الجمعة، 07 صَفر 1447هـ| 2025/08/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  أولاد الشوارع في بلاد المسلمين  الأخت أم أبي بكر- السودان ج1

  • نشر في سياسية
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1784 مرات

 

منذ أن حكم العالم المبدأ الرأسمالي، متمثلا في أمريكا ودول الغرب، وبلاد المسلمين أيضا،  صارت المجتمعات الإنسانية تفتقر إلي الرحمة وأصبحت غابة، فيها "البقاء للأقوي" فتجد الفئات الضعيفة التى لا تستطيع الدفاع عن نفسها في ظل هذه الظروف القاسية من ضنك  معيشة وفساد الأنظمة: منها النظام الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والتعليمي،تجدها تعاني أبشع المعاناة وحقوقها مهضومة، مستغلة ومذلولة من قبل الفئات الاخرى في المجتمع. والأطفال هم أضعف الفئات في أى مجتمع،ونتجت عن قساوة الرأسمالية، ظاهرة فظيعة ألا وهي ظاهرة أولاد الشوارع.

لفظ أولاد الشوارع يطلق على الأولاد الذين يقضون يومهم كله في الشارع وينامون ليلا فى الشارع ولا يكون لهم مأؤي غير الشارع. يحاولون كسب عيشهم من أعمال بسيطة كمسح زجاج السيارات، أوبيع بعض السلع، وبعضهم يشحذون من كل من يمرعليهم، ماشيا كان أم راكبا.

 

هل تعرف أنه :

كشفت دراسة حديثة حول أطفال الشوارع أن حجم الظاهرة في السعودية يصل إلى نحو83 ألف طفل، أما في عمان والبحرين فيقدرعدد أطفال الشوارع بـ12 ألفا لكل منهما، فيما يصل عددهم في الإمارات إلى 4 آلاف. وهناك حوالي 30،000  طفل من أطفال الشوارع باليمن،ستون بالمائة منهم يعملون وينامون في الشوارع وعادة ما يكونون بعيدين عن أسرهم،ووفقا لدراسة جديدة، نجد أن الأربعين بالمائة المتبقية يعملون في الشوارع ويأوون ليلا إلى نوع من أنواع المساكن المؤقتة.والأسوأ، تفاقمت أزمة الأطفال المشردين في شوارع القاهرة مع ارتفاع عددهم، إذ تشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود أكثر من مليون ونصف مليون طفل في الشوارع تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاما. وتعتبر الجهود التي تبذلها جمعيات حكومية وأهلية لاحتواء هؤلاء الأطفال دون المستوى المطلوب لحجم المصيبة.

ومن أهم العوامل التي ساعدت في نشوء هذه الظاهرة

1-  الفقروالحاجة وارتفاع عدد الاسرة

2- تدني ثقافة الأسرة وتفكّكها: فهم ضحايا التفكك الأسري ‏,‏ فلا يقوم الأب أو الأم بدورهما الأساسي في التنشئة الاجتماعية أو رعاية الأبناء‏.‏ وفى بعض الاحيان يواجه الطفل الاهمال ,القهر والعنف  فى المنزل

3- البطالة التي يشهدها المجتمع بين الكبار نتيجة لفساد النظام الاقتصادي

4- ومن جهته‏,‏ يؤكد مسئول أن المسئول الأول عن أطفال الشوارع هو الأسرة‏,‏ سواء التي لفظت طفلها وألقت به في العراء إما للبحث عن قوت يومه أو للانفاق علي اسرته الفقيرة والمعدمة‏,‏ فالاسرة هي التي دفعت الطفل خارج المسكن وجعلت الشارع مأوي له ويمكن أن نقول إن‏85%‏ من هؤلاء الاطفال هربوا من أسرهم من شدة القسوة والعنف وضيق الحالة المادية والتربية الخاطئة واصدقاء السوء‏,‏ و‏12%‏ منهم خرجوا الي الشارع بدافع من أسرهم بحثا عن الرزق و‏3%‏ تائهون من أسرهم ووقعوا تحت براثن المجرمين المحترفين للتسول بهم واستخدامهم كسلاح ووسيلة للكسب‏,‏أما عن الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الاطفال في الشارع فتبدأ بالتسول وبيع المناديل ومسح زجاج السيارات بالاشارات ثم يندمج البعض في ادمان الكلة والتينر والبنزين والتدخين وعندما يبدأون في البلوغ يمارسون الفواحش فيما بينهم‏,‏ فالكبير يعتدي علي الصغير الذي لم يبلغ بعد بالاكراه‏,‏ ليشب الصغير وبداخله الرغبة الشديدة في الانتقام ويحاول الاعتداء علي الاصغر منه وهكذا تصبح دائرة تدور حول كل من ينضم اليها.

5-  وجود الحروب او الصراعات والعصابات التي تقطع اوصال الأطفال عمدا لتتسول بهم.  

 

مخاطر التشرد على الأطفال:

1- انقطاعهم عن التعليم: في تقريرأصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة(اليونسيف) يقدر عدد الأطفال في العالم (12) مليون طفل, (5,7) ملايين طفل في الوطن العربي لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة الابتدائية! وتقف المدارس موقفاً سلبياً من هذه الظاهرة، ولا أدلّ من ذلك من وقوف الكثير من الأطفال الباعة أمام المدارس بكل هدوء مما يؤثر سلباً على الأطفال ويشجعهم على السير على شاكلتهم!!

2- الجنوح للجريمة: في دراسة للدكتور عدنان الدوري 1985م , أشار إلى أن غالبية الدراسات العلمية أشارت إلى أن معظم المجرمين دخلوا عالم الجريمة السفلي من باب الجناح المبكر, وأن معظم الجنايات الخطيرة يرتكبها اليوم أشخاص تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة في المجتمعات الكبيرة. وقد كشفت دراسة حديثة لوزارة الداخلية أن جرائم السرقة المرتكبة من قبل الأحداث الجانحين الموجودين في السجون قد احتلت المرتبة الأولى بنسبة %29، وأكد تقرير أمني أن الأطفال الجانحين في اليمن أكثر ميلاً لسرقة المنازل والمحلات التجارية من ارتكاب الجرائم الأخرى، مشيراً إلى أن جرائم السرقة التي ضبطتها السلطات وثبت تورط أطفال في ارتكابها مثلث 146 جريمة سرقة من بين 980 قضية مختلفة رصدت العام 2006م ضد أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ 18 سنة ويعدد التقرير الجرائم التي كثيراً ما يرتكبها الأطفال بين جرائم نشل بـ 27 حالة و15سرقة سيارات و27 حالة نشل و9 قضايا إتلاف ملكية شخصية وتتوزع بقية النسبة في أنواع أخرى من الجرائم.

3- المخاطر الصحية: يتعرض هؤلاء الأطفال لمخاطر الطرق والمواصلات كالإرهاق الجسماني المستمر, كما أن فئة منهم تعمل بجمع القمامة مما يعرّضهم للأمراض من جرّاء أكل الأطعمة الملوثة الفاسدة, وقدّرت اليونسيف70% يعملون في الزراعة؛ مما يعرضهم للمواد والمعدات الخطرة.

4-  الاستغلال الجنسي: وفقا لتقرير(اليونسيف (هناك (4,8) مليون طفل يُستغلون في أعمال البغاء وإنتاج المواد الإباحية, (2,1) مليون يُستغلون في أعمال التهريب....1.2 مليون كانوا ضحايا الاتجار وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ١٥٠ مليون فتاة و ٧٣ مليون صبي تحت سن الثامنة عشرة عانوا من علاقة جنسية قسرية أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي أثناء عام ٢٠٠٢ ونتيجة لاحتكاكهم الدائم برفقاء السوء, وأرباب العصابات مع غياب الرقيب العائلي, أصبحوا فريسة سهلة للانحراف الأخلاقي ففي المملكة عدد الأطفال اللقطاء المكتشفين عام2002 هو (278) طفل ( بحسب الشرق الأوسط عدد 17 كانون الثاني (2004)..

5- التسوّل: بسبب انقطاع فرص العمل عنهم فيضطرون للتسول لتأمين لقمة العيش, وجاء في تقرير لجريدة الرياض (عدد شباط6- 2005): إنها قامت بجولة في موسم الحج على الأطفال المتسولين, فوجدت أن دخلهم يتراوح بين (1000-2000) يومياُ؟!هذا في مكة, أما في جدة كما نقلت الشرق الأوسط( عدد19أيلول 2005) فإن مركز إيواء الأطفال المتسولين التابع لجمعية البر رحّل (1933) طفل متسول وأعاد(1188) إلى أسرهم منذ إنشائه!!

6- حرمانهم من الضمان الاجتماعي, والتأمين الصحي.

7- ارتفاع نسبة الوفيات: أشار تقرير منظمة اليونسيف إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال في العالم العربي حيث يسجل (225) حالة وفاة لكل ألف ولادة, وهي خامس أعلى نسبة وفيات في العالم (نقلاًَ عن المركز التقدمي لدراسات المرأة).

8-   تقدر منظمة الصحة العالمية، من خلال استخدام بيانات محدودة على مستوى البلد، أن ٠٠٠ ٥٣ طفل قد توفي على مستوى العالم في عام ٢٠٠٢ نتيجة للقتل

9-  العمل القسرى: وتشير تقديرات حديثة لمنظمة العمل الدولية أن ٢١٨ مليون طفل، في عام ٢٠٠٤( قد دخلوا مجال عمل الأطفال، منهم ١٢٦ مليون طفل في الأعمال الخطرة وتشير تقديرات من عام ٢٠٠٠ أن ٥,٧ مليون طفل كانوا يعملون في عمل قسري

 

10-  ومن جانب آخر، على امتداد العقدين الماضيين أُجبر نحو 4.5 مليون طفل على حمل السلاح في أكثر من 30 دولة، بينها إيران والعراق والسودان. وخلال عقد التسعينيات فقط لقي مليونا طفل مصرعهم في ساحات الحرب، وتيتم مليون طفل آخر، ولحقت إصابات بالغة وإعاقات جسدية بعشرة ملايين، ويعاني ستة ملايين آخرين من أمراض نفسية حادة، كما أنّ أعدادا لا تحصى من الأطفال، خاصة الفتيات، كانت أهدافا لجرائم الاغتصاب والعنف الجنسي.

 

"بيزنس" تسريح الأطفال يبدأ بالتسول مرورا بتجارة المخدرات حتي الأعمال المنافية للآداب

المشهد الأول‏..‏ نهار خارجي‏:‏

الأطفال من مختلف المراحل العمرية ينتشرون في أماكن الزحام محطات القطارات‏..‏ الأتوبيسات‏..‏ شوارع وسط البلد‏..‏ بعضهم يخدعك بأنه بائع مناديل‏..‏ والبعض الآخر يمد يديه تسولا بما تجود به من مال‏..‏ وفئة ثالثة تترقب المارة والجلوس لتتحين فرصة سرقة أو نشل‏.‏

المشهد الثاني‏..‏ ليل داخلي‏:‏

يجلس زعيم العصابة منتظرا أطفاله الذين قام بتسريحهم ويتقاسم معهم حصيلة ما جمعوه طوال اليوم‏.‏

 

ما بين هذين المشهدين سيناريو بعنوان‏:‏ بيزنس تسريح الأطفال‏.‏

فمن نكد الظروف علي أطفال الشوارع أنهم صاروا يستخدمون كسلعة وبيزنس كبير من قبل زعماء العصابات‏,‏ فلم يكن التوربيني، وهو مجرم خطير مشهور في مصر، وشركاؤه في الجريمة الأخيرة هم وحدهم أصحاب مشروع استثمار أطفال الشوارع بطرق غير مشروعة‏..‏ فسجلات الأحداث ومشاهد الليل تكشف عن أن هناك عصابات قائمة علي استخدام هؤلاء الأطفال وفق منهج إجرامي‏,‏ وثقافة نشل وعقود مبرمة ضمنيا وربما تتضمن شروطا جزائية يتحملها في النهاية هؤلاء الأطفال‏.‏

 

•·   كما اكتشفنا ظاهرة خطيرة وهي وجود أمهات صغيرات من بين الفتيات المترددات علي المركز فئاتهن العمرية تتراوح ما بين‏13‏ و‏15‏ سنة وقد تعرضن للاغتصاب في الشارع علي أيدي الصبية الكبار أو استغلالهن اقتصاديا من قادة عصابات الشوارع في أعمال الدعارة‏.‏ ومشكلات الأمهات الصغيرات بالذات خطيرة لأن الأم تعيش في الشارع وهي حامل ودون رعاية وتنجب طفلا مشوها أو ضعيفا‏,‏ فقد وجدنا حالات أنجبت علي الرصيف وتحت شجرة وفي تاكسي‏,‏ وعندما تلد تجهل كيفية رعاية طفلها ولا تستطيع بسبب ظروفها رعايته‏,‏ وبالتالي فهو يموت أو تتركه علي باب جامع‏,‏ وفي دراسة أجريناها بالتعاون مع الجامعة الأمريكية وجدنا أن تزايد حالات الحمل السريع سنويا لهؤلاء البنات تعطي مؤشرا بأنهن أحد المصادر الرئيسية للأطفال اللقطاء في المجتمع‏.‏

•·   الخطير في الأمر أن هناك شريحة جديدة من أطفال الشوارع باتت تظهر في الأفق وهي شريحة الأطفال الصغار الذين تبلغ أعمارهم نحو‏5‏ سنوات‏.‏ الأمر المؤكد أن هؤلاء الأطفال لم يهربوا من أسرهم لكنهم طردوا منها‏,‏ وتلك هي الكارثة التي تستحق أن نقف أمامها ومعاقبة كل من يرتكبها بأشد ألوان العقاب فهي جريمة لا تقل عن جريمة التوربيني قاتل ومغتصب الأطفال لأنها تأتي من ذوي القربي‏,‏ وذوي القربي جريمتهم أشد فظاعة وأكثر ألما‏.‏

ما يزيد الطين بلة:

حركات التنصير الطفيلية التي تقتات على هذه الظروف الصعبة وتغري الأطفال بترك دينهم مقابل الفلوس.

 

يتخذ العنف ضد الأطفال مجموعة من الأشكال ويتأثر بمجموعة واسعة من العوامل، من الصفات الشخصية المميزة للضحية والفاعلين، إلى بيئتهم الثقافية والفعلية . ومع ذلك، لا يزال كثير من أنواع العنف الموجه ضد الأطفال خفيا لعدة أسباب . أحد هذه الأسباب هو الخوف: إذ يخشى الكثير من الأطفال الإبلاغ عن حالات العنف الموجه ضدهم . وفي كثير من الحالات ، يبقى الآباء، الذين ينبغي أن يحموا أطفالهم، صامتين إذا ارتكب العنف زوج أو أي أحد آخر من أفراد الأسرة، أو فرد آخر أكثر قوة من المجتمع مثل أي صاحب عمل أو ضابط شرطة أو زعيم طائفة . ويتعلق الخوف على نحو وثيق بوصمة العار التي كثيرا ما تلحق بالإبلاغ عن العنف لا سيما في الأماكن التي يأتي فيها "شرف" الأسرة قبل سلامة الأطفال ورفاهيتهم. ويمكن أن يؤدي الاغتصاب أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي الأخرى، على نحو خاص، إلى نبذ من المجتمع وزيادة العنف أو الموت.

 

 ويعد قبول العنف على مستوى المجتمع أيضا عاملا مهما : فقد يقبل الأطفال ومرتكبو العنف على السواء بالعنف البدني والجنسي والنفسي على أنه حتمي وعادي . وينظر إلى التأديب عبر المعاقبة البدنية والمهينة والترهيب والتحرش الجنسي غالبا على أنها مسائل عادية، خاصة عندما لا ينتج عن أي منها ضرر بدني "واضح" أو دائم. ويعكس ذلك، عدم وجود خطر قانوني واضح للعقوبة البدنية،  وهذا من تداعيات المجتمع الرأسمالي الهمجي،الذي يعلم الناس القسوة والفردية في المجتمع.

والعنف غير منظور أيضا لأنه لا توجد طرق آمنة أو موثوقة للأطفال أو الكبار للإبلاغ عنه. ففي بعض أنحاء العالم، لا يثق الناس في الشرطة أو الخدمات الاجتماعية أو غيرهم ممن هم في السلطة؛ وفي أماكن أخرى، لا سيما المناطق الريفية، لا توجد سلطة يمكن الوصول إليها يمكن أن يبلغها المرء بما حدث. وحيث تجمع البيانات، لا تكون دائما مسجلة بطريقة كاملة أو منسقة أو شفافة.

 

الحلول المطروحة:

- التعليم الإلزامي: ففي تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة ( اليونسيف) أن نسبة الانتظام الصافي في المدارس الابتدائية للذكور والإناث في السعودية 56% خلال الفترة من 1992م-2002(نقلاً عن أمان)

2-عمل بحوث اجتماعية في الأماكن الحرفية ,والمصانع والورش.

3- تأهيل أطفال من سن (10-15) ورعايتهم صحياً ونفسياً, وتدريبهم على بعض الحرف التي تتناسب مع أعمارهم, وتكوينهم الجسمي والنفسي.

4- توعية الأسر التي تدفع أبناءها إلى العمالة بخطورة المشكلة.

5- افتتاح مركز لإيواء الأطفال المشردين, أسوة باليمن التي قامت بافتتاح مركز مماثل في منطقة حرض الحدودية مع السعودية.

6- وضع المشاريع الجادّة للقضاء على هذه الظاهرة, مع الوضع بعين الاعتبار العائد المادي للقضاء عليها!! كما جاء في دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة "إن المنافع الاقتصادية التي تعود بها عملية مكافحة تشغيل الأطفال على مستوى العالم تتجاوز تكاليفها بمعدل(6,6- 1) فمثلاً في شمال إفريقية والشرق الأوسط ستكون الفوائد هي الأكبر مقابل التكاليف (8.4- 1)

فى مصر

تقول وفاء المستكاوي ـ مدير عام إدارة الدفاع الاجتماعي بوزارة التضامن الاجتماعي نتعامل مع ظاهرة أطفال الشوارع من خلال فلسفة الدفاع الاجتماعي التي تقوم علي فكرة وجوب تحويل المنحرف إلي إنسان سوي متكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه بحيث يكون عنصرا مثمرا ومنتجا فيه‏,‏ ومهمة الدفاع الاجتماعي ليست مقصورة علي علاج المنحرف ليكون عضوا سويا فقط بل تمتد هذه المهمة إلي وقاية المعرضين للانحراف والعمل بمختلف الوسائل والتدابير علي انتشالهم من الهوة التي قد يتردون فيها إذا لم يتم رعايتهم في الوقت المناسب ولذلك فإن أسس مكافحة الانحراف التي نتبعها تقوم علي التركيز علي الفرد والعناية بشخصيته والتعرف علي أسبابه ودوافعه للانحراف مع العمل علي علاجه‏.‏

 

وتتولي الإدارة رعاية الأطفال المعرضين للخطر وضحايا الانحراف والمتسولين غير أصحاء البنية ورعاية المحكوم عليهم والمفرج عنهم وأسرهم مع العمل علي الوقاية من سوء استخدام العقاقير والمواد المخدرة ويحكم عمل الإدارة في هذا المجال نظرة اجتماعية للطفل المنحرف أو المعرض للانحراف والخطر لظروف ومتغيرات أحاطت به أو كونه ضحية لمجموعة من العوامل الاجتماعية أو الشخصية أو بيئية لها أبعاد نفسية واجتماعية ونظرتنا لهم كضحايا تتطلب معاملتهم معاملة خاصة في التشريعات الخاصة بهم وفي التدابير التي يعاملون بها ولقد تضمن قانون الطفل رقم‏12‏ لسنة‏96‏ كل ما يتعلق بأمور هؤلاء الأطفال ورعايتهم كما رفض القانون من خلال المؤسسات الاجتماعية المتخصصة في التعامل معهم‏.‏

 

وكثير من هذا العمل يصل لقليل من الناس فقط.

هذا غير البلاد التي لا نملك عنها معلومات أو إحصائيات مثل السودان وبلاد إفريقية أخرى.

المريع فى هذا الموضوع هو:

•1.العدد الهائل (الخرافى) لقصص التعذيب ,الاغتصاب و القتل الموثقة فى الاعلام بدون التاثير على الواقع الفاسد الذى نعيش فيه،ويعتم الإعلام على هذه القصص، اللهم إلا في بعض المسلسلات.

•2. اللامبالة وطريقة تفكير اغلب الناس "هذه لست مشكلتى....هذه مشكلة شخص اخر"

3. عدم الرجوع إلى الشرع والعقيدة الإسلامية لحل المشكلة.

 

الخاتمة:
وأما أطفال المسلمين فلا بواكي لهم
الأطفال في ظل الخليفة والدولة الإسلامية:
لقد وصلت امتنا الاسلامية إلى درجات من احترام الانسان بل والحيوان. نادراً ما تصل اليها امة : فالطفل له مصاريف خاصة، والمريض يعالج في البيمارستان ويعطى الطعام والكساء ويعطى كل يوم ديناراً ذهبياً له قيمته في تلكم الايام، ووصل الاهتمام بصحة الطفل إلى ان تقوم حكومة نور الدين زنكي باجراء اوقاف توزع الحليب من ميزاب كبير بعد ان يحلى بالعسل، ومن لم يستطع المجيء إلى هذا الميزاب في دمشق وغيرها فان هناك اوقافاً تسمى (زبادي خانة) أي اوقاف اللبن الزبادي توزع على الفقراء والاطفال خاصة، بل حتى الحيوانات كان لها جرايات واوقاف.

ولما غاب الراعي بغياب دولة الخلافة صار الغرب الكافر يتاجر بأطفال المسلمين في مجالات عدة مثل الدعارة والتسول والعبيد والخدم والبيع والعمل وغيرها على أعين حكامنا وهم لنا ناظرون . وبات اطفال المسلمون لا بواكي لهم.

فأنشأ الغرب الكافر منظمات ظاهرها الرحمة وباطنها عذاب أليم تتاجر بأطفالنا الذين تشردوا بسبب الحروب والكوارث فيباعوا كما تباع السلع. وسأضرب مثالا عن بيع الاطفال من قبل عصابات منتشرة في بلاد المسلمين وخاصة دول الخليج, هذه العصابات تقوم بشراء الاطفال من دول افريقيا خاصة ويتم بيعهم الى دول الخليج وكافة الدول العربية للتسول على عين حكامنا ومرأى منهم .
وكشفت منظمة الهجرة العالمية ، أن آلاف الأطفال الإثيوبيين يتم بيعهم من قبل ذويهم مقابل دولار وربع أو دولارين ونصف على الأكثر للطفل الواحد. وعرض التليفزيون السويدي فتاة عراقية اسمها (زهراء) ذات الاربع الاعوام تباع في وسط بغداد بمبلغ 500 دولار، وهو المبلغ الذي لا يساوي قيمة الزهور التي يضعها الرئيس العراقي جلال الطلباني او رئيس وزرائه نوري المالكي في واحد من مؤتمراتهم الصحفيه, حسب قول الموقع.

هذه بعض القصص والحوادث التي يتعرض اليها اطفال المسلمين من قتل وتنصير سواء في بلاد الغرب كفرنسا وفي بلاد المسلمين  قاطبة, حال يندى له الجبين والسبب غياب دولة الخلافة الاسلامية التي بغيابها اصبح الطفل المسلم ارخص من باقة ورود.

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

ويقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم : "من رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 وفي الحديث: "مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومَن لم يصبح ناصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم"، "وأيما أهل عَرْصَة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله".

 وقد ذمَّ القرآن الأقوام الذين أطاعوا الجبابرة الطغاة وساروا في ركابهم كقوله عن قوم نوح: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} [نوح:21].

بل جعل القرآن مُجرَّد الركون والميل النفسي إلى الظالمين موجبًا لعذاب الله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113].

ويُحمِّل الإسلام كل مسلم مسئولية سياسية: أن يعيش في دولة يقودها إمام مسلم يحكم بكتاب الله، ويبايعه الناس على ذلك، وإلا التحق بأهل الجاهلية، ففي الحديث الصحيح: "من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية".

فماذا ينتظر المسلمين أكثر من القسوة التي يعاني منها فلذات الأكباد وهم من يفرح الله سبحانه وتعالى لفرحهم،متي يعملون لإعادة الخليفة والذي يحكم بالإسلام ويطبقه وينقذ به المستضعفين في الأرض؟

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:97-99].

 

  

فحسبنا الله ونعم الوكيل

 

أم أبوبكر - ولاية السودان

إقرأ المزيد...

  نفائس الثمرات - النوم على طهارة

  • نشر في من السّنة الشريفة
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1033 مرات

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( طهروا هذه الأجساد طهركم الله فإنه ليس من عبد يبيت طاهرا إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرا ) . رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد

 

‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الدَّرْدَاءِ ‏ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ :(‏ ‏مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ ‏يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) رواه النسائي و ابن ماجه بإسناد جيد وابن خزيمة في صحيحه

إقرأ المزيد...

  تيسير الوصول إلى طريق الرسول ص - إبتلاء حملة الدعوة ج2 - ح16  - الأستاذ أبي إبراهيم

  • نشر في الشخصية الإسلامية
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1652 مرات

 

  

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعه وسار على دربه, واهتدى بهديه, واستن بسنته, ودعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين, واجعلنا معهم واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا سهل إلا َّ ما جعلته سهلا , وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلا . اللهم لا علم لنا إلا َّ ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

 

ربِّ اشرح لي صدري, ويسِّر لي أمري, واحلل عقدة من لساني, يفقهوا قولي.

 

 

            إخواننا في الله, أحبتنا الكرام: مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير, أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:

 

             نلتقي بحضراتكم على أثير إذاعتنا المحبوبة, لنعيش وإياكم في أجواء السيرة النبوية العطرة, من خلال الحلقة السادسة عشرة والأخيرة من سلسلة حلقات تيسير الوصول, إلى سبيل الرسول صلى الله عليه و سلم في حمل الدعوة وإقامة الدولة, وتبليغ رسالة الإسلام للناس كافة. داعيا المولى تبارك وتعالى, أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم, وأن يتقبله منا, وأن يعمَّ نفعه على كل من سمعه في كل أقطار الدنيا, إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

 

            أحبتنا الكرام: توقفنا في الحلقة السابقة مع نهاية الإيقاع الأول والذي تحدثنا فيه عن عن الإيمان, والفتنة التي يتعرض لها المؤمنون لتحقيق هذا الإيمان وكشف الصادقين والكاذبين بالفتنة والابتلاء.

 

وفي هذه الحلقة نتابع معكم باقي هذه الإيقاعات:

 

          الإيقاع الثاني: وأمَّا الذين يفتنون المؤمنين, ويعملون السيئات فما هم بمفلتين من عذاب الله, ولا ناجين مهما انتفخ باطلهم وانتفش, وبدا عليه الانتصار والفلاح, وَعْدُ الله كذلك وسنته في نهاية الظالمين. فلا يحسبنَّ مفسد أنـَّه مفلت ولا سابق, ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه, وفسد تقديره, واختلَّ تصوره, فإنَّ الله الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن, ويميز بين الصادقين والكاذبين, هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد, قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)}العنكبوت (3/4).

 

           الإيقاع الثالث: أما الإيقاع الثالث فيتمثل في طمأنة الذين يرجون لقاء الله, ووصل قلوبهم به في ثقة ويقين, فلتـقرَّ القلوبُ الرَّاجية في لقاء الله, ولـتطمئنَّ, ولـتنـتـظرْ ما وعدها اللهُ إيَّاه انـتظار الواثـق المُستـيقـن ولتـتـطلع إلى اللقاء يوم الدِّين في شوق, ولكنْ في يقين.

 

والتعبيرُ يصوِّر هذه القـلوب المُتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية, صورة الرَّاجي المُشتاق الموصول بما هناك, ويجيب على التـَّطلع بالتوكيد المُريح, ويعقب عليه بالطمأنينة النديَّة يدخلها على تلك القلوب, فإنَّ الله يسمع لها ويعلم تطلعها. قال تعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }العنكبوت5

 

          أما الإيقاع الرابع: فيواجه القلوب التي تحـتمل تكاليف الإيمان ومشاقِّ الجهاد, بأنـَّها إنـَّما تجاهد لنـفسها, ولخيرها ولاستكمال  فضائلها, ولإصلاح أمرها وحياتها, وإلا َّ فما بالله من حاجةٍ إلى أحد, وإنه لغـنيٌ عن كـلِّ أحد.

 

فإذا كتب الله على الُؤمنين الفتنة وكلـفهم أن يجاهدوا أنفـسهم لتثـبت على احتمال المشاقِّ, فإنـَّما ذلك لإصلاحهم وتكميلهم وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة.

 

والجهاد يصلِح من نـفس  المجاهد وقلبـه, ويرفـع من تصوُّراته وآفاقه, ويستعلي به على الشح بالنفس والمال, ويستجيش أفضل ما في كيانه من مزايا واستعدادات, وذلك كـله قـبل أن يتجاوز به شخصه إلى الجماعة المؤمنة, وما يعود عليها من صلاح حالها, واستقرار الحق بينـها, وغلـبة الخـير فِيها على الشـر, والصلاح على الفـساد.

 

 قال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) }العنكبوت

 

فلا يقعُدنَّ أحد في وسط الطـَّريق, وقـد أمضى في الجهاد شوطا ً, يطلـبُ من الله ثمن جهاده, ويمن عليه وعلى دعوته, ويستبطئ المكافأة على ما بذله, فـإنَّ الله لا يناله من جهاده شَيء, وليس في حاجةٍ إلى جُهد بشر ضعـِيف هزيل قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6.

 

 وإنـَّما هو فـضـلٌ من الله أن يعـينـه في جهاده, وأن يستخلفه في الأرض به, وَأن يأجُرَه في الآخرة بثوابه:  

 

 قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) } العنكبوت

 

فليطمئنَّ المؤمنون العاملون على ما لهم عند الله, من تكفير السَّيـئات, وجزاءٍ على الحسنـات, وليصبرُوا على تكاليف الجهاد, وليثـبُـتـوا على الفتـنة والابتلاء, فالأمَـلُ المُشرقُ والجزاءُ الطـيِّبُ ينتـظرهم في نهاية المطاف, وإنـَّه لحَسْبُ المؤمن لـو فاته في الحياة الانتصاف.

 

ثـمَّ يجيء إلى لـون من ألوان الفِتنة أشـرنا إليه في مالحلقة السابقة فـتنة الأهـل والأحبَّاء فيفصل في الموقف الدَّقيـق بالقول الحازم

 

قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  (8)} العنكبوت

 

إنَّ الوَالدين لأقـرَبُ الأقربين, وإنَّ لهُما لفضْلا ً, وإنَّ لهُما لرحِمًا, وإنَّ لهُما لواجبـًا مفرُوضًا, واجبَ الحُبِّ والكرامة, والاحترام  والكفالة, ولكنْ ليس لهما من طاعة في حقِّ الله, وهذا هو الصِّراط

 

قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا.... (8)}

 

          أحبتنا الكرام, مستمعينا الأعزاء: إنَّ الصِّـلة في الله هي الصِّـلة الأَولـَى, والرَّابطة في الله هي العروة الوثـقى, فإنْ كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والرِّعاية لا الطـَّاعة ولا الاتـِّـباع, وَإنْ هي إلا َّ الحياة الدنيا ثمَّ يعود الجميع إلى الله.

 

           قال تعالى: {.......إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  (8)}

 

ويفصلُ ما بين المؤمنين والمُشركين, فإذا المُؤمنـُون أهـْـلٌ ورفاقٌ, ولو لـم يَعقـِدْ بينهم نـسبٌ ولا صِهرٌ.

 

            قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}العنكبوت9

 

وهكذا يَعُودُ الموصُولون بالله جماعة ٌ واحدة ٌ كما هم في الحقـِيقة, وتذهب روابط ُ الدَّم  والقرابة والنـَّسب والصهر وَتـنتهي بانتهاء الحياة الدنيا , فهي روابـِط ُ عارضـة ٌ لا أصيلة لانقطاعها عن العُروة الوُثـقى التي لا انفصام لها!

 

روى الترمذيُّ عند تفسير هذه الآية: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا.... (8)) أنـَّها نزلت في سعد بن أبي وَقــَّاص رضي الله عنه وَأمِّه حِمْـنة بنت أبي سُـفيان, وكان بارَّا ً بأمِّه, فقالت له: ما هذا الدِّينُ الذي أحدثت؟ واللهِ لا آكلُ, ولا أشرَبُ حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فـتعـيَّر بذلك أبدَ الدَّهر يُقال: يا قـاتلَ أمِّه! ثمَّ إنـَّها مكثـت يومًا وليلة لم تأكل ولم تشرب, فجاء سعـدٌ إليها وقال:{ يا أمَّاه, لو كانت لك مئة ُ نفس ٍ فخرجت نفسًا نفسًا ما تركتُ ديني فكلي إن شِئت, وإنْ شِئـت لا تأكلي}!

 

فلمَّا أيـِست منه أكـلـت وشربت, فأنزل الله هذه الآية آمـِرًا بالبـِرِّ بالوالدين والإحسان إليهما, وعدم طاعتهما في الشِّرك.

 

 قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا.... (8)}

 

وهكـذا انتصرَ الإيمَانُ على فتنة القرابة والرَّحم, واستـُبقي الإحسانُ والبـِّرُ, وإنَّ المُؤمن لعُرضة ٌ لمثـل هذه الفتنة في كلِّ آن. فليكـُنْ بيانُ الله, وفعـلُ سعدٍ هُما راية النـَّجاة والأمان!

 

           إخواننا في الله, أحبتنا الكرام: يرسم القرآن صُورة كاملة ً لنموذج ٍ من النفوس في استقبال فتنة الإيذاء بالاستخذاء, ثمَّ الادِّعاء العريض عند الرَّخاء,  يرسمها في كلماتٍ معدودات صورة واضحة  الملامح بارزة السِّمات،

 

         قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)  وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)}العنكبوت

 

        ذلكَ النـَّمُوذجُ من النـَّاس, يُعْـلِـنُ كلمة  الإيمَان فِي الرَّخـَاء يَحْسَبُها خفيفـة الحمل, هيـِّـنة المؤونة, لا تكلـِّـفُ إلا َّ نـُطقها باللسان, فإذا أوذي في الله بسبب الكلمة التي قالها وَهو آمِنٌ مُعافىً, جعل فـتـنة النـَّاس كعذاب الله فاستقبلها في جزع! واختـلـَّت في نفسه القـيم!  واهـتزَّت في ضمِيره العـقيدة! وَتصـوَّر أنْ لا عذابَ بعد هذا الأذى الذي يلقاهُ! حتى عَذابَ الله!

 

وقال في نفسه: هاهو ذا عذابٌ شديدٌ أليمٌ ليس وراءهُ شيءٌ! فعلامَ أصبرُ على الإيمَان, وَعَذابُ الله لا يزيدُ على ما أنا فيه من عَذابٍ؟ وَإنْ هو إلا َّ الخلـْط ُ بين أذىً يقدرُ على مثله البشر, وَعَذابِ الله الذي لا يعْرفُ أحَـدٌ مداه!

 

هذا موقِفُ ذلك النـَّمُوذج من النـَّاس في استقبال الفِتنة في ساعةِ الشدَّة. وذلك كان موقفهم في ساعةِ العُسرة من التـَّخاذل! والتـَّهافتِ وَالتـَّهَاوي! وَسُوء التـَّصوُّر! وخطأ التـَّـقدِير. وَلكنْ حين يَجيءُ الرَّخاءُ, تنبثُّ الدَّعوى العريضة, وينتفش المنزوُون المتخاذلون, ويستأسِدُ الضُّعفاءُ المهزُومُون فيقـولون: {......إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ..... }العنكبوت10  وَيُجيبُ الحَقُّ سُبحَانـَهُ وَتعَالى: {..... أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) }

 

 أوليس يعلمُ ما تنطـوي عليه الصدُور من صبـر ٍ أو جزع, ومن إيمان أو نفاق؟ فـمن الذي يخدعُه هَؤلاء؟ وَعَـلى مَنْ يُمَوِّهُونَ ؟ 

 

 قال تعالى:  { وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)}

 

وَليكـشـِفنـَّهُم فـيُعرفون! فمَا كانت الفتنة ُ إلا َّ ليتبيـَّن الذين آمَـنـُوا! ويتبيـَّن المُنافقون!

 

        أحبتنا الكرام: وهنا نقفُ لحظة أمام التعبير القرآني الدَّقيق وهو يكشف عن موضع الخطأ في هذا النموذج من النـَّاس حين يقول: {.... جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن....}العنكبوت10

فـليست الغلطة أنَّ صبرهم قـد ضعف عن احتمال العذاب!!

 

فمِثـلُ هَذا يقـعُ لِلمُؤمنين الصَّادقين في بعض اللـَّحظات ـ وللطـَّاقة البشريَّة حدود ـ ولكنـَّهم يظلون يُـفرِّقون  تفرقة واضحة في تصوُّرهم وشعورهم, بين كلِّ ما يملكه البشر من أذىً وتـنكيل, وبين عذاب الله العظيم , فلا يختـلط  في حسِّهم أبـدًا  عالم الفناء الصَّغير, وعالم الخلود الكـبير! حتى في اللـَّحظة التي يتجاوز عذاب  النـَّاس  لهم مدى  الطـَّاقة والاحتمال!

 

إنَّ الله في حِسِّ المؤمن لا يقوم لـه شيءٌ مهما تجاوز الأذى طاقته واحتماله.  وهذا هو مفرقُ الطـَّريق بين الإيمان في القـلوب والنـِّـفاق!

 

 

وأخيرًا يعرضُ فتنة الإغـواء  والإغراء, ويعرضُ معها فـساد تـصوُّر الذين كفـروا للتــَّـبعة والجزاء, ويقـرَّرُ فرديـَّة  التــَّـبعة, وشخصيَّة الجزاء, وهو المبدأ الإسلاميُّ الكبيرُ الذي يُحقـِّـقُ العدل في أجلى مظاهره, وأفـضل أوْضاعه،

 

      قال تعالى:   {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(13) }العنكبوت

 

وقـد كان الذين كفروا يقولون هذا تمشـِّـيًا مع تصوُّرهم القـبليِّ في احتمال  العشـيرة للـدِّيات المشتركة والتبعات المشتـركة, يحسبون أنـَّهم قادرون على احتمال جريرة الشـِّرك بالله عن سواهم, وإعفائهم منها! يقولون ذلك للتهكم على قصَّة الجزاء في الآخرة إطلاقـًا ، قال تعالى: {... اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ....(13) }

 

 

ومن ثمَّ يرد عليهـم الردَّ الحاسم! فـيُـرد كل إنسان إلى ربـِّه فردًا, يؤاخذه بعمله, ولا يحمل أحدٌ عنه شيئـًا،: { ...وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ....) }   ويُجيبُهم بما في قولـتهم هذه من كذب وادِّعاء: {..... إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(12)} ويحمِّلهم وزر ضلالهم وشـركهم وافترائهم, ووزر إضلالهم للآخرين دون أن يُعفي هؤلاء من تبعة الضَّلال: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(13) }العنكبوت

 

ويُغلقُ هذا البَابُ من أبواب الفتنة, فيعلم النـَّاسُ أنَّ الله لا يحاسبهم جماعاتٍ, إنـَّما يحاسبُهم أفـرادًا! وأنَّ كلَّ امرئ بما كسب رهِين!

 

           إخواننا في الله: إنَّ حامل الدَّعوة لا يملك إلا َّ أنْ يكون مُخلصًا! متوكلا ً على الله! واثقـًا بنصر الله! صادقا ً مع نفسه! صابرا ً مُحتسبًا! يُعطي بلا حدود! الدنيا في عينيه جسرُ العبُور إلى الجنـَّة!

 

هذا الجـسرُ مزرُوع ٌ بالأشواك! مرصودٌ بالوحُوش الضَّارية! نعيمُه سِـنة! ولذته لحظة! وعزّه سراب! وقصورُهُ تـبابٌ! الاستراحة ُ عليه مَهلكة ٌ! والإعجابُ به اضطرابٌ! ومُـقارَنته بما بعدهُ ضَربٌ من الجُنون!

 

وإنَّ الدِّرع الواقي من ذلك كلـِّه استعجالٌ بالتـَّوبة, ويقين على الله, وزهد في الموجود, وثقـة  وعمل للموعود, عجلة إلى الخير, إقبالٌ على الهُدى, صَبرٌ ومصابرة على حمل الدَّعوة, مع التـَّمسك بحبل الله, وانتظار وعد الله, الذي لا يُخلف!

 

قال تعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}العنكبوت5

 

وإنَّ هذا الطـِّراز الخاصَّ من البشر الذي أرادت السنـَّة الإلهيَّة أن ينبت في حقـل من الشِّدة والبلاء, وجد في كلِّ عَصْر, ولا يخلو عصر من العُصُور من هذا الطـِّراز الرَّاقي من البشر! ولـو استعرضنا تاريخ البشريَّة؛ لوجدناهُ ماثلا ً كالطـَّود الشـَّامخ, يصْرُخُ بصوته المزمجر في وجه أهل الباطل  ودُعاة الضَّلال! ولولا أنْ يطولَ بنا المُـقامُ لاستعرضـنا من كلِّ عصر ٍ طِرازهُ الخـَّاصُّ الذي خرَّجته مدرسة الابتلاء  وجامعة الشدائد!

 

ولكنـَّـنا سنعرضُ نموذجًا من هذا الطـِّراز موجودًا بينـنا, يَعيشُ في زمانِنا هذا الذي يزعم الكثيرون أنـَّه زمنُ انعدام ذلك الطـِّراز الرَّاقي من الدُّعاة, الذي يصبر على الشدة والبلاء من أجل هذا الدَّين العظـِيم!

 

ففي تـركيـَّا سطـَّر الشـَّبابُ آية ً رائعة ً في الصَّبر على البلاء والمحن في سبيل الدَّعوة إلى الحقِّ والهُدى, نستـعرضُها لتكون حافزًا لنا على دعوتنا, ولتكون مِلـْحًا في العيـون التي تأبى أنْ ترى الحقَّ, وتتعامى عن عطاء  المخلصين!

 

لقد قامت السُّلطاتُ التـُّركـيَّة بملاحقة أحد الشـَّباب المسؤولين في حزب التـَّحرير,  واستمرت الملاحقة مدةً طويلة إلى أن ألقي القبض عليه،  وهناك تعرَّض لعذاب شديدٍ, قلـَّما يتحمَّـله بشر, وما ذلك إلا َّ ليعرفوا منه أسماء الشـَّباب الآخرين أو أيـَّة معلوماتٍ أخرى حول الحزب, لكنه ـ رحمهُ اللهُ حَيـَّـًا وميـِّـتـًا ـ لم يـقـل  لهم إلا َّ ما يغيظهم, وكان كلـَّما زادُوا عليه شدَّة  التعذيب, يزيدُ السُّخرية والاستهزاء بهم, حتى يئسُوا من تعذيبـه الذي كان يستمرُّ ما يقارب الثــَّماني عشـْرة ساعة ً في اليوم الواحد, دون أن يحصلوا منه على أيَّة معلومة تفـِيدهم!

 

وبعد أيَّام من التعذيب والسَّجن الإنفراديِّ جمعوه مع إخوانه في غرفة واحدة, وعلى الرَّغـم من أنَّ هذا المسؤول كان مُنهَكـًا إلا َّ أنـَّه التفـت إلى الشـَّباب, ودار بينـهم حوارٌ رُوحانيٌ أودّ أن أذكـر لـكـُم مُـقتطفاتٍ مما قاله هذا الشاب  لإخوانه في السجن:

 

 

فقد قال لهم:  أيها الشباب:

 

 لقد قسَّم الله تعالى النـَّاس في سورة الواقعة إلى ثلاثة أقـسام, فـقرَّب منه عزَّ وجلَّ من وصفهم بـقوله  {السَّابِقُون}. ووعدهم بجنـَّات النـَّعيم حَيث قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)  أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) في جَنَّاتِ النَّعِيمِ }الواقعة

 

وذكر بأنَّ هؤلاء عددهم قليل, حيث قال: ( ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ( 13 ) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ(14) } الواقعة

  

وهؤلاء القلـيلـون هم الصَّفوة من جميع  بني البشر, مُنذ أنْ خلق الله آدم إلى يومنا هذا, وكان جُـلُّ صحابة حَبيـبـِنـَا مُحَمَّدٍ عليه أفضـلُ الصَّلاة وأتـمُّ التـَّسليم, من هؤلاء الصَّفوة القلـيلين بإذن الله, حيث لاقوا عذابـًا شديدًا, فصَبَرُوا , وَلـَمْ يبق من هؤلاء الصَّفوة القليلين سوى أقلـِّهم في أيـَّامنا هذه.

 

       فكـونوا أيُّها الشـَّبابُ من هؤلاء أقـلِّ القليلين عددا من صفوة النـَّاس, ولا ترضوا بأقلَّ من ذلك!

 

والسَّبيل إلى ذلك إنـَّما يكون من خلال  ثـباتكم اليوم أمام هؤلاء الأوغاد المحقـِّـقـين, وغدًا أمام القـضاة والحكـَّام الذين باعوا ضمائرهم إنْ وُجـدتْ للشـَّيطان!

 

ولـتعلموا أنَّ هذا اليوم هو يومكم كي تفوزوا بهذا المقام عند الله! ألا ترون أنَّ الله أكرمكم بأنْ وهبكم فرصة الانضمام لفئة السَّابقين؟!  

 

ليـنظـرْ كلُّ واحدٍ منـَّا إلى حياته التي يعيشها, هل تـمُرُّ عليه فرصة مثـل هذه الفرصة التي نعيشـها الآن؟! صبرٌ على الأذى قلـيل, وبعده أجر عند الله عظيم! والله يا شبابُ, لنكوننَّ من هؤلاء الصَّـفوة الأخيار الذين وصفهم الله : {السَّابِقُون}. إن نحن ثـبتـنا على مبدئنا! والله يا إخوتي, إنـَّـني أحِسُّ بأنَّ الله يُحـبُّـنا فابتلانا, وأنـَّه يُريدُ أنْ يصطفي إليه الصَّابرين منـَّا والثابتين على الحقِّ!

 

 

         أيها الشباب: اعرفوا قِيمة الحزب الذي تعملـون معه, فانظروا إلى الدنيا بأسرها, إنكم سوف تـجدون أنَّ الكفـَّار قد طغى علـيهم المبدأ الرَّأسماليُّ بكلِّ وحـشيته, والظلم قـد استشرى في الأرض, نتيجة تطبيق هذا المبدأ العفـن!

 

 

والمسلمون منقسمُون إلى فئتين:

 

فئة كبيرة منهم لا يعملون في الدَّعوة إلى الإسلام, وإنَّ جلـَّهم لا يدركون أنَّ الدِّيمـقراطيَّة  والرأسمالـيَّة العـفـنـتين هما سبب شقاء النـَّاس, بل إنَّ منهم من يدافعون عن الرأسمالـيَّة والدِّيمقراطيَّة على أنـَّهما من الإسلام!

 

وفئة أخرى وهم القلـيلون نسبيَّـًا يعملون في حقـل الدَّعوة إلى الإسـلام, ثمَّ انـظروا إلـى حِزبـِكـُـمْ هَـذا بَيـن هؤلاء العاملين, واحمدوا ربـَّـكم أنـَّـكم تمتلكون التـَّصوُّر الأوضح لحقيقة الإسلام, ولواقع الدَّولة الإسلاميَّة, بل لواقع الطـَّريقة الصَّحيحة لكيفـِيـَّة حمل الدَّعوة!

 

أليس هذا وحدهُ نعمة ً من الله منـَّها عليكم؟ فلا تجحدوا هذه النـِّعمة, ولا تهنوا أمام هؤلاء  الأوغـاد, بل حاولوا أن تجعلوهم يحترمونكم, ويحترمون حزبكم!

 

ولأجل هذا ما عليكم سوى التـَّمسُّـك بكونكم أعضاء في هذا الحزب العظيم, وأن تدعوهم هم أنفـسهم للعمل مع هذا الحزب, اغلبوهم وانـتـصروا عليهم, ولا تدعوهم ينالون من دينكم أو من حزبكم, فأنتم قليلون, وصفوة الله قليلون!

 

          أيها الشباب: لا أبالغُ إنْ قـلت بأنـَّه قد يكون قلـِيلا ً علينا إنْ نحن ضحَّينا بأرواحنا التي بين جوانبنا في سبيل هذه الدَّعوة, وفي سبيل أنْ نكون من الصَّـفوة الأخيار, الذين رضي الله عنهم, فنحن الآن لا نملك ما نـضحِّي به سوى هذه الرُّوح, فغيظوا هؤلاء الظـَّالمين, يرْحمْكم الله!

 

وقد يتراءى لكم أنَّ عدد الكفـَّار كبير, وأنَّ هؤلاء الزَّبانية وهم أعـوانُ الظـَّالمين أقـوى منكـم, ولكن لا تنسوا أبـدًا أنـَّـنـا نملك عقيـدة ً هي وحدها العقيـدة الصَّحيحة في الكون! 

 

بموجب هذا فإنـَّـنا نـُؤمنُ بأنَّ لنا رَبـَّــًا ناظرًا  إلينا الآن, في كـلِّ آن, ونحن نعتقد بأنـَّه هو القادر على كـلِّ شيء, ونعتقد بشكل جازم أنـَّه هو الذي اختار لـنا هذا الطـَّريق, وبعلمه وبرضاه سبحانه دخلـنا هذا المكان! أفـلا ترضون ما رضِيه واختاره لكم ربُّـكـم؟!

 

فـنحنُ نملك عقيدة ً قويَّة ً مبنيَّة على الإيمان بالله, والله أقـوى منهم جميعـًا! وهو الذي يَعلمُ حالـنا فـنحنُ بهذا الإيمان أقوى منهم جميعًا! وإلا َّ فما هي قـِيمَة الحياة لولا هذا الإيمان؟!  فـاثبتـوا يرحمْكم الله.

 

كان هذا مما قاله هذا الشاب لإخوانه في السجن قرأته لكم من مجلة الوعي العدد (198)

 

            إخواننا في الله, أحبتنا الكرام: هذي هي سبيل الرَّسول صلى الله عليه و سلم  في حمل الدَّعوة وإقامة الدَّولة وتبليغ رسالة الإسلام إلى الناس كافـَّة، عرضتها على مسامعكم فيما أعلم، وإنني إذ قدِّمت هذا الجُهد المتواضع لأرجُو أنْ أكون قد وُفـِّـقـت فيه, وأن يَعُمَّ نفعه المسلمين أجمعين, فإن أصبت وتـمَّ  لي ذلك, فهو مِنـَّـة ٌ من الله أحمده عليها حمـدًا يليقُ  بجلاله وكماله! أحمده سبحانه وتعالى بما هو لـه أهـل مِن الحمد والثــَّـناء! حمدًا يُوافي نعمهُ, ويُـكافِئُ مزيده!

وإن قـصَّرت أو أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان, ألتمس له المعذرة من إخواني المستمعين, وأطلب من الله الصَّـفح والغـفران, سائلا ً المولى جـلَّ في علاه أن ينفعنا بما علـَّمنا, وأنْ يُعلـِّمنا ما ينفعنا,  وأن يزيدنا علـمـًا نافِعـًا, وأن يجعل عملنا هذا, وسائر أعمالنا خالصة ً لوجهه الكريم, وأنْ  يرينا الحقَّ حقـَّــًا ويرزقـنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ً ويرزقـنا اجتنابه.

وأسأله سبحانـه أن يجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأن يكتبـنا من عباده الصَّالحين المقبولين, وأن يقرَّ أعيننا قريبًا بقيام  دولة الخلافة, إنـَّه سبحانه وليُّ ذلك والقادرُ عليه, وهو وحده الهادي إلى سواء السَّبيل.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأستاذ أبي إبراهيم

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع