- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح187) تقسيم بيت المال إلى قسمين: قسم الواردات, وقسم النفقات
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "تَقْسِيمُ بَيتِ الـمَالِ إِلَى قِسْمَينِ: قِسْمِ الوَارِدَاتِ, وَقِسْمِ النَفَقَاتِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 102:بَيْتُ الـمَالِ دَائِرَةٌ تَتَوَلَّى الوَارِدَاتِ وَالنَّفَقَاتِ وَفْقَ الأَحْكَامِ الشَّـرعِيَّةِ مِنْ حَيثُ جَمْعُهَا وَحِفْظُهَا وَإِنفَاقُهَا. وَيُسَمَّى رَئِيسُ دَائِرَةِ بَيْتِ الـمَالِ (خَازِنُ بَيْتِ الـمَالِ)، وَيَتْبَعُ هَذِهِ الدَّائِرَةَ إِدَارَاتٌ فِي الوِلَايَاتِ, وَيُسَمَّى رَئِيسُ كُلِّ إِدَارَةٍ (صَاحِبُ بَيْتِ الـمَالِ).
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَّةُ الثَّانِيَةُ وَالأَخِيرَةُ لِلـمَادَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ: وَسَارَ خُلَفَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِدُونَ سِيرتَهُ، فَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ غَيرَهُمْ عَلَى الـمَالِ وَشُؤُونِهِ، رَوَى ابْنُ إِسْحَقَ وَخَلِيفَةُ قَالَا: «وَقَدْ وَلَّى -أَيْ أَبُو بَكْرٍ - أَبَا عُبَيدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ بَيْتَ الـمَالِ، ثُمَّ وَجَّهَهُ إِلَى الشَّامِ».
وَفِي تَرْجَمَةِ مُعَيْقِيبَ قَالَ الذَّهَبِيُّ «وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ». وَفِي البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لابْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيرِ: "أَنَّ رَسُـولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْتَبَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الأَرْقَمِ بْنَ عَبدِ يَغُوثَ, وَكَانَ يُجِيبُ عَنهُ الـمُلُوكَ, وَبَلَغَ مِنْ أَمَانَتِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى بَعْضِ الـمُلُوكِ, فَيَكْتُبَ وَيَخْتِمَ عَلَى مَا يَقْرَؤُهُ لِأَمَانَتِهِ عِندَهُ, وَكَتَبَ لِأَبِي بَكْرٍ, وَجَعَلَ إِلَيهِ بَيتَ الـمَالِ, وَأَقَرَّهُ عَلَيهِمَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ". وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ، وَابْنُ حَجَرَ فِي الإِصَابَةِ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ خَازِنُهُ يَسَارَ بْنَ نُمَيرٍ مَولَاهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الـمُصَنَّفِ، عَنْ لَاحِقٍ بْنِ حُمَيدٍ قَالَ: «وَبَعَثَ ابْنَ مَسعُودٍ على القَضَاءِ وَبَيتِ الـمَالِ». يَعنِي إِلَى الكُوفَةِ.
وَرَوَى خَلِيفَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ عُمَرَ وَلَّى عَبْدَ اللهِ بْنَ أَرْقَمَ بَيْتَ الـمَالِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبدِ القَارِي كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مَعَ عَبدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَمِ عَلَى بَيتِ الـمَالِ ...». وَرَوَى ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتْحِ عِندَ الكَلَامِ فِي مَنَاقِبِ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسُعُودٍ: «وَوَلِيَ بَيْتَ الـمَالِ فِي الكُوفَةِ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ». وَذَكَرَ الجَهْشِيَارِيُّ فِي الوُزَرَاءِ وَالكُتَّابِ: «وَكَانَ عَبدُ اللهِ بْنُ أَرْقَمَ ابنُ عَبْدِ يَغُوثَ أَحَدَ كُتَّابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَلَّدُ لَهُ بَيْتَ الـمَالِ». يَعْنِي لِعُثْمَانَ.
وَقَالَ الحَاكِمُ فِي الـمُسْتَدْرَكِ عَنِ الزُّبَيرِ بْنِ بَكَّارَ: «كَانَ عَبدُ اللهِ بْنُ الأَرْقَمِ بْنُ عَبدِ يَغُوثَ عَلَى بَيتِ الـمَالِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَصَدْراً مِنْ وِلَايَةِ عُثْمَانَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ». وَقَالَ ابْنُ عَبدِ البَرِّ فِي الاستِيعَابِ: «كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى بَيتِ الـمَالِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَكَانَ لِزَيْدٍ عَبْدٌ اسْمُهُ وَهِيبُ، فَأَبْصَرَهُ عُثْمَانُ يُعِينُهُمْ فِي بَيْتِ الـمَالِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ زَيْدٌ: مَملُوكٌ لِي. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَرَاهُ يُعِينُ الـمُسلِمِينَ، وَلَهُ الحَقُّ، وَأَنَا أَفْرِضُ لَهُ، فَفَرَضَ لَهُ أَلْفَينِ. فَقَالَ زَيْدٌ: وَاللهِ لَا تَفْرِضُ لِعَبْدٍ أَلفَينِ، فَفَرَضَ لَهُ أَلْفاً».
وَذَكَرَ الصَّدَفِيُّ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ مِصْرَ وَمَنْ دَخَلَهَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَسَارَ أَبُو رَافِعٍ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَوَلَّاهُ بَيْتَ مَالِ الكُوفَةِ». وَقَالَ ابْنُ عَبدِ البَرِّ فِي الاسْتِيعَابِ: «كَانَ عُبَيدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ خَازِناً وَكَاتِباً لِعَلِيٍّ». وَذَكَرَ العَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القَارِي: «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ وَهْبٍ السُّوَائِيَّ كَانَ عَلِيٌّ يُكْرِمُهُ وَيُحِبُّهُ وَيَثِقُ بِهِ, وَجَعَلَهُ عَلَى بَيْتِ الـمَالِ بِالكُوفَةِ». وَاسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ عَلَى البَصْرَةِ زِيَاداً، قَالَ الجَهْشِيَارِيُّ: «فَلَمَّا سَارَ عَنِ البَصْرَةِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الخَرَاجِ وَالدِّيوَانِ».وَيُمْكِنُ تَقْسِيمُ بَيتِ الـمَالِ إِلَى قِسْمَينِ:
القسم الأول: قِسْمُ الوَارِدَاتِ: وَيَشْمَلُ ثَلَاثَةَ دَوَاوِينَ:
- دِيوَانَ الفَيءِ وَالخَرَاجِ: وَيَشْمَلُ الغَنَائِمَ، وَالخَرَاجَ، وَالأَرَاضِي، وَالجِزْيَةَ، وَالفَيءَ، وَالضَّرَائِبَ.
- دِيوَانَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ: وَيَشْمَلُ النِّفْطَ، وَالغَازَ، وَالكَهْرَبَاءَ، وَالـمَعَادِنَ، وَالبِحَارَ، وَالأَنْهَارَ، وَالبُحَيْرَاتِ، وَالعُيُونَ، وَالغَابَاتِ، وَالـمَرَاعِي، وَالحِمَى.
- دِيوَانَ الصَّدَقَاتِ: وَيَشْمَلُ زَكَاةَ النُّقُودِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَالإِبِلِ، وَالبَقَرِ، وَالغَنَمِ.
القسم الثاني: قِسْمُ النَّفَقَاتِ: وَيَشْمَلُ ثَمَانِيَةَ دَوَاوِينَ:
- دِيوَانَ دَارِ الخِلَافَةِ.
- دَيوَانَ مَصَالِـحِ الدَّولَةِ.
- دِيوَانَ العَطَاءِ.
- دِيوَانَ الجِهَادِ.
- دِيوانَ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ.
- دِيوَانَ مَصَارِفِ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ.
- دِيوَانَ الطَّوَارِئِ.
- دِيوَانَ الـمُوَازَنَةِ العَامَّةِ، وَالـمُحَاسَبَةِ العَامَّةِ، وَالـمُرَاقَبَةِ العَامَّة.ِ
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.