الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

رد على محاضرة الحرية في الاسلام: النظرية والتطبيق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا يزال بعض السياسيين؛ باعتبارهم خط الدفاع الأول عن مفاهيم الغرب في العالم الإسلامي يروجون للأفكار الغربية وسمومها وسط أبناء الأمة الإسلامية، فقد استضاف أحد الصالونات الفكرية في السودان مجموعة من المفكرين والسياسيين وطرحوا فكرة الحرية في الإسلام، فأوردت بعض الصحف هذا اللقاء. فقام الأستاذ عوض خليل بالتعقيب على هذا الموضوع، أوردته صحيفة التيار العدد (936) يوم 09/04/2012م كما يلي تحت هذا العنوان:

[الحرية في الاسلام بين صراحة منصور خالد وغموض الصادق المهدي وغازي صلاح الدين وامين حسن عمر


هذا الموضوع هو عبارة عن تعقيب على ما جاء في صالون مفاكرات؛ المنعقد يوم الخميس 29/3/2012م بعنوان: (الحرية في الاسلام: النظرية والتطبيق)، شارك فيه بالحديث كل من: الصادق المهدي (امام الانصار ورئيس حزب الامة القومي)، والدكتور امين حسن عمر، والدكتور غازي صلاح الدين؛ القياديان في حزب المؤتمر الوطني، والدكتور منصور خالد الناشط السياسي المعروف، وآخرون.وقامت صحيفة الصحافة بنشره في عددها  الصادر يوم السبت 31 مارس 2012م.

 

ونسبة لأهمية الموضوع أحببت أن أعلق عليه، وذلك من خلال النقاط التالية:

 

أولاً:

إنه ليس هنالك شك من أن لفظ الحرية المذكور في هذا العنوان المقصود به الحرية التي نشأت عند الغرب في فترة ما بعد القرون الوسطى، وقد أشار الإمام الصادق المهدي إلى ذلك حين قال: (ولكنهم - أي الغربيين- مع ذلك بدأوا من اللاحرية وحرروا أنفسهم من الحق الإلهي للملوك وعصمة البابا وسيطرة الكنيسة فصنعوا الحضارة الحديثة وأظهروا مبادئ حقوق الإنسان وعاشوا في النور).

 

إن الحرية التي نشأت عند الغرب لها مدلول اصطلاحي؛ معناه أن الإنسان حر في تسيير إرادته وأنه سيد نفسه، فهو حر في شخصه وحر فيما يعتقد وحر فيما يقول وحر فيما يملك، وهذا المدلول نفسه هو معنى (الديمقراطية)؛ التي تعني السيادة للشعب (Democracy means the sovereignty of the people)، وهذا المدلول نفسه هو ما تفرع عنه ما يسمى بحقوق الإنسان وغير ذلك من المصطلحات الغربية السائدة اليوم.

 

إن الحرية بهذا المعنى لا تمت إلى أصول الإسلام بصلة، بل هي تتناقض مع الإسلام، لأن الإسلام يقول إن السيادة للشرع، وأن المسلم ليس سيد نفسه وليس حر في تسيير إرادته، وإنما هو عبد لله، وهو مقيد بالأحكام الشرعية في جميع علاقاته، سواء أكانت بربه (العبادات) أو بنفسه (من مأكل وملبس ..) أو بغيره من بني البشر (المعاملات). وقد يقول قائل هذا مجرد مصطلح ولا مشاحة في المصطلحات. نعم، صحيح أن لا مشاحة في المصطلحات، ولكن ذلك في حالة أن يكون المصطلح الأجنبي له معنى من المعاني التي عندنا في الإسلام، مثل مصطلح (دستور) الذي يعني تبني الدولة لأحكام معينة تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها، وتحكمهم بموجبها، فهذا المصطلح الأجنبي موجود معناه عند المسلمين، ولذلك ليس هناك من حرج من استعمال مصطلح (دستور) ويقصد به الأحكام الشرعية المعينة التي تتبناها الدولة الإسلامية، مع ملاحظة الفرق بين الدستور الإسلامي وبين غيره من الدساتير من حيث المصدر والمنشأ. أما إذا كان هذا المصطلح ليس له معنى عندنا كمصطلح الحرية هذا، فلا يرد مثل هذا القول.

 

ثانياً:

بناء على ما تقدم من تعريف مختصر للحرية كما نشأت عند الغرب فإني أرى أن هذا العنوان (الحرية في الإسلام) فيه خطأ منهجي، لأن النتيجة حينها لا نكون قد أخذنا الإسلام ولا الديمقراطية، بل ستكون جنيناً مشوهاً لا لون له ولا طعم ولا رائحة، كما هو حاصل اليوم في بلاد المسلمين، اللهم إلا إذا تصورنا أنه يمكن أن يكون هنالك بحث بعنوان (الزكاة في النظام الرأسمالي) مثلاً، أو بحث بعنوان: (الحج في المبدأ الشيوعي)، وهذا ما لا يقول به شخص عادي، ناهيك عمن ينظر إليه الناس باعتباره مفكراً سياسياً وقائداً إسلامياً.

 

إن المنهج الصحيح هو أن تدرس واقع المشكلة ثم تبحث لها عن حل حسب وجهة نظرك في الحياة إذا كانت الإسلام أو الديمقراطية بحرياتها أو الشيوعية، ويجب عليك أن تكون صادقاً وصريحاً وواضحاً دون خجل أو وجل. فمثلاً بعض الأنظمة في بلاد المسلمين اليوم ترفع شعار الإسلام ولكنها لا تطبق احكامه وأنظمته، كما أن بعضها تستند في وجودها على القوة الأجنبية، فهذا الواقع حين نعرضه على مبدأ الإسلام تكون النتيجة أن هذه الأنظمة غير إسلامية، ذلك لأن الدولة تكون إسلامية بتطبيق نظام الإسلام عملياً وليس برفع شعاره، وأن تكون القوة التي تستند إليها ذاتية؛ أي من المسلمين، وحينها ندرك أن باكستان مثلاً وايران والسعودية والسودان وغيرها ليست دولاً إسلامية كما يظن البعض رغم انها قائمة في بلاد المسلمين، وبالتالي يجب على المسلمين العمل لإقامة الدولة الإسلامية، وهذا الواقع نفسه إذا عرضناه وحاكمناه وفق النظام الديمقراطي تكون النتيجة أن هذه الأنظمة غير ديمقراطية وبالتالي يجب العمل لتحويلها إلى أنظمة ديمقراطية، والفرق واضح بين النتيجتين وبين العملين.

 

فالخطأُ المنهجي الذي يقع فيه كثير من الباحثين في بلاد المسلمين اليوم هو انهم يقومون بدراسة المشاكل ثم يلتمسون لها الحل عند الغرب ثم يقومون بليِّ اعناق النصوص الشرعية لكي تتوافق مع هذا الحل الذي توصلوا اليه حسب وجهة النظر الغربية، فيقعون في التناقض والغموض.

 

لقد كان الدكتور منصور خالد صريحاً حين قال: (نحن جزء من الاسرة الدولية وتربطنا معها اتفاقات دولية لها صلة بموضوع الحرية) وكان واضحاً بشكل اكثر حين (حذر من ان اي محاولة لإخضاع الحرية لعملية تأصيل ستفرغ الحرية من محتواها) فهذا الكلام فيه نوع من الصدق مع النفس وهو امر مطلوب ممن يتصدى لقيادة الناس فمنصور خالد بهذه الصراحة يعني أن الديمقراطية بحرياتها مبدأ قائم بذاته لا علاقة له بالاسلام، والاسلام مبدأ قائم بذاته لا علاقة له بالديمقراطية، ولك ان تختار ايهما شئت، فانت في ذلك خير ولست مسير، فهو بهذا الوضوح وبهذه الموضوعية قد أراح نفسه من كثرة الكلام واراح القارئ او المستمع من الغموض والتوهان، نقول هذا بالرغم من اختلافنا الكبير مع منصور خالد في منطلقاته الفكرية ومواقفه السياسية.

 

ثالثاً:

كان الاجدر بالصادق المهدي وهو امام طائفة الانصار ذات الجذور الاسلامية، وبغازي صلاح الدين وامين حسن عمر اللذين ينظر اليهما باعتبارهما قياديان في الحركة الاسلامية، كان الاجدر بهؤلاء ان يكونوا اكثر صراحة ووضوحاً، حتى لا يفهم كلامهم انه الباس للحق بالباطل. فالآيات التي حاولوا ان يؤصلوا بها للحرية الغربية ليست لها علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، فآية (لا إكراه في الدين) وآية  (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وآية (لست عليهم بمسيطر) هذه الآيات وما شاكلها ليس معناها هو الحرية الشخصية وحرية التملك وحرية الرأي، وحرية العقيدة؛ التي تعني تغيير المعتقد وقتما اراد الشخص وكيفما اراد، وليس معنى هذه الآيات حقوق الانسان التي من بينها المساواة بين الرجل والمرأة. وانما موضوع هذه الآيات ومعناها هو انه لا يجبر احد على اعتناق مبدأ الاسلام بالقوة والاكراه، وانما بالحجة والاقناع اما بعد اعتناق الاسلام فإن المسلم مقيد بأحكام الاسلام وليس حراً؛ لانه اعتنقه طوعاً واختياراً.

 

واما الجدل الذي كان دائراً بين المسلمين ان الانسان مخير ام مسير، والذي اراد امين حسن عمر والصادق المهدي ان يتكئا عليه في تأصيل معنى الحرية، وان نتيجة (مخير) التي توصل اليها المسلمون قديماً معناها الحرية السائدة اليوم عند الغرب، فإني لا أدري هل هو جهل منهما بحقائق التاريخ الاسلامي ام محاولة للالتفاف عليه؟ لأن موضوع ذلك البحث كان هو الثواب والعقاب وتنزيه الله عز وجل عن الظلم، والنتيجة التي توصل اليها المسلمون هي ان الانسان يثاب ويعاقب اذا قام بالفعل بإختياره، طالما ان ذلك الفعل يقع في الدائرة التي يسيطر عليها، وهو معنى قولهم (مخير) وشتان ما بين هذا المصطلح - مخير - ومصطلح الحرية السائد اليوم. والغالب على الظن ان الصادق المهدي، وغازي صلاح الدين، وامين حسن عمر، ومن هم على شاكلتهم يدركون ان الغرب لن يرضى عنهم ان هم تبنوا الاسلام على حقيقته وان الامة الاسلامية لن تنقاد لهم اذا هم تبنوا العلمانية صراحة، فارتضوا لانفسهم ان يكونوا في منزلة بين المنزلتين، مما جعل آراءهم تتسم بالضبابية والغموض.

 

رابعاً:

واما سر انحطاط المسلمين فليس هو غياب الحرية بمعناه السائد اليوم في بلاد الغرب كما يقول الصادق المهدي، فالحرية الغربية ليست لها علاقة بأصول الاسلام كما بينا، وليس هناك عوامل تاريخية عند المسلمين كتلك التي ادت الى نشاة فكرة الحريات في الغرب، فليس عندنا في الاسلام ما يسمى برجال الدين، وليس عندنا في الاسلام ما يسمى بالحق الالهي للملوك والرؤساء، وليس عندنا في الاسلام عصمة لاحد غير محمد - صلى الله عليه وسلم - كما ان دين الاسلام يختلف عن الدين النصراني في شموله لجميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاخلاقية والتعبدية.

 

والامة الاسلامية طوال فترة النهضة التي عاشتها عبر التاريخ لم تكن تطبق غير نظام الاسلام، حتى ان المسلمين قد ترجموا للعربية الفلسفة والعلوم والثقافات الاجنبية المختلفة، لكنهم لم يترجموا اي تشريع او قانون لأية امة مطلقاً، لا للعمل به ولا لدراسته، صحيح ان الاسلام بوصفه نظاماً كان يحسن الناس تطبيقه او يسيؤن هذا التطبيق، تبعاً لقوة الدولة وضعفها وتبعاً لدقة فهمها او مزايلتها للفهم وتبعاً لقوة حمل القيادة الفكرية او التراخي فيه، وذلك لأن الذي يطبق الاسلام هم البشر فالدولة الاسلامية هي دولة بشرية وليست الهية.

 

وعلى ذلك فإن تخلفنا وانحطاطنا انما بدأ يوم ان تركنا التمسك بديننا وتساهلنا فيه، يوم سمحنا للحضارة الاجنبية ان تدخل ديارنا، وللمفاهيم الغربية ان تحتل اذهاننا، يوم تخلينا عن جعل مبدأ الاسلام العظيم اساساً للحقوق والواجبات، وتقاعسنا عن حمله للعالم بالدعوة والجهاد بل اعتبرنا الجهاد حرب دفاعية، يقول الصادق المهدي في صالون مفاكرات ما نصه: "ان الاسلام لا يهدر حقوق الانسان لاختلاف الدين، ولا يجيز القتال الا لرد العدوان" وذهب الى ابعد من ذلك حينما قال: "إننا اصبحنا ضيوفاً في هذا الكون واصبح الغرب هو سيد الدار" وكان الاحرى به ان يبين ان ضيافتنا وسيادة الغرب للدار هي من باب (جداد الخلا طرد جداد البيت) ولا اظن ان هذا المثل الشعبي يخفى على السيد الصادق، او كان على الاقل ان يبين ان الضيف يجب ان يستقل بداره مهما طال به الزمن، ولكنه بدل ذلك قال كلاما يفهم منه ان هذا الضيف عليه ان يقوم بعرض نفسه على سيد الدار المزعوم يترجاه لكي يقبله عبداً عنده أبد الدهر، يقول الصادق المهدي: "ولهذا لا يصلح الحديث وكأننا في حالة منافسة مع الغرب، والصحيح أننا في حالة كيف نوجد موطيء قدم".

 

وفي الختام:

نلفت النظر إلى أن هذا التعقيب قد ركزنا فيه على الحرية من الناحية النظرية، وأما التطبيق فقد ضربنا عنه الذكر صفحاً وذلك لأن هذا المصطلح غريب على الإسلام وعلى الامة الاسلامية، وبالتالي ليست هنالك تجربة تطبيقية له في تاريخ المسلمين منذ أن أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة المدينة إلى أن هدمت آخر دولة للمسلمين في تركيا سنة 1924م، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأنظمة الموجودة اليوم في بلاد المسلمين هي أنظمة غامضة كما قادتها، فهي ليست إسلامية وفي الوقت نفسه ليست ديمقراطية، فلا تصلح مقياساً لا للإسلام ولا للديمقراطية.

 

وأما تطبيق الحرية في بلاد الغرب فذلك أمر لا يعنينا في كبير شيء، لأننا نعتقد جازمين أن الإسلام وحده هو الحق المطلق وبه معالجات لجميع شئون الكون والإنسان والحياة، وأن ما عداه من المبادئ فهو باطل، وما بُني عليه كذلك، فلسنا بحاجة لأن نتسول تجارب الأمم والشعوب].

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع