- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
التدليل على أن السلطان للأمة من الكتاب والسنة
إذا وضعنا نصب العين أن معنى الخلافة ووظيفتها هي رعاية مصالح الأمة وشئونها بأحكام الإسلام، ووضع الأحكام الشرعية موضع التطبيق (التنفيذ)، وتبليغ الدعوة الإسلامية، فقد أعطى الشرع سلطان تنفيذ الأحكام الشرعية للأمة، وأمرها بأن تبايع خليفة يقيم فيها تلك الأحكام. فالخلافة تجسيد عملي لأمر تنفيذ الأحكام، كل الأحكام، والتي جمعها الشارع عز وجل تحت مسمى "الأمر" وسمى المتصرف بها "ولي الأمر"، فالخليفة هو الإمام الأكبر، وولي الأمر، والخلافة الإمامة الكبرى، والخليفة يعاقب تارك الصلاة، ويأخذ الزكاة ليضعها في مصارفها، ويحفظ الأمن ويكون جُنَّةً للأمة، ويقيم الأنظمة السياسية التي ترعى شئون الأمة، الاجتماعية والاقتصادية والقضاء والعقوبات والسياسات التعليمية والمالية والإعلامية والحربية وما إلى ذلك، فإن هذا يبين لماذا نقول بأنها تاج الفروض!
قال الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]، ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4]، ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 15-16]، ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 41].
الملاحظ في هذه الآيات هو أن الخطاب فيها موجَّه للأمة، لذلك فسلطان تنفيذ الأحكام الشرعية للأمة، ولكنها لا يمكن أن تجتمع لتنفيذ هذه الأوامر، ولا بد لها من إمام تنيبه عنها في تنفيذ تلك الأحكام، لذلك فالأمة تفوض عنها الإمام في تنفيذ الأحكام، ولا يعود لها حق تنفيذها إلا ما كان خطابا لآحادها.
قال الرازي في تفسيره: البحث الخامس: في أن المخاطب بقوله تعالى: ﴿فَٱجْلِدُواْ﴾ من هو؟ أجمعت الأمة على أن المخاطب بذلك هو الإمام، ثم احتجوا بهذا على وجوب نصب الإمام، قالوا لأنه سبحانه أمر بإقامة الحد، وأجمعوا على أنه لا يتولى إقامته إلا الإمام وما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وكان مقدوراً للمكلف فهو واجب فكان نصب الإمام واجباً، وقد مر بيان هذه الدلالة في قوله: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ (تفسير الرازي للآية 2 من سورة النور)، وفي تفسيره للآية 38 من سورة المائدة قال: "المسألة السابعة: احتج المتكلمون بهذه الآية في أنه يجب على الأمة أن ينصبوا لأنفسهم إماماً معيناً والدليل عليه أنه تعالى أوجب بهذه الآية إقامة الحد على السراق والزناة، فلا بدّ من شخص يكون مخاطباً بهذا الخطاب، وأجمعت الأمة على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الجناة، بل أجمعوا على أنه لا يجوز إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا للإمام، فلما كان هذا التكليف تكليفاً جازماً ولا يمكن الخروج عن عهدة هذا التكليف إلا عند وجود الإمام، وما لا يتأتى الواجب إلا به، وكان مقدوراً للمكلف، فهو واجب، فلزم القطع بوجوب نصب الإمام حينئذٍ." انتهى، وقال الشوكاني في قوله تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ "والخطاب في هذه الآية للأئمة ومن قام مقامهم، وقيل: للمسلمين أجمعين، لأن إقامة الحدود واجبة عليهم جميعاً، والإمام ينوب عنهم، إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود" انتهى، الأمر الثاني: أن الله تعالى أمر نبيه بالحكم بما أنزل الله، فالإمام إذن مخول بالحكم بهذه الأحكام، قال الماوردي: "وعلى الخليفة إقامة الحدود لتُصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتُحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك".اهـ [الأحكام السلطانية: 1 / 3]
والسنة مبينة للقرآن، وقد بين الرسول rأن من ينفذ هذه الأحكام هو السلطان، أو من ينيبه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله rقال: «وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» [رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني]
ومنع آحاد الرعية من تنفيذها، قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "لا يقيم الحد على الأحرار إلا الإمام ومن فوض إليه الإمام". اهـ [الأم: 6/154]، وقال ابن قدامة - رحمه الله -: "لا يجوز لأحد إقامة الحد إلا بالإمام أو نائبه".اهـ [المغني: (9/51)]، قال ابن رشد - رحمه الله -: (وأما من يقيم هذا الحد - أي حد الشرب - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود، واختلفوا في إقامة السادات الحدود على عبيدهم...).اهـ [بداية المجتهد: 2/480]، وقال فخر الدين الرازي - رحمه الله -: (وأجمعت الأمة على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الجناة، بل أجمعوا على أنه لا يجوز إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا للإمام). [التفسير الكبير: 6/56]
لذلك قلنا: السلطان للأمة وهي تبايع إماما ينفذ فيها هذه الأحكام!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثائر سلامة (أبو مالك)