- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلح أهل السنة والجماعة
الحلقة الثامنة عشرة
الأمة الإسلامية ليست فرقة، فالشيعة فرقة، والمعتزلة فرقة، ولكن الأمة الإسلامية ليست بفرقة
كانت هذه الفرق تنشأ وتخرج من رحم الأمة الإسلامية، فهي فرق والأمة الإسلامية هي الأصل، الأمة الإسلامية درجت على اتخاذ السنة منهج حياة، فالسنة جزء لا يتجزأ من إسلامها، والسنة ليست أمرا فروعيا بسيطا يمكن أن يغض الطرف عنه، فيكون المسلم مسلما وهو ينكر السنة أو ينأى عنها بعدا، فالله تعالى جعل السنة شطر الإسلام بالدليل القطعي، والاقتصار على الكتاب دون السنة رأي الخارجين على الإسلام، قال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وقــال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وقــال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ وقــال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هو الرد إلى سنته، وقال: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ وقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾. فهذه النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة، صريحة في وجوب الأخذ بالسنة كالأخذ بالكتاب، ومنكر السنة كافر قطعاً، فيجب الأخذ بالسنة كالأخذ بالقرآن، سواء بسواء من غير أي فرق بينهما. ولا يجوز أن يقال عندنا كتاب الله نأخذ به؛ لأن ذلك قد يفهم منه ترك السنة، بل لا بد من أن تقرن السنة بالكتاب، وقد نبـّه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديثه، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» أخرجه ابن ماجه. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يُوشِكُ أَحَدُكُمْ يَقُولُ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ، مَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ أَحْلَلْنَاهُ وَمَا كَانَ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْناَهُ، أَلاَ مَنْ بَلَغَهُ عَنِّي حَدِيثٌ فَكَذَّبَ بِهِ، فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِي حَدَّثـَهُ» أخرجه ابن عبد البرّ[1].
فالسنة كدليل أصل قطعي كالقرآن سواء بسواء، وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل من السنة دليل أو أمارة دليل على الحكم الشرعي، والإسلام سنن كاملة كالمحجة البيضاء ليست بحاجة لمن يكملها أو يزيد عليها أو ينقص منها، فالخروج عليها أو إدخال غيرها فيها بدعة، وهكذا أينما قلبت النظر وجدت السنة جزءا لا يتجزأ من الإسلام، فلا معنى للقول: إسلام سني، وإسلام غير سني، وهذا هو هو مدلول قولنا أهل السنة، كأننا نقول: يسوغ أن يكون غير السني مجافيا للسنة! فالسنة ليست فرقة ولا طائفة، ولا يكون المسلم إلا سنيا!
لذلك لا يصح وصف التمسك بالسنة بأنه افتراق، لأن التمسك بالسنة أصل ثابت بالإسلام، أو أن أهل السنة فرقة أو طائفة، فالأصل أن يتمسك كل مسلم بالسنة، كيف لا وقد أمر بذلك في محكم التنزيل، وبين الله تعالى في محكم التنزيل أن السنة مبينة للقرآن، وهي نصف الإسلام، لذلك فلا يصح وصف الأمة بأنها فرقة وهي تتمسك بمنهج السنة، نظير تسمية المعتزلة بأنها فرقة، والشيعة بأنها فرقة، وهكذا، لأنه صح تسميتهم بالفرق لتمايزهم عن الأصل بأمور بدعية في منهج التعامل مع الأصل.
وفي الوقت نفسه استمرت الأمة بعطائها العلمي فكان الفقهاء والمحدثون، والأصوليون، والعباد والمجاهدون وعامة الناس هم مادة الإسلام، وسواد الأمة الأعظم، كانوا يرون هذا كله، ويخرج منهم من يفند هذا المذهب وهذا الرأي أو ذاك، وخاصة العلماء، فكان من الطبيعي أن ينزع قوم من الأمة إلى ردها إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته التي هي المحجة البيضاء، فتسمى المحدثون ابتداء باسم أهل السنة، منهجا، وغلب عليهم وصف: أصحاب الحديث، في أوائل القرن الثالث الهجري، ثم ظهر السادة الأشاعرة في أواخر القرن الثالث بدايات القرن الرابع الهجري، وتسموا باسم أهل السنة والجماعة فرقة فكانت تسمية أهل السنة منهجا صحيحة، وتسمية أهل السنة فرقة خطأ جسيماً.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الفقير إلى رحمة الله تعالى: ثائر سلامة – أبو مالك
[1] الشخصية الإسلامية، الجزء الثالث "أصول الفقه" للقاضي تقي الدين النبهاني
لمتابعة باقي حلقات السلسلة