الثلاثاء، 22 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال: الاحتجاجات المتواصلة في تركيا

 

 

 

السؤال:

 

 

ما زالت الاحتجاجات متواصلة في تركيا، ولكن ليست بالزخم كما في الأيام الأولى بعدما اندلعت في 31\5\2013 في ميدان تقسيم بحديقة "غزي" احتجاجا على قلع الأشجار في هذه الحديقة تنفيذا لخطط الحكومة الرامية لتحويل ثكنة ترجع للعهد العثماني إلى منطقة تجارية وسكنية، فعمت الاحتجاجات في اليوم التالي ما لا يقل عن 67 مدينة. وقد حصلت اشتباكات بين المحتجين ورجال الأمن الذين أرادوا إنهاء احتجاجاتهم فقتل العديد من الأشخاص وجرح المئات من المحتجين والشرطة، وجرت اعتقالات لمئات منهم، وما زالت الاعتقالات جارية حتى اليوم بحثا عن المثيرين لها. فما أسباب هذه الاحتجاجات ومن كان وراءها وإلى ماذا تهدف؟


ثم إن هناك أمراً لافتاً للنظر وهو لين موقف المحتجين تجاه رئيس الجمهورية عبد الله غول وشدة موقفهم تجاه إردوغان، بحيث جعل المحتجين يرضون عن عبد الله غول أكثر من رضاهم عن إردوغان، فهل يعني أن أمريكا أصبحت تتجه إلى تقديم عبد الله غول على إردوغان في إدارة أمور البلاد لامتصاص نقمة المحتجين؟ وهل يتوقع هذا مستقبلاً؟

 


الجواب:

 

لكي يتضح الجواب، فإننا نستعرض النقاط التالية:


1- قام رئيس الوزراء التركي إردوغان باتهام قوى داخلية وخارجية ووسائل إعلام دولية بإشعال هذه الأحداث. وقام بحشد مئات الآلاف من أنصاره في ميدان قازلي جشمة باسطنبول في 17\6\2013 ردا على تظاهرات المحتجين ومظهرا تأييد الناس له. وهاجم الاتحاد الأوروبي على موقفه من الأحداث. وكان عصبيا ومتوترا في تصريحاته ومتهكما ومتهجما، ووصف المحتجين بأنهم حفنة أشقياء وحثالة وهم يأتمرون باللوبي الربوي وهم آلة تستغل بأيدي القوى الخارجية وإلى غير ذلك من الاتهامات التي تزيد من ردة الفعل وتشعل الغضب ضده وهو يظهر غضبه على كل ما حدث وعلى الفاعلين. ولم يتوقع أن يحدث مثل هذا الأمر فكانت الأحداث مفاجئة له وخاف أن تكون على شاكلة الانتفاضات في البلاد العربية. فهزت سمعته وسمعة النوذج الديمقراطي العلماني الذي تسوقه أمريكا باسمه إلى العالم العربي.


