الميزان ح11
- نشر في أخرى
- قيم الموضوع
- قراءة: 324 مرات
إنَّ لِلدولةِ الإسلاميةِ جهازٌ تنفيذيٌّ خاصٌ بِها، أسَّسهُ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلم في المدينةِ المنورة، والتزمَ بِه خلفاؤهُ الراشدونُ من بعدِه، ثم أقامَ معظمَه الخلفاءُ المسلمونَ من بعدهم، إلى أن هُدمت دولةُ الخلافة عام 1924م.
ويتكونُ هذا الجهازُ من: الخليفةِ، والمعاونينَ، ووزراءِ التنفيذِ، والولاةِ، وأميرِ الجهادِ (الجيش)، والأمنِ الداخليِّ، والخارجيةِ، والصناعةِ، والقضاءِ، ومصالحِ الناسِ (الجهاز الإداري)، وبيتِ المالِ، والإعلامِ، ومجلسِ الشورى "مجلسِ الأمة".
وهو جهازٌ خاصٌ بدولةِ الخلافة، يختلفُ عن الأجهزةِ التنفيذيةِ في الأنظمةِ الوضعيةِ التي سبقت الدولة، والتي جاءت بعدها، ما يميّزُ دولةَ الخلافةِ ونظامَ الإسلامِ عن سائرِ الدولِ والأنظمة.
ودليلُها فِعلُ الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه قد أقامَ جهازَ الدولةِ على هذا الشكلِ. فقد كان صلى الله عليه وسلم هو رئيسَ الدولة، وأمرَ المسلمينَ بأن يقيموا لهمَ رئيسَ دولة حين أمرهم بإِقامةِ خليفة، وبإقامةِ إمام.
وأما المعاونونَ فقد اختارَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعمرَ معاونينَ له، والمعاونَ الذي سمَّاهُ الرسولُ وزيراً لا يختصُ بعملٍ معين، بل هو معاونٌ يُفوِّضُ إليه الخليفةُ القيامَ بجميعِ الأعمالِ تفويضاً عاماً، ولا يصحُ اختصاصُه بعملٍ مُعين.
وأما وزراءُ التنفيذِ، فهم الوزراء الذي يعيّنهُم الخليفةُ ليكونَوا معاونين له في التنفيذِ والملاحقةِ والأداء، ويكونون وسيطين بينَ الخليفةِ وبين أجهزةِ الدولةِ والرعايا والخارجِ، وقد كان وزيرُ التنفيذِ يُسمّى (الكاتب) على عهدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، والخلفاءِ الراشدين.
وأما الولاةُ فإنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم عيَّنَ لِلمقاطعاتِ ولاةً، فقد ولَّى عتّابُ بن أُسيد والياً على مكة بعد فتحِها، وولّى كثيراً من الولاةِ غيره.
أما الجيش، والذي يتبعُ إدارياً لأميرِ الجهاد، فقد كان صلى اللهُ عليه وسلم هو القائدُ الفعليُّ لِلجيش، وهو الذي يُباشِرُ إدارتَهُ، ويتولَّى شئونَهُ، وكانَ يُعيّنُ قواداً في بعضِ الأحيانِ للقيامِ بعملِ من الأعمالِ.
أما الأمنُ الداخليُ، فقد روى البخاري عن أنس: "أن قيس بن سعد كانَ يكونُ بينَ يدّيِ النبيِ بِمنزلةِ صاحبِ الشُرَطِ من الأميرِ". ودائِرةُ الأمنِ الداخليِّ تتولى كلَ ما له مساسٌ بالأمن.
أما الخارجيةُ (العلاقاتُ الدوليةُ)، فإنَّهُ كما يجوزُ للخليفةِ أن يتولى العلاقاتِ الدوليةَ مباشرةً بوساطةِ وزيرِ تنفيذِهِ، فإن له كذلِك أن يُعينَ مُديراً يتولى العلاقاتِ الدوليةِ.
أما الصناعةُ، فقد أمرَ رسول الله صلى الله عليهِ وسلم بصناعةِ المنجنيقِ والعرَّادةِ أي الدبّابةِ، فدائِرةُ الصناعةِ هي الدائِرةُ التي تتولى جميعَ الشئونِ المتعلقةِ بالصناعةِ.
أما القضاءُ فهو الإخبارُ بالحكمِ على سبيلِ الإلزامِ، وهو يفصِلُ الخصوماتِ بين الناسِ، أو يمنعُ ما يضرُّ حقَّ الجماعةِ، أو يرفعُ النزاعَ الواقِع بين الناسِ، أو أي شخصٍ ممن في جهازِ الحكم. فقد ولّى قضاةً يقضونَ بين الناس، فقد عيَّنَ علي بن أبي طالب قاضياً على اليمن.
