- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال المستجدات الأخيرة في أوكرانيا
السؤال:
تناقلت وسائل الإعلام 2014/2/20سقوط 17 قتيلا على الأقل وجرح آخرين في تجدد الاشتباكات بين المحتجين المعارضين للحكومة وقوات الأمن الأوكرانية التي انسحبت من ميدان الاستقلال في كييف، بينما تحرك المحتجون باتجاه البرلمان الذي تم إخلاؤه وكذلك مبنى رئاسة الوزراء... وكانت السلطات الأوكرانية قد أعلنت الأربعاء 2014/2/19 بدء عملية لمكافحة "الإرهاب" تستهدف معارضين تنعتهم بالمتشددين ما تسبب عنه مقتل 26 شخصا، حتى بدت ساحة الاستقلال كأنها ساحة حرب! ولكن أمس 2014/2/21 أعلن أن الرئيس الأوكراني والمعارضة قد اتفقوا على حل توافقي... ثم هذا اليوم 2014/2/22أُعلن أن البرلمان الأوكراني صوت على عزل الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 2014/5/25... والسؤال هو: هل هذه الأحداث محلية بين معارضة وحكومة؟ أم هي دولية لأمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا يد فيها، وفي تحريكها؟ وهل هي ثورة برتقالية جديدة تنزع النفوذ الروسي نهائيا من أوكرانيا لصالح النفوذ الغربي كما حدث في الثورة الأولى؟ وهل يتوقع ردة فعل روسية كما حدث في 2010؟ وجزاك الله خيرا.
الجواب:
يتضح الجواب من الأمور التالية:
1- لدى أوكرانيا تاريخ طويل من التنافس عليها بين روسيا وأوروبا. وكانت على مر التاريخ تتقاسمها دول أخرى مثل روسيا، والخلافة العثمانية وبخاصة في القرم، وبولندا... وبعد الحرب الأولى تآمر الغرب والعملاء على الدولة العثمانية فانتهت، وظهر الاتحاد السوفييتي... ثم بعد الحرب الثانية كانت أمريكا على رأس دول الحلف التي انتصرت في الحرب، وهكذا أصبحت الدول المتصارعة على أوكرانيا: الغرب، والاتحاد السوفييتي بعد أن ضم بولندا إلى جمهورياته، وضم أوكرانيا كذلك وكانت هي أهم الجمهوريات الـ 15 التي كانت سابقا أعضاء في الاتحاد السوفييتي... وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبحت الدول المتصارعة على أوكرانيا: روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي، فلكل من هذه الدول اهتمام قوي بأوكرانيا:
أما روسيا فإن أوكرانيا من أكثر البلدان أهمية لها فإذا فقدتها يصبح الغرب على حدودها مباشرة، فهي كدرعٍ واقٍ لها من جهة أوروبا، عدا أهميتها الاقتصادية حيث تمر منها أنابيب الغاز الروسية إلى الغرب. كما أن أوكرانيا من الأهمية بمكان بالنسبة لروسيا، لأن قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة فيها تتكامل مع روسيا، كما أنها منطقة عازلة بينها وبين أوروبا. لذا فإن فقدان روسيا لأوكرانيا يضع أوروبا بالفعل على بوابة روسيا، حيث تقع أوكرانيا على بعد 300 كيلومتر فقط من موسكو. هذا هو سبب تدخّل روسيا في أوكرانيا. وهناك عامل آخر يجعل روسيا تنظر باهتمام بالغ لأوكرانيا وذلك لأن أغلبية السكان في شرق أوكرانيا تعتنق المذهب الأرثوذكسي وتتكلم الروسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجود قاعدة أسطول البحر الأسود العسكرية الروسية فيها.
وأما أوروبا فإن أوكرانيا تعد بمثابة الجدار الفاصل بين روسيا وأوروبا الشرقية، يَعبر من أراضيها إلى أوروبا 80% من الغاز الطبيعي الروسي الذي يشكل ربع الاستهلاك الأوروبي، ولذلك فهي تحوز على أهمية بالغة بالنسبة لأوروبا. وبعد أن أصبحت بولندا عضواً في الاتحاد الأوروبي 2004 ثم انضمت رومانيا وبلغاريا للاتحاد 2007م، أصبحت أوكرانيا جارة لدول الاتحاد الأوروبي، وذات أهمية كبرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهي من جانب تعتبر جسراً بين أوروبا وروسيا، ومن الجانب الآخر تعتبر منطقة عازلة فيما بينهما.
وأما أمريكا فإن أوكرانيا تمتاز بأهمية حيوية بالنسبة لأمريكا التي تسعى لمحاصرة منطقة النفوذ الروسي. وكذلك فإن موانئ أوكرانيا مهمة للحلف الأطلسي وبوارجه عند دخولها البحر الأسود. كما أن النفوذ الأمريكي في أوكرانيا يعني نزيفًا مستمرًّا لخاصرة روسيا ووسيلة ضغط عليها لعدم عرقلة مشاريع أمريكا في المنطقة وبخاصة الشرق الأوسط.
2- نتيجة اهتمام أمريكا بأن تكون أوكرانيا عضوا في الحلف، واهتمام أوروبا بأن تكون أوكرانيا عضوا في الاتحاد، فقد وقف الغرب بقضه وقضيضه وراء الثورة البرتقالية في 2004، وفي انتخابات 2005... ولأن روسيا لم تكن قد تخلصت بعد من فوضى مخلفات انهيار الاتحاد السوفييتي... نتيجة كل ذلك استطاع الغرب أن ينجح في توصيل الثورة البرتقالية لتحقيق أهدافها حيث أسقطت يانوكوفيتش مرشح روسيا في انتخابات 2005، ومن ثم نجاح مرشح الغرب وبخاصة أمريكا "يوشينكو" في رئاسة الجمهورية، فزال النفوذ الروسي لصالح النفوذ الغربي.
3- بدأت الأحداث تتسارع وهي تحمل وراءها مشاريع انضمام أوكرانيا للحلف والاتحاد الأوروبي، واستغلت أمريكا الفرصة، فروسيا قد فقدت الحكم الموالي لها في أوكرانيا في انتخابات 2005، وأوروبا وإن كانت مهتمة بانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي لكن الاتحاد لا زال يعاني من مشاكل دول أوروبا الشرقية التي ضُمت للاتحاد.. وهكذا فقد كانت الظروف مواتية لأمريكا للاستفادة من نتيجة انتخابات 2005 ونجاح عميلها "فيكتور يوشينكو"، ولذلك فإنها استغلت فترة حكمه لتسريع التكامل بين أوكرانيا مع الغرب، وطوال الفترة التي قضاها في منصبه، كان يوشينكو يهدد بطرد أسطول البحر الأسود الروسي من سيفاستوبول "Sevastopol" عند انتهاء عقد الإيجار العسكري الروسي هناك عام 2017م. ولم يُخف يوشينكو رغبته في دمج أوكرانيا بالكامل في مؤسسات غربية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. وقد دخلت كييف مفاوضات على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وطالبت بخطة عمل للعضوية في الناتو... وعليه فقد رأينا كيف بذلت أمريكا الوسع في الثورة البرتقالية التي جاءت بيوشينكو إلى الحكم، وأصبحت أوكرانيا في تلك الحقبة شريكاً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تقوم بتقديم المساعدات الاقتصادية لها، حتى إنها كانت في الدرجة الثالثة بعد (إسرائيل) ومصر في قائمة المساعدات الأمريكية، وذلك لتقطع أمريكا اعتماد أوكرانيا على روسيا اقتصادياً...
4- كان لهذه الحالة تأثير كبير على روسيا، بل استفزاز لها وضرب لمصالحها، فبعد أن وقعت الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004، توترت العلاقات مع روسيا بسبب مساعي أوكرانيا نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي وعضوية الحلف الأطلسي، وكذلك بسبب موقف أوكرانيا من أسطول البحر الأسود الروسي المرابط في سيفاستوبول "Sevastopol"، وبسبب خلافات حول الغاز الطبيعي، ولكن روسيا لم تكن قادرة على الوقوف في وجه تلك الحالة التي نشأت نتيجة انتخابات 2005 لسببين رئيسيين: الأول: لم تكن بعدُ قد شفيت تماماً من آثار انهيار الاتحاد السوفييتي، والثاني: أن أمريكا كانت وأوروبا لا تعانيان من مشاكل صعبة في أوضاعهما السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى أنه ليس هناك خلاف كبير في اهتمامات الطرفين: فأمريكا تريد أوكرانيا في الحلف وأوروبا تريدها في الاتحاد، ولم يكن حينها كبيرُ فرقٍ بين الاهتمامين... هذان العاملان جعلا أوروبا وأمريكا يعملان معاً لإبعاد أوكرانيا عن روسيا في الوقت الذي روسيا فيه غير قادرة على المقاومة لظروفها التي كانت تعانيها...
5- غير أن الظروف تغيرت منذ أواخر 2007 وبخاصة في 2008 حيث غرقت أمريكا وأوروبا في الأزمة الاقتصادية في الوقت الذي بدأت روسيا تستقر سياسياً واقتصادياً إلى حد ما، فكان هذا الظرف مواتياً لروسيا لمضايقة الحكم الجديد في أوكرانيا بعد الثورة البرتقالية وبخاصة اقتصادياً عن طريق الغاز، وهي مطمئنة بانشغال أمريكا وأوروبا في أزماتها، ولذلك فإن روسيا بذلت جهداً كبيراً في تسخين الأجواء ضد حكم يوشينكو وبخاصة في المناطق الشرقية من أوكرانيا وبعض المناطق الأخرى الموالية لها في أوكرانيا... وأصبح رفع أسعار الغاز أو توقيفه سلاحاً مؤثراً في الحكم الموالي للغرب في أوكرانيا، هذا بالإضافة إلى تحريك الموالين لها في شرق أوكرانيا، حتى إذا جاءت انتخابات 2010 كان جمهور كبير إلى حد ما من الناس في أوكرانيا يشعر بمساوئ الحكم الموالي للغرب، فكانت نتيجة الانتخابات في صالح روسيا فقد عاد يانوكوفيتش للحكم، ومن ثم تنفست روسيا الصعداء، حيث قام يانوكوفيتش بتوقيع العديد من الاتفاقيات مع موسكو في مجال الطاقة، ووطد التعاون الاقتصادي فيما بينهما، وعمد إلى تنمية العلاقات في مجالات الصحافة والنشر والتعليم واللغة والثقافة. وقد أشار يانوكوفيتش إلى إمكانية إجراء اتفاقية جديدة تتعلق بأسطول البحر الأسود الروسي مقابل خفض أسعار الغاز الطبيعي، وهذا ما تم لاحقاً.
وهكذا فقد جاءت نتائج الانتخابات في صالح روسيا، حتى وإن لم يكن الفارق كبيراً، فقد كانت نتائج الانتخابات معبرة عن ضيق الناس من يوشينكو، فقد أظهرت نتائج الدورة الأولى نسبة متدنية له (5.33 %)، ويوليا تيموشينكو نحو (25 %)، وحصل فيكتور يانوكوفيتش على نحو 35.5% من أصوات الناخبين، فأعيدت الانتخابات في الدورة الثانية بين أكثر اثنين، فنجح يانوكوفيتش بنحو 49% بفارق 3% عن يوليا تيموشينكو مرشحة الغرب التي حصلت على 46%، وهكذا استطاعت روسيا في شباط/فبراير 2010م أن تعيد رجلها في أوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش إلى السلطة، وهو رابع رئيس للبلاد، ومؤيد قوي لروسيا، ومن حينها بدأ النفوذ الأمريكي بالتراجع، وتوجهت أوكرانيا نحو تطبيع العلاقات مع روسيا.
ومع أن الفارق قليل إلا أن روسيا حصدت من ورائه نتائج مؤثرة، فقد التقى الرئيس يانوكوفيتش مع الرئيس الروسي ميدفيديف في خاركوف بعد أقل من شهرين من توليه منصبه في 2010/4/21، ووافق في الاجتماع على تمديد عقد إيجار أسطول البحر الأسود لـ25 سنة إضافية لتنتهي في عام 2042م، بدلا من الموعد السابق 2017، وفي المقابل، وافقت شركة غازبروم الروسية على خفض سعر الغاز الطبيعي إلى 100 دولار لكل 1,000 م3 للفترة المتبقية من عقد الغاز الذي كان قد وقع عام 2009م.
6- لقد استمر يانوكوفيتش في توجهه المتسارع نحو روسيا، ويبدو أنه لم يدرك أن هذا الفارق الضئيل في الأصوات 3% يعني أن أعوان الغرب في أوكرانيا لا زال لهم وزن كما أن أعوان روسيا لهم وزن... ثم إنه ظن أن ما يراه من تناغم بين أمريكا وروسيا في مشاكل عالمية أخرى سيحول دون تأييد أمريكا لأوروبا إذا أدار ظهره لها في الاتفاقية التجارية التي كان الحديث يجري عنها، وبطبيعة الحال فإن هذا الظن كان خطأ، وظنُّه أرْداه، فإن أمريكا وإن تناغمت مع روسيا، لكنها في الوقت نفسه يهمها أن يكون لها ليس موطئ قدم فحسب في أوكرانيا بل قاعدة للحلف الأطلسي! أي أن أمريكا حتى لو وقفت في وجه أوروبا لكي لا تضم أوكرانيا لها، فهذا لا يكون من أجل استمرار نفوذ روسيا في أوكرانيا، وإنما لتكون أوكرانيا لأمريكا! ولو كان يانوكوفيتش واعياً سياسياً لأخذ هذا في الحسبان، ولكنه لم يكن كذلك... وهكذا بدأت الأزمة.
7- وقبل البحث في بداية الأزمة ثم وقوع قتلى ثم الوصول إلى الحل التوافقي... ومن ثم قرار البرلمان بعزل الرئيس... الخ. نبيِّن مواقف الدول الثلاث المهتمة بأوكرانيا ليظهر بكل الوضوح أن هذه الدول الثلاث كان لها دور في أحداث أوكرانيا حتى وإن اختلفت شدة الدور بين دولة وأخرى وفق الظروف المتاحة لكل منها، وما تقتضيه مصلحة كل واحدة من هذه الدول. وهذه المواقف هي على النحو التالي:
أ- روسيا: انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتحاد الأوروبي في قمة الاتحاد الأوروبي روسيا يوم 25 كانون الثاني/يناير عام 2014، فقد انتقد الاتحاد الأوروبي لإرسال وفود رفيعة المستوى إلى أوكرانيا خلال احتجاجات مناهضة للحكومة قائلا "إنه يمكن تفسيرها على أنها تدخل سياسي". وقال في ختام تلك القمة في بروكسل: "يمكنني أن أتخيل رد فعل شركائنا الأوروبيين إذا حضر، في خضم أزمة في اليونان أو أي دولة أخرى، وزيرُ خارجيتنا تجمعاً مناهضاً للاتحاد الأوروبي وحث الناس على القيام بشيءٍ ما". (ياهو الأخبار 2014/1/18)، كما نقلت إنترفاكس عن وزير الخارجية الروسي لافروف قوله: "عندما يقول جون كيري... من حق أوكرانيا أن تختار مع من تكون - مع العالم كله أو مع دولة واحدة، فإن كيري - بتجربته، وحسّه السليم - هو آخر شخص أتوقع منه مثل هذه الدعاية". وقد ورد في هيئة الإذاعة البريطانية عن الاضطرابات الأوكرانية في 2014/2/1 أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال: "ما علاقة التحريض على الاحتجاجات العنيفة في الشوارع بتعزيز الديمقراطية؟... لماذا يشجع الكثير من السياسيين الأوروبيين البارزين حقّاً مثل هذه الأعمال، ولكنهم في أوطانهم سرعان ما يعاقبون بشدة أي انتهاكات للقانون؟" وقد اعتبرت روسيا ما يحدث في أوكرانيا "محاولة انقلاب" على السلطة، وحمّل وزير خارجيتها سيرغي لافروف بعض الدول الغربية المسؤولية عن الأحداث الدامية بأوكرانيا، ودعا الغرب إلى عدم لعب دور الوسيط في الأزمة. (2014/2/19 الجزيرة). ونقلت وكالة رويترز عن غلازييف مستشار الرئيس الروسي والمسؤول عن العلاقات مع أوكرانيا في تصريحات صحفية في 2014/2/6 تأكيده أن "التدخل" الأمريكي ينتهك معاهدة أبرمت عام 1994 تضمن واشنطن وموسكو بموجبها أمن وسيادة أوكرانيا، وتلتزمان بالتدخل عندما تنشب صراعات من هذا النوع، وذلك بعدما تخلصت كييف من ترسانتها النووية التي تعود للعصر السوفييتي. واعتبر المسؤول الروسي أن "ما يقوم به الأميركيون الآن من تدخل سافر ومن جانب واحد في الشؤون الداخلية لأوكرانيا انتهاك واضح لتلك المعاهدة التي تنص على ضمانات جماعية وعمل جماعي". (رويترز، الجزيرة عن وكالات 6، 2014/2/7).
ب- الاتحاد الأوروبي: أعلن وزير خارجية بولندا رادوسلاف أنه في طريقه إلى كييف بتكليف من الاتحاد الأوروبي في محاولة لإنهاء الأزمة هناك. وأعلن بيوتر سيرافان نائب وزير خارجية بولندا أنه تم التوصل إلى توافق ضمن الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على مسؤولين في أوكرانيا. بدورها، قالت المستشارة الألمانية ميركل - خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند - "إن على وزراء الخارجية الأوروبيين أن يبحثوا الخميس 2014/2/20 أي شكل من العقوبات التي يجب فرضها لإظهار أن أوروبا تريد عودة المسار السياسي بأوكرانيا". وقد تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات لأوكرانيا لإنهاء الاحتجاجات المؤيدة للتقارب مع أوروبا منذ أكثر من شهرين، وذلك خلال مباحثات أجرتها مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد كاثرين آشتون في كييف مع الرئيس يانوكوفيتش وقادة المعارضة التي تتمسك بمطالبها الداعية لرحيل الرئيس.
من جانبه حث زعيم المعارضة فيتال كليتشكو الاتحاد الأوروبي على التوسط في الأزمة السياسية العميقة التي تشهدها بلاده. وأضاف كليتشكو أن آشتون أكدت له أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لإرسال وسطاء رفيعي المستوى من أجل المفاوضات بين قادة المعارضة والحكومة. (2014/2/5 الجزيرة)، وكان موضوع أوكرانيا قد سيطر على قمة الأمن في ميونيخ ألمانيا في 31 كانون الثاني/يناير 2014. وقال رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي: "لا يزال العرض قائماً، ونحن نعرف أن الزمن في صالحنا. مستقبل أوكرانيا يخصّ الاتحاد الأوروبي."، وقد نقلت وكالة رويترز أن وزراء خارجية ألمانيا وبولندا وفرنسا يجرون محادثات مع الرئيس الأوكراني، ولم يغادروا البلاد وفقا لما تحدثت عنه مصادر دبلوماسية، ونقلت عن مصدر دبلوماسي قوله "إنهم يجتمعون معه الآن" وذلك في محاولة منهم لإيجاد مخرج للأزمة التي تعصف بالبلاد من أشهر. (نقلاً عن رويترز 2014/2/20).
وفي سياق ذي صلة التقى أرسيني ياتسينيوك - حليف زعيمة المعارضة المعتقلة ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو - والمعارض البارز وبطل الملاكمة السابق فيتالي كليتشكو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين، وذكر كليتشكو أنه يتعين على ألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يلعبا دورا قياديا في إيجاد حل للأزمة في أوكرانيا، وشدد كليتشكو على ضرورة أن يقترن الضغط الغربي على يانوكوفيتش بما أسماه برنامجا إيجابيا للشعب الأوكراني من خلال مساعدة مالية وإلغاء أو تخفيف نظام التأشيرات مع أوروبا. من جانبها، دعت ميركل كييف إلى تشكيل حكومة جديدة وإصلاح الدستور، وقالت في بيان إن "اتفاق العفو عن المتظاهرين يشكل خطوة إيجابية، وينبغي القيام بمزيد الخطوات في هذا الاتجاه". (2014/2/18 الجزيرة).
ج- أما أمريكا: فقد نقلت رويترز يوم الجمعة 2014/2/7 من واشنطن: "تكشف محادثة نشرت على موقع يوتيوب بين مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية والسفير الأمريكي في أوكرانيا عن تغير صريح في الإستراتيجية الأمريكية حيال الانتقال السياسي في هذه الدولة."، وأضافت: "وفي المحادثات التي نشرت على يوتيوب يوم الثلاثاء 2014/2/4 أبلغت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند السفير الأمريكي في كييف جيفري بايات أنها لا تعتقد أن فيتالي كليتشكو بطل المصارعة السابق الذي تحول إلى سياسي وهو زعيم المعارضة الرئيسي يجب أن يكون في الحكومة الجديدة."، وعلى الرغم من أن كليتشكو كان موضع ترحيب في أوروبا، وبخاصة للوفد الأوروبي الذي قابل الرئيس الأوكراني والمعارضة حيث أحد زعمائها كليتشكو إلا أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند في مكالمتها مع السفير الأمريكي لم يعجبها رأي الاتحاد الأوروبي وقالت لمحدثها "فليذهب الاتحاد الأوروبي إلى الجحيم"، وأشارت نولاند إلى إشراك الأمم المتحدة في حل سياسي للأزمة في كييف، ومع أن نولاند اعتذرت إلا أن تصريحها يكشف عن أن توجه أمريكا ليس بالضرورة مطابقاً لتوجه أوروبا.
هذا وقد أدان أوباما بشدة أعمال العنف التي تفجَّرت في أوكرانيا محملا الحكومة في كييف مسئولية قمع المتظاهرين، ومطالباً الحكومة بضبط النفس، وعدم استخدام القوة العسكرية في معالجة قضايا يجب تسويتها بالطرق المدنية، غير أن الرئيس الأمريكي أكد في الوقت نفسه أنه يتعين على المتظاهرين أن يظلوا سلميين وإدراك أن العنف ليس هو الطريق الذي يجب أن يسلكوه، يأتي ذلك في الوقت الذي كان قد أعلن فيه البيت الأبيض أنه يراقب الوضع في أوكرانيا في حين قال بن رودس أحد مستشاري الأمن القومي للرئيس الأمريكي أن الإدارة الأمريكية تجري مشاورات مع الاتحاد الأوروبي حول الخطوات القادمة التي يجب اتخاذها بما في ذلك فرض عقوبات على أوكرانيا. (البوابة نيوز عن أ ش أ الخميس 2014/2/20).
وكذلك فإن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري قد قال: "لا يوجد مكان يكون فيه النضال من أجل مستقبل أوروبي ديمقراطي أكثر أهمية اليوم مما هو عليه في أوكرانيا. وتقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع شعب أوكرانيا في تلك المعركة." (كما ورد في هيئة الإذاعة البريطانية - الاضطرابات الأوكرانية - 2014/2/1).
• وواضح من هذه المواقف والتصريحات ما يلي:
إن روسيا تعدّ أوكرانيا قضية مصيرية لها، فتراها تبذل الوسع في دعم الرئيس اقتصادياً بقوة، فخلال الاحتجاجات عقدت روسيا مع أوكرانيا اتفاقا يوم الثلاثاء 17 كانون الأول، تحصل أوكرانيا بموجبه على خصم مقداره 33% على إمدادات الغاز الطبيعي من 400 دولار إلى 268 دولارًا لكل ألف متر مكعب، وقد وافقت موسكو أيضا على شراء ما قيمته 15 مليار دولار من الديون الأوكرانية، (ياهو الأخبار 2014/1/18). وللدلالة على الأهمية البالغة لأوكرانيا من وجهة النظر الروسية فإن ممثلها لم يحضر توقيع الاتفاق الذي تمّ الجمعة 2014/2/21 مع أنه قد تم برضاها لأن يانوكوفيتش لا يستطيع أن يبرم اتفاقاً دون رضاها، لكن روسيا أرادت من وراء انسحاب ممثلها أن تعطي صورة حاسمة بأنها لا ترى حلاً لأوكرانيا إلا أن تكون أوكرانيا لها...! بالإضافة إلى كونه أسلوبَ ترضيةٍ لأعوان روسيا في أوكرانيا الذين لم يكن يعجبهم الاتفاق...
وأما الاتحاد الأوروبي، فهو كان بيضة القبان في الموضوع، فمندوبوه يروحون ويجيئون... فأشرفوا على إدارة الاتفاق وتوقيعه، وعلاقتهم واضحة مع المعارضة حتى إن المعارضة تطلب مساعدة أوروبا بشكل واضح، بل إن سبب الاحتجاجات رفض يانوكوفيتش توقيع الاتفاق التجاري مع أوروبا.
أما أمريكا فواضح من موقفها أنها تحاول إرضاء الطرفين: أوروبا وروسيا، فهي تريد أوكرانيا أن تبقى خارج الاتحاد الأوروبي ولكن مع حلف الأطلسي الذي تديره فعلاً أمريكا، فإبقاء أوكرانيا دولة ليست في الاتحاد الأوروبي يدغدغ مشاعر روسيا، وفي الوقت نفسه تكون أوكرانيا وسيلة ضغط عند أمريكا لضمان استمرار تعاون روسيا في مشاريع أمريكا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
8- أما عن الأزمة وكيف بدأت، وهل هي ثورة برتقالية جديدة تطيح بالنفوذ الروسي لمصلحة الغرب كما حدث في الثورة البرتقالية 2004 - 2005 حيث هيمن الغرب على النفوذ في أوكرانيا؟ وهل يتوقع عودة النفوذ الروسي كما حدث في انتخابات 2010؟ إن هذه المسألة تفهم هكذا:
أ- كان من المقرر أن توقع أوكرانيا على اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي في قمة الشراكة الشرقية في 21 تشرين الثاني/نوفمبر في فيلنيو، ليتوانيا. ولكن الحكومة الأوكرانية رفضت التوقيع على الاتفاق، واقترحت بدلاً من ذلك إنشاء لجنة تجارة ثلاثية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا مهمتها حل القضايا التجارية بين الأطراف. هذا الرفض هو ما أثار احتجاجات كبيرة في شوارع كييف... ثم تفجرت الأزمة الأخيرة حيث احتشد نحو 200,000 شخص في 15 كانون الأول/ديسمبر 2013 في العاصمة الأوكرانية كييف، واستمر تصاعد الأمور...
ب- ثم بدأت الاحتجاجات بالتصاعد: احتجاجات مستمرة... سيطرة ونصب خيام في ميدان الاستقلال... استيلاء على بعض مقرات حكومية... مطالبات باستقالة الرئيس أو تقليص صلاحيته... العودة إلى دستور 2004 الذي ينقل صلاحية الرئيس إلى البرلمان... الإفراج عن المعتقلين وبخاصة يوليا تيموشينكو... ثم ما حدث في أيام 18، 19، 20 من أحداث عنف وقتلى وجرحى... حيث أعلنت السلطات الأوكرانية يوم الأربعاء 2014/2/18 بدء عملية لمكافحة "الإرهاب" تستهدف معارضين تنعتهم بالمتشددين، في وقت تواصل فيه قوات الأمن اقتحام مركز الاحتجاجات بكييف حيث قتل 26 شخصا...
وكانت الحكومة قد أصدرت قانون طوارئ ثم منع التظاهر، ثم محاولة إشراك المعارضة في الحكم بعرض منصب رئيس الوزراء عليهم ضمن حكم الرئيس... ثم محاولة اقتحام ميدان الاستقلال ما ترتب عليه قتلى وجرحى إلى أن أُعلن في 2014/2/21 توصل المعارضة والحكم بالحوار إلى توقيع حل توافق يقضي بانتخابات مبكرة وتعديلات دستورية... فقد أعلنت وسائل إعلام يوم الجمعة 2014/2/21 أن ثلاثة من قادة المعارضة الأوكرانية قد وقعوا اتفاق إنهاء الأزمة مع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش داخل القصر الرئاسي بحضور وسطاء الاتحاد الأوروبي، فيما غادر ممثل موسكو في المفاوضات أوكرانيا إلى بلاده ولم يحضر حفل توقيع الاتفاق... ثم هذا اليوم 2014/2/22 أعلن البرلمان عزل الرئيس وانتخابات مبكرة...
واللافت للنظر هو أنه على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو الذي أدار اجتماعات الحوار وعقدت الاتفاقات بوساطته إلا أن الاتصال الأول مع بوتين بعد توقيع الاتفاق كان من أوباما، حيث قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية إن الرئيسين أوباما وبوتين أجريا اتصالا هاتفيا "بناء" شددا خلاله على أهمية تنفيذ اتفاقية السلام بأوكرانيا بسرعة، وعلى ضرورة تحقيق استقرار الاقتصاد الأوكراني. وأوضح المسؤول الأمريكي للصحفيين في مؤتمر صحفي عبر الهاتف أن الطرفين اتفقا على ضرورة تنفيذ الاتفاقية التي تم التوصل إليها بسرعة، وعلى أن من المهم جدا تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن العنف، وأن هناك فرصة حقيقية هنا للتوصل إلى نتيجة سلمية. (الجزيرة 2014/2/22 صباحا الساعة 3:03 غرينتش).
ج- أما هل هذه الاحتجاجات هي ثورة برتقالية جديدة كما حدث في 2004 - 2005؟ وهل يتوقع ردة فعل روسية كما حدث في 2010؟ فللإجابة على هذا السؤال يجب الأخذ في الحسبان أن الظروف الآن مختلفة عن 2005 و2010، فلم يعد بإمكان طرف من تلك الأطراف الثلاثة أن يمسك بالخيوط كلها ويوجد حلاً خالصاً له، وحتى تكون الصورة واضحة نعيد التذكير بما يلي:
- في وقت الثورة البرتقالية كانت روسيا تعاني من ذيول انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم تستقر بعد كدولة كبرى سياسياً ولا اقتصاديا، في الوقت الذي فيه أوروبا وأمريكا مجتمعتان معاً على دعم الثورة البرتقالية، وكان يهم أمريكا وأوروبا أن تنفلت أوكرانيا من قبضة روسيا ثم بعد ذلك تميل الكفة في أوكرانيا للطرف الأقوى "أمريكا وأوروبا"، وكانت أمريكا مطمئنة بأن عميلها يوشينكو سيرجح الكفة إليها دون منازع، ولذلك كان الصراع بين طرفين "أمريكا وأوروبا" في الجانب القوي، وروسيا في جانب ضعيف، فلم تستطع روسيا دعم الرئيس الموالي لها فكان أن هزم في انتخابات 2005 وأصبح يوشينكو رجل أمريكا هو رئيس أوكرانيا...
- وأما في 2010 فكانت روسيا قد تعافت إلى حد ما، ولوحظ فيها استقرار سياسي واقتصادي مقبول، وفي الوقت نفسه كانت أمريكا وأوروبا غارقتين في الأزمة الاقتصادية، وتكادان تلفظان نفسيهما بسببها، فاستطاعت روسيا في هذا الجو أن تغرق الحكم الموالي للغرب في أوكرانيا بالأزمات الاقتصادية وبخاصة الغاز، بالإضافة إلى التحريك الفاعل للموالين لها في أوكرانيا، ولذلك فاز رجلها في أوكرانيا يانوكوفيتش، ومع أنه فاز بفارق بسيط 3% من الأصوات إلا أنه أعاد النفوذ إلى حد ما إلى روسيا.
- أما الآن فالقوى الثلاث لديها كلها أزمات داخلية وخارجية... هذا فضلاً عن أن أمريكا لا تريد أن تكون أوكرانيا تابعة لأوروبا، بل تريدها مركزاً لنفوذها هي خارج الاتحاد الأوروبي، فتستعملها وسيلة ضغط وإغراء لروسيا لتستمر متعاونة مع أمريكا في مشاريعها وبخاصة الشرق الأوسط، فعدم ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي يرضي روسيا حتى وإن كان النصيب الأكبر في أوكرانيا لأمريكا وليس لروسيا!
- ولهذا فليس متوقعاً أن يستطيع أحد الأطراف الثلاثة أن يأخذ أوكرانيا كاملة إلى جانبه، على الأقل في المدى المنظور، بل إن حلاً توافقيا هو المتوقع كأن يستقيل الرئيس الحالي "أو يقال" و/ أو تحدث انتخابات رئاسية مبكرة تنتج رئيساً توافقياً بصلاحيات مقلصة وفق دستور 2004 أو دستور معدل، ونحو ذلك من حلول على الطريقة الرأسمالية، أي الحل الوسط، وبعبارة أخرى فإنه من المستبعد أن يكون الوضع الجديد في أوكرانيا خالصا لطرف من هذه الأطراف الثلاثة، ومن ثم فإن أي رئيس سيتم تنصيبه في أوكرانيا سيكون ممسوكاً بثلاثة أحزمة من صناعة تلك الأطراف الثلاثة، على الأقل في المدى المنظور...
- غير أن هذا الحل يبقى قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت تستجد فيه ظروف تُمكن أي طرف من هذه الثلاثة من الاستحواذ على النفوذ كاملاً في أوكرانيا، لأن هذه الأطراف الثلاثة تتبنى الرأسمالية، وهي قائمة على النفعية، فليست لديهم قيم ثابتة، بل متغيرة تكون في الجانب الأكثر منهم جمعاً والأشد خبثاً، والأعنف بطشاً.
- ولذلك فإن هذه الحلول التوافقية ليست أكثر من مسكنات أملتها الظروف الحالية للأطراف الثلاثة، وكلما تغيرت الظروف الفاعلة كلما توتَّرت الأمور من جديد، ولن يستقر الوضع في أوكرانيا إلا إذا قامت دولة خلافة للمسلمين تعيد إلى سلطانها القرم وما حوله، ومن ثم تستقر الأمور وينتشر الخير في ربوع العالم، فالإسلام رحمة للعالمين، لا يُظلم أحد تحت سلطانه ولا يجوع ولا يعرى بإذن الله، بل يبقى عزيزاً لا يهان ولا يعتدى عليه، فجميع رعايا الدولة لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم وفق الأحكام الشرعية سواء أكانوا رعايا مسلمين أم غير مسلمين، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.