2- وأما مساعد رئيس الوزراء التركي بكر بوزداغ فشن هجومه هو الآخر وكال اتهامات للمحتجين ولقوى المعارضة السياسية قائلا: "إن المشتركين في احتجاجات حديقة غزي هم أنفسهم الذين اشتركوا في احتجاجات 2007 وكانوا يدعون إلى "تولي الجيش وظيفته" وهي القيام بالانقلاب. وأكثرهم من منتسبي حزب الشعب وحزب السلام والديمقراطية وحزب العمال ويستعملون قناع اليسار. ونفى أن تكون الاحتجاجات حركة شعبية. وذكر أن من وراء ذلك قوى داخلية وخارجية. وتساءل كيف يقولون أنهم ضد الرأسمالية وهم يتمولون من مؤسسات الرأسمال العالمي ويعملون لحسابها. وذكر بأن العلويين خوطبوا لأول مرة بصورة رسمية في عهد حكومته، وأن مظاهرهم الدينية وبيوت عبادتهم كانت ممنوعة على عهد حزب الشعب الجمهوري بفعل تطبيق قوانين الثورة (الكمالية)". (صفحة راديكال 21\6\2103) فقد ذكر أن المشتركين في هذه الاحتجاجات هم من الذين اشتركوا في احتجاجات 2007 ولكنه لم يذكر أنهم قد خططوا لها عن علم وتدبير مسبقين. واتهامه لكل أحزاب المعارضة ذات التوجه اليساري الليبرالي والاشتراكي بهدف حصرها في المعارضة السياسية الرسمية وإبعادها عن طابعها الشعبي. وقد صرح وزير الداخلية التركي معمر غولر قائلا: "هناك إرادة في دفع الناس للنزول إلى الشارع من خلال أعمال غير قانونية مثل وقف العمل والإضراب". وقال: "من المستحيل أن تفهم الإصرار على مواصلة التظاهرات". (أ ف ب 17\6\2013) وذلك بعدما دعا تجمع نقابي يضم نقابتين مركزيتين كبيرتين للعمال وموظفي الدولة تعدان بمئات الآلاف من المنتسبين لها دعاهم إلى الإضراب العام في كل عموم تركيا تنديدا بأعمال العنف التي ارتكبتها الشرطة بحق المتظاهرين. أي أن وزير الداخلية يرى أن هناك قوى تريد أن تتواصل الأحداث حتى تستغلها لأهداف معينة.


3- ويظهر أن الحكومة خافت من تطور الأحداث بشكل جدي مما اضطر نائب رئيس الوزراء التركي بولنت آرينتش إلى أن يصرح قائلا: "إن الشرطة ستستخدم كل قواها لإنهاء الاحتجاجات وإذا لم يكن ذلك كافيا يمكننا حتى استخدام القوات المسلحة التركية في المدن". (رويترز(17\6\2013) وفي الوقت ذاته قام إردوغان وهدد المحتجين قائلا: "إن صبرنا بدأ ينفد، وأنا أنذركم للمرة الأخيرة" (التلفزيون التركي الرسمي 13\6\2013) وقد ذكرت صفحة حريات في 21\6\2013 أن رئيس الوزراء إردوغان قام واجتمع مع رئيس الجمهورية عبدالله غول وبعد ذلك التقى رئيس المخابرات حقان فيدان، ومن ثم اجتمع اجتماعا طارئا مع رئيس الأركان نجدت أوزيل وكل تلك الاجتماعات كانت في يوم 21\6\2013 وقد تناول في اجتماعاته موضوع الاحتجاجات. مما يدل على تخوفه من تداعياتها السلبية على المدى البعيد إذا لم تعالج بشكل نهائي، وقد مر عليها ثلاثة أسابيع ولم تتوقف نهائيا، وسينعقد مجلس الأمن القومي يوم 25\6\2013 لتدارس مجابهة الاحتجاجات.


4- ومع ذلك فإن موقف رئيس الجمهورية التركي عبدالله غول كان لينا يبدي التفهم مما جلب له التأييد. فقد صرح عبدالله غول بعدما امتدح "الديمقراطية" واعتبرها "أكبر ثروة للمجتمع" أبدى أسفه على أحداث تقسيم وقال "إنها وصلت إلى حد مقلق وأنه يتعين علينا جميعا أن نتحلى بالنضج حتى يمكن للاحتجاجات التي وصلت إلى حد مقلق أن تهدأ". وذكر أنه "اجتمع هذا الصباح برئيس الوزراء وبغيره من المسؤولين في الحكومة والدولة وتداول معهم الأمر حتى تتم التهدئة بأسلوب يليق بنا" (جريدة ستار 1\6\2013) وفي هذا التصريح يقصد الحكومة ورئيسها. أي أنه يدعو الحكومة ورئيسها إلى التحلي بالنضج حتى يمكن تهدئة الاحتجاجات. وقد لوحظ على إردوغان بعد هذه الأحداث محاولته التقرب إلى رئيس الجمهورية بعد ظهور جفوة بينهما في الفترة الأخيرة. فعند زيارته لمدينة قيصري في 21\6\2013 حيث نظم حزبه حشدا جماهيريا كبيرا لتجديد تأييد الناس له قام وامتدح أهلها قائلا: "قيصري بلد أخي عبدالله غول". ففسرت بأنها محاولة التصالح مع عبدالله غول الذي كانت تصريحاته تسير في اتجاه آخر مخالف لسير تصريحات إردوغان.


5- أما موقف حزب الشعب الجمهوري فقد صرح أنه ليس له علاقة بالأحداث: فقد أكد النائب عن حزب الشعب الجمهوري آردال أكسنغار أن: "حزبه لا ينظم هذه التظاهرات بل إن الشباب التركي هو الذي يدعو لها لأنه تعب من قرارات إردوغان التي تتعدى على حرياته الشخصية" (سكاي نيوز عربية 4\6\2013) فحزب الشعب لم يتبن الاحتجاجات ولم يعمل على قيادتها ومنع رفع أعلامه فيها خوفا من أن يحمل مسؤولية العنف فيها كما أعلن مسؤولوه. ولكنه عمل على استغلالها لصالحه كحزب معارضة.


6- الموقف الأمريكي صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جينفر بساكي: "أن السبيل الأفضل لضمان الاستقرار والأمن والازدهار في تركيا هو دعم حريات التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات التي كان هؤلاء الأشخاص يمارسونها على ما يبدو" وأعربت عن "قلقها بشأن الأشخاص الذين جرحوا في الاحتجاجات". (الجزيرة 1\6\2013) وصرح السفير الأمريكي لدى تركيا فرانسيس ريتشاردوني بعدما زار مقر حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة: "تركيا دولة صديقة وحليفة للولايات المتحدة حتى في الأوقات الصعبة والأوضاع المتأزمة" وقال: "ليس هناك فوارق في المبادئ الديمقراطية بين تركيا والولايات المتحدة". (صفحة مليات 20\6\2013) وهنا أظهر الأمريكان تأييدهم لإردوغان مع ادعائهم أنهم يدعمون حرية التعبير وتشكيل الجمعيات التي تريد أن تعبر عن آرائها. ولكن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية علقت على الأحداث في 4\6\2013 قائلة: "إن الاحتجاجات السلمية في تركيا ضد الحكم الاستبدادي المتزايد لحزب رجب طيب إردوغان ذي التوجه الإسلامي هي بمثابة احتجاجات تصحيحية وليست ثورة وتعبر عن انتفاضة شجاعة بدون قيادة تحركها لإنقاذ الديمقراطية". فأراد الأمريكان أن يحتووا أي حركة تحدث في تركيا كما فعلوا في غيرها من بلاد العالم حتى لا تخرج عن سيطرتهم. فيتبنون أية حركة ديمقراطية وينتقدون من لا يلتزم بها ولو كانوا من عملائهم حتى يثبتوا قيادتهم للعالم ويمنعوا خروج الأوضاع من تحت سيطرتهم فيعملوا على احتواء أية معارضة. وخاصة أن هناك في تركيا جماعات وأفراداً من كتاب وصحفيين يؤيدون السياسة الأمريكية وكانوا مؤيدين لإردوغان قاموا منذ فترة وبدأوا ينتقدونه ويصفونه بالديكتاتور.


7- وأما الموقف الأوروبي؛ فكل دول أوروبا بلا استثناء وعلى رأسها بريطانيا ووسيلة إعلامها الرسمية بي بي سي "وقد انتقدها إردوغان بالاسم" وكافة وسائل الإعلام الأوروبية حتى المحلية التي ليست لها علاقة بأخبار السياسة الخارجية تابعت الأحداث باهتمام ووقفت موقفا مضادا لإردوغان وحكومته ومؤيدا للمحتجين. وقد أعلنت دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل عن "قلقها العميق من العنف المفرط والتدخل العنيف للشرطة ضد الأشخاص المتظاهرين بطريقة سلمية ومشروعة وحذرت تركيا من اعتماد تدابير قاسية ضد المتظاهرين بطريقة سلمية" (أخبار العالم التركية 20\6\2013) وانتقد وزير خارجية تركيا داود أوغلو بيان الدول الأوروبية وقال: "عندما ينقل إلينا سنرفضه على الفور". (المصدر نفسه). وفي 21\6\2013 قامت ألمانيا باستدعاء سفير تركيا لديها لطلب توضيحات عن قمع الشرطة التركية للمحتجين وهو تعبير دبلوماسي عن وقوف ألمانيا بجانب المحتجين في وجه الحكومة التركية. وقد وصفت رئيسة الوزراء الألمانية ذلك القمع بأنه قاس جدا، فقامت تركيا بردة فعل على ذلك فاستدعت سفير ألمانيا لديها. وقامت ألمانيا وهولندا بمعارضة فتح فصل جديد في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بسبب هذا القمع، وسمحت بتسيير مظاهرات في ألمانيا نظمها العلويون. مما يدل على أن أوروبا أرادت استغلال الأحداث والعلويين ضد تركيا بسبب ارتباط تركيا بالسياسة الأمريكية وحتى تبرر رفضها لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وتضع أمامه عقبات جديدة.


8- وقد ظهر موضوع ما يطلق عليهم العلويون وأكثرهم ينخرطون في تنظيمات يسارية أو شيوعية أو ليبرالية وديمقراطية أو كمالية وكذلك في حزب الشعب الكمالي الذي يترأسه حاليا واحدٌ منهم، أي أنهم ينخرطون في أية حركة مضادة للإسلام ويغتنمون الفرص للاحتجاج على كل شيء له علاقة بالإسلام أو بالدولة العثمانية. وهم يقفون في وجه تسمية الجسر المعلق الثالث باسم جسر السلطان سليم الأول الذي تعمل الحكومة على إنشائه على البسفور بذريعة أن هذا السلطان قد اضطهدهم عندما أرادوا الخروج على الدولة الإسلامية. وقد أشار رئيس الجمهورية عبدالله غول إلى ذلك قائلا: "إنه رأى بعض الحساسية تجاه إطلاق اسم السلطان سليم الأول على الجسر الثالث المعلق في اسطنبول" وأشار إلى أنهم "سيطلقون (أي الدولة) اسم بير سلطان عبدال وحاجي بكتاش ولي اللذين يعتبران من كبار الطائفة العلوية على بعض المشاريع المستقبلية في تركيا". (وكالة جيهان التركية 19\6\2013) فحاول أن يظهر موقفا لينا من حركات الاحتجاج.


9- وقد وجهت أصابع الاتهام من بعضهم إلى إيران بأن لها دوراً في إثارة الأحداث فبدأت الدولة تبحث عن إيرانيين متهمين بالمشاركة في تأجيج الأحداث. وهناك علويون معارضون لإيران، فقد صرح رئيس "الجمعية العلوية البكتاشية التركمانية التركية" أوزدمير أوزدمير قائلا: "إن إيران كثفت جهودها خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة لإحداث صراع طائفي بين السنة والعلويين في تركيا. واعتبر تظاهرات تقسيم جزءا من الأحداث الرامية إلى تحقيق هذا السيناريو". وقال "إن طهران تنفذ الخطة التخريبية عبر 4 جمعيات علوية في اسطنبول وأنقرة وأزمير". (وكالة جيهان 20\6\2013) وأشار إردوغان إلى هذه المسألة في خطابه في قيصري أمام مؤيده قائلا: "إن هناك من يريد أن يلعب لعبة خطرة على العلويين. وإن حزب الشعب يلعب الدور الرئيس في تحريك هذه اللعبة القذرة. فرئيس حزب الشعب وبعض أعضاء البرلمان المنتمين لهذا الحزب يقومون بالدور الرئيس في هذه اللعبة. كذلك بعض البؤر خارج تركيا تأخذ دورا في هذه اللعبة القذرة". وذكر أن "هناك من يريد تخريب الحل الذي توصلنا إليه لتسوية أحداث حديقة غزي فيريدون أن يشعلوا الأحداث ويستمروا في إشعالها، ويفتحوا النار على رجال الشرطة". وخاطب حزب الشعب واليساريين بأنهم يثيرون الوضع ويتبعون الحركات الإرهابية والمتطرفة والخارجة عن القانون" (مليات 21\6\2013) وقد "أعلنت منظمة يسارية تطلق على نفسها" ريد هاك/القراصنة الحمر" مسؤوليتها عن إرسال التغريدات على تويتر. وتحقق الشرطة في إرسال 5 ملايين تغريدة. فقال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت آرينج معلقا على ذلك "أن منصات الإعلام الاجتماعي تستخدم للتشجيع على الجريمة والعنف وأن إجراءات ردعية سوف تتخذ". (يو بي آي 20\6\2013) فهناك مصلحة لإيران باستغلال هذه الأحداث وهي تتصل بالعلويين وتعمل على احتوائهم كما هي تتصل بقوى أخرى وتعمل على جذبها لطرفها لتحقيق مصالحها وتوجد أتباعاً ومؤيدين لها، ولكن ذلك لا يصل إلى أن تقوم بدور رئيس لإسقاط الحكومة التركية ولا بعمل جاد. مع العلم أن علاقتها مع الحكومة التركية لم تتدهور فما زالت العلاقات بينهما مستمرة وليست سيئة والعلاقات التجارية قوية بينهما. كما أن تركيا وإيران تسيران في الفلك الأمريكي.


10- ظهرت انتقادات لإردوغان من بعض الجماعات التي تعتبر إسلامية وتؤيد السياسة الأمريكية فقام كتابها بوصف إردوغان بالمعجب بنفسه وأن عليه أن يستمع للنصائح أي لجماعتهم وألا يغتر بنفسه، ويمتدحون عبدالله غول بأنه ديمقراطي متواضع. ويظهر أن هذه الجماعات بل هي جماعة معينة معروفة لدى الشارع التركي "جماعة فتح الله غولان" تريد أن تحتفظ بالمصالح الكبيرة التي حققتها في ظل هذه الحكومة وتريد المزيد منها، ولا تكمن قضيتها في غير ذلك. فقد سعت قبل سنتين لترشيح أشخاص على القوائم الانتخابية منتسبين أو مقربين لها في انتخابات 12 حزيران 2011، فعندما لم تحقق ذلك بدأت تنتقد سياسة إردوغان، بل بدأت تهدد بسحب تأييدها للحزب الحاكم. وقد عزل إردوغان بعض المسؤولين الأمنيين التابعين لها. لأنه لم يرد أن تتوغل هذه الجماعة وتسيطر أكثر على مؤسسات الدولة فيقع تحت رحمتها ويضعف موقفه أمامها وتبدأ تتحكم به، فأراد أن يقصقص أجنحتها. وهي أقل من أن يكون لها شأن سياسي كبير وإن كانت تضم أفرادا كثيرين، لأنها ليست حركة سياسية ولا تمارس العمل السياسي، ولكنها تستغل العمل السياسي ودعمها للأحزاب لتحقيق مصالحها الذاتية من حصول على المنافع المادية وتكثير عدد أفرادها وإيصال أكبر عدد منهم إلى مناصب في مؤسسات الدولة. ومع ذلك فقد فاز حزب إردوغان في تلك الانتخابات بالأكثرية حتى وصلت نسبة أصواته 50%. وعندما حصلت الأحداث الأخيرة أظهرت هذه الجماعة وزعيمها انتقاداتهم لرئيس الوزراء بشكل مباشر وغير مباشر، وكأنهم ينتظرون الفرصة للانتقام. وقد ذكر إردوغان للصحفيين أثناء زيارته لأمريكا الشهر الماضي إنه "أرسل نائبه بولنت آرينج إلى زعيم هذه الجماعة الذي يعيش في أمريكا ليجتمع معه وذلك لإزالة الشائعات السلبية التي تنشر عن علاقة الأخوة والصداقة بينهما التي ترجع إلى الماضي". (صفحة خبر اكتؤال التركية 19\5\2013) وعندما سئل سؤالا على الشكل التالي: إن السيد عبدالله غول قال إنه فقد الأمل في صدور دستور جديد فهل فقدتم الأمل في ذلك؟ فقال: "أجيب بصراحة وأنا كذلك أفقد الأمل. وقال نريد أن نفتح باب النقاش في موضوع النظام الرئاسي". وهاجم المعارضة ووصفها بأنها تتهرب من مناقشة هذا الموضوع وتساءل "لماذا تتخوف من هذا النظام قائلة أنه ستحدث تصفية". وقال: "إذا لم يتحقق ذلك فلدينا مسودة الدستور ونلجأ إلى الخطة ج" أي الاكتفاء بأصوات حزبه والبحث عن بعض الأصوات لتكميل النصاب فقال: "إنه محتاج إلى 330 صوتا في البرلمان حتى يذهب إلى الاستفتاء الشعبي على الدستور ولكن حزبه لديه 226 مقعدا في البرلمان" وأبدى تخوفه من أن لا يصوت أعضاؤه على ذلك لأن التصويت سيكون سريا. وذكر أنه إذا وجد العدد اللازم من الأصوات فإنه سيذهب إلى 3 انتخابات عام 2014 انتخابات محلية وانتخابات لرئيس الجمهورية واستفتاء شعبي على الدستور. ويظهر أن أمريكا لم تعد تهتم كثيرا بالتعديل الدستوري المتعلق بالنظام الرئاسي لأنها استطاعت الآن أن تحقق ما كانت تحلم به من سيطرة على قيادة الجيش بجانب أن رئاسة الجمهورية بيدها والحكومة ورئاستها بيدها والقضاء بدأت تسيطر عليه وإلى غير ذلك من جوانب السلطة ومؤسسات الدولة. ولذلك لا تضع ثقلها وراء ذلك حتى تحققه ولا تضغط على عملائها حتى يقفوا من ورائه.


11- ومن كل ذلك يتبين أن الاحتجاجات اندلعت عفويا ومن ثم استغلت من قبل المعارضين لإردوغان والذين لهم توجهات سياسية مختلفة. فلا يظهر أنه كان لها تخطيط وإعداد مسبقان. وهناك الكثير من الذين يتربصون بإردوغان ويتحينون الفرص للعمل على إسقاطه والانتقام منه وخاصة أتباع جماعة الإنجليز، وقد تضرروا من التصفيات والزج بالكثير منهم في السجون. عدا عن أن هناك أناساً ذوي توجهات علمانية لديهم توهم بأن إردوغان إسلامي ويعمل على عودة الإسلام ويعتبرون علمانيته بأنها نوع من النفاق والتقية حتى يتمكن من الحكم. وخاصة أن هؤلاء لا يفهمون الإسلام ويظنون أن سماح حكومة إردوغان لبعض مظاهر التدين هو ما يؤكد مزاعمهم وهم لا يدركون أن إردوغان يحارب دعاة الخلافة وتحكيم الإسلام ولا يسمح بالتدين إلا بمقدار ما تسمح به العلمانية.


12- وهذه الاحتجاجات من المستبعد أن تتطور إلى ثورة تغير النظام لأن المحتجين ينتمون إلى قطاع صغير ذي توجه معين. فنصف الشعب مؤيد لإردوغان، ونصف المعارضة من المستبعد أن يسير مع المحتجين لأنها لا تنتمي إلى اليسار بل هي معارضة لليسار وهي محسوبة من اليمين حسب تقسيمات الديمقراطيين. وأحزاب المعارضة اليسارية لم تتبنَّ الاحتجاجات ولم تعمل على تسييرها وإنما عملت على استغلالها فقط لكسب أصوات. فتبقى الاحتجاجات محصورة في قطاع ضيق ولا تتعداه. وقد جرى تضخيم هذه الاحتجاجات إعلاميا خاصة من قبل الإعلام الأوروبي والتابعين له. وكان مقصد الأوروبيين من ذلك تبرير معارضتهم لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وعرقلة عملية الانضمام. بجانب أن الإنجليز يعملون على استغلال مثل هذه الحركات لضعضعة موقف إردوغان لأنه عمل على تصفية عملائهم وزج بهم في السجون وأبعدهم عن قيادة الجيش. ومهما يكن من أمر فإن هذه الأحداث وتصرفات إردوغان وحكومته تجاهها قد هزت سمعة النموذج العلماني الديمقراطي التركي الذي كان يتغنى به إردوغان ويعمل على تسويقه للعالم الإسلامي لحساب أمريكا وإرضاء لها لتحول دون عودة الإسلام إلى الحكم، فتبين أنها سمعة كاذبة وأن هذا النظام العلماني الديمقراطي هو عبارة عن نظام استبدادي وهو مستعد أن يبطش بمعارضيه. مع العلم أن هذا النظام يبطش بدعاة الخلافة وتحكيم شرع الله الذين يحملون الدعوة فكريا وسياسيا ولا يلجؤون إلى العنف قطعا فيزج بهم في السجون ويوقع عليهم عقوبات ثقيلة أكثر مما يوقعها على الذين يماسون العنف في الشوارع والميادين، ولكن وسائل الإعلام المحلية والدولية تمارس سياسة التعتم على ذلك لأنه ليس من مصلحتها إبرازه، ولأن ذلك يتعلق بالإسلام فتتعاطى مع الامور بازدواجية. ولم يظهر أن أمريكا قد تخلت عنه وإن أظهرت بعض الانتقاد حتى تحتوي أية حركة يمكن أن تنشأ وتحافظ على نفوذها في البلد بل ابدت تأييدها له.


14- أما القول بأن أمريكا أصبحت تتجه إلى تقديم عبد الله غول على إردوغان في إدارة أمور البلاد لامتصاص نقمة المحتجين، فليس صحيحاً، بل إن إردوغان ينفذ مصالحها بقوة لا يستطيعها غول مع أن الاثنين مواليان لأمريكا، وهي تستعمل كلاً منهما في الموقع المناسب لها. كما أن سياسة أمريكا في معالجة مسائل الاحتجاج تميل إلى الشدة بسبب "عنجهية أمريكا" أكثر مما تميل إلى اللين، إلا إذا أفلتت الأمور من يدها بالكلية، ولم تصل الأحداث بعد إلى هذه الحالة، وعليه فإن موقع كل من إردوغان وعبد الله غول لا زال هو المناسب حالياً لمصالح أمريكا، على الأقل في المدى المنظور. وأما ما هو المتوقع مستقبلاً، فإننا سنتابع الأمور بإذن الله فإذا تبين لنا أمور مستجدة ذات وقع مختلف فعندها لكل حادثة حديث.


ونسأل الله سبحانه أن يحق الحق في تركيا ويبطل الباطل، وينصر حملة الدعوة، ويجمع قلوب الأمة معهم وبهم، فتشرق الخلافة من جديد، وتعود إلى البلد الذي ودعته منذ ما يزيد عن تسعين سنة، وعندها ينتهي نفوذ الكفار المستعمرين، وينتهي عملاؤهم بانتهاء ذلك النفوذ، وتعود "إسلامبول" تنعم بالخلافة من جديد، وما ذلك على الله بعزيز.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع