للتخلي عن المنطقة والاختلاف جارٍ عمن له حق التصويت، فجنوب السودان يرفض أن تشترك قبيلة المسيرية المسلمة في هذا التصويت وهي التي تشكل الأكثرية في هذه المنطقة، ويصر على أن الذي له حق الاستفتاء هو قبيلة الدينكا الموالية لجنوب السودان، ما يعني أن نتيجة الاستفتاء إذا تمت على هذا الأساس ستكون محسومة بإعطاء منطقة أبيي لجنوب السودان. وأمريكا عندما وضعت ثقلها لتوقيع اتفاقية ضخ النفط وجعلت جنوب السودان يتخلى عن إصراره بسرعة، مع أن المسألة يجري التفاوض عليها منذ فترة ولم يتوصلا إلى نتيجة، بل كان الاتفاق شبه مستحيل كما ذكر الناطق باسم الوفد السوداني المذكور آنفاً، فإنها، أي أمريكا، مطمئنة بالحصول على تنازلات من النظام السوداني في موضوع اتفاقية النفط وفي موضوع منطقة أبيي، وتصريحات وزيرة خارجيتها كلينتون تشير إلى ذلك عندما قالت: "كان ينبغي تجاوز هذا المأزق من اجل مصلحة شعب جنوب السودان وتطلعاته الى مستقبل افضل في ظل تحديات اخرى." وهذه التطلعات والتحديات تتعلق بمنطقة أبيي على الخصوص حيث يصر جنوب السودان على ضمها إلى رقعته المقتطعة من السودان وإشادة الرئيس الأمريكي بالاتفاقية يدل على أن الأمر يتجاوز مسألة اتفاقية ضخ النفط عبر الشمال التي ليست بالأمر الكبير لأن هناك إمكانية ضخه عبر كينيا وكان يجري التفاوض على ذلك، ولهذا كان جنوب السودان يشعر بأنه غير محتاج كثيرا لعبور نفطه عبر الشمال ويصر على المبلغ الذي يريده. والوسيط الأفريقي أشار بكل صراحة الى أن الأمر مرتبط بحل النزاع حول منطقة أبيي، وأعطيت مهلة للرئيسين حتى تاريخ 22/9 القادم ليتفقا على ما يتعلق بذلك.
7- وبعد استعراض ما سبق يمكن القول:
إن هذه الاتفاقية التي ظاهرها متعلق بالنفط حققت لجنوب السودان فوائد عديدة منها ما يتعلق بالنفط ومنها ما يتعلق بغيرها:
أما عن النفط فبهذه الاتفاقية يكون النظام السوداني اعترف رسميا وفعليا باستحواذ جنوب السودان على 75% من نفط السودان ويفاوضه فقط على أجرة مرور النفط وليس له من ملكية النفط أي نصيب، وفي المستقبل يستطيع أن يحوِّل جنوبُ السودان وجهة ضخه إلى كينيا إذا رأى ذلك مناسبا أو إذا أرادت أمريكا أن تضغط على النظام السوداني ليتنازل لها عن أمر ما يتعلق بدارفور أو بغيرها من المناطق والمسائل، فعندئذ يحرم السودان نهائيا من أية أجور ولا سيما أن هذه الاتفاقية سارية المفعول فقط لمدة ثلاث سنوات ونصف. وقد فرض جنوب السودان تسعيرة للأجرة على مرور البرميل قريبة جدا من الرقم الذي عرضه أخيرا 9,10 دولارا وبعيدة جدا عن الرقم الذي كان يطالب به النظام السوداني وهو 36 دولاراً أو 22,20 دولارا.
وأما الفوائد الأخرى لجنوب السودان وهي التي ستظهر في المستقبل وعلى رأسها منطقة أبيي فإن النظام السوداني قد تنازل عن جنوب السودان كله، فليس بعيداً أن يتنازل عن أبيي، وقد قبل سابقا بإجراء الاستفتاء ضمن البروتكول المتعلق بها في معاهدة نيفاشا عام 2005 التي أدت إلى انفصال الجنوب، والاختلاف بقي حول من سيشترك في الاستفتاء. فمن يقبل بالاستفتاء على تقرير مصير أراضيه فإنه يقبل بالتنازل عن أراضيه. ومقابل ذلك ولذر الرماد في العيون، فمن المحتمل أن يقبل جنوب السودان بترسيم الحدود في منطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق ويعترف بمنطقة هجليج للسودان حيث اعترف بها دوليا عام 2009 بأنها للسودان. فيخرج النظام السوداني على الناس ويدعي بأنه حقق انتصارات ومكاسب عندما رسمت الحدود المتنازع عليها مقابل أن يتنازل عن منطقة أبيي بإجراء استفتاء فيها! والعامل الرئيس في تحقيق كل ذلك هو أمريكا التي تقوم بالضغط على النظام السوداني التابع لها فيتنازل عندما تجدّ في ذلك حسب الظروف التي تراها مناسبة. والنظام السوداني القائم في الخرطوم يخشى على نفسه من السقوط ولا يرى له حاميا سوى أمريكا، ولذلك يلبي طلباتها ويتنازل بسهولة عن أراض إسلامية لتقام دولة تشبه دولة يهود في تلك المنطقة، بل إن دولة جنوب السودان أعلنت عن إقامة تحالف وثيق مع دولة يهود، وبدأ تبادل الزيارات بينهما وعقد الاتفاقيات التي تمكّن دولة يهود من توجيه دولة جنوب السودان حسبما تريد وخاصة ضد السودان.