وأما الجهازُ الإداريُ لِمصالحِ الدولةِ فقد عيَّنَ صلى اللهُ عليه وسلم كُتّاباً لإدارةِ المصالحِ، وكانوا بمقامِ مُديري الدوائر، فقد كانَ حذيفة بن اليمان مثلاً يكتبُ خرص ثمارِ الحجاز، وعيِّنَ غيرَه لباقي المصالحِ، لِكُلِ مصلحةٍ، أو أكثر كاتباً.
أما بيتُ المال، فهو المكانُ الذي تُحفظُ فيه وارداتُ الدولةِ ريثما يتمُ إنفاقُها، ويطلقُ ويرادُ بهِ الجهةَ التي تختصُ بقبضِ وإنفاقِ ما يستحقهُ المسلمونَ من مال. وقد كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعُ المالَ إما في المسجدِ، وإما في حجرةٍ من حجرِ زوجاته.
أما الإعلامُ، فهو من الأمورِ المهمةِ للدعوةِ والدولةِ، فوجودُ سياسةٍ إعلاميةٍ متميزةٍ تعرض الإسلامَ عرضاً قوياً مؤثراً، من شأنِهِ أن يُحرِّكَ عقولَ الناسِ للإقبالِ على الإسلامِ ودراستهِ والتفكيرِ فيه.
وأما مجلسُ الأمةِ الذي عملُهُ الشورى والمحاسبةُ لِلحاكم، فإن الرسولَ صلى الله عليه وسلم لم يكن له مجلسٌ معينٌ دائماً، بل كانَ يستشيرُ المسلمينَ حينما يريدُ، فقد جمعَهم يوم أحدٍ واستشارهم، وجمعهم في غير ذلك.
ومن كُلِّ هذا يتبينُ كيفَ أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم قد أقامَ جهازاً معيناً للدولة، على شكلٍ مخصوص، وظلَّ يسيرُ بحسبِهِ إلى أن التحقَ بالرفيقِ الأعلى، ثم جاءَ خلفاؤهُ من بعدِهِ فساروا على ذلك، يحكمونُ حسبَ هذا الجهازِ الذي أقامَهُ الرسولُ بعينِه.
هذا ما ستكسِبُه الأمةُ بعودةِ الخلافةِ من جديد، خلافةً راشدةً، "جهازاً تنفيذياً مميزاً"، تماماً كالذي أقامه نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، جهازٌ كاملٌ متكاملٌ يرعى شئونَ الدولة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يوسف
حتى يكون العمل حسنا لا بد فيه من إخلاص القصد لله، وأن يكون موافقا للشرع، ولهذا كان أئمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الأصلين كقول الفضيل بن عياض في قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الملك (2) قال: أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وعن سعيد بن جبير قال: "لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة". وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا" وعن الإمام مالك أنه قال: "السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق".
وحامل الدعوة يحرص كل الحرص على إحسان العمل وعلى أن لا يبتغي بدعوته عرضا من الدنيا، وإلا حبط عمله وكان من الخاسرين وقد ورد في الحديث الشريف: "من تعلم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار".
والعبرة بإحسان العمل لا بكثرته ولذلك قال تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، ولم يقل ليبلوكم أيكم أكثر عملا، وقد ورد عن مالك بن دينار قوله: "قولوا لمن لم يكن صادقا (في عمله) لا تتعب" وعن أبي أمامة أنه مر برجل ساجد فقال: "يا لها من سجدة لو كانت في بيتك" وعن الفضيل بن عياض أنه قال: "كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد عنه أعظم أجرا منه".
ومن هنا يجب مراعاة الإخلاص وحسن النيات في جميع الأعمال، وكانت صحة الأعمال وقبولها عند رب العالمين بالنية. ولذلك لم يكن أمرا مستغربا أن يعتبر العلماء حديث: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" أحد ثلاثة أحاديث عليها مدار الإسلام. وكان المتقدمون من علماء السلف يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها.
وكان الإخلاص عندهم أن تستوي أفعال العباد في الظاهر والباطن، يقول الإمام الحارث المحاسبي: "الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله" وعن الإمام أبي القاسم القشيري: "الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو أي معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى".
يقول الحسن بن الربيع عن جهاد الإمام الجليل عبد الله بن المبارك: "خرج فارس من المسلمين ملثم فقتل فارسا من العدو كان فعل بالمسلمين فكبر له المسلمون، فدخل في غمار الناس ولم يعرفه أحد، فتتبعته حتى سألته بالله أن يرفع لثامه، فعرفته فقلت: أخفيت نفسك مع هذا الفتح العظيم الذي يسره الله على يدك؟ فقال الذي فعلت له لا يخفى عليه".
ويقول ابن قتيبه في كتابه عيون الأخبار: "حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا، وكان في ذلك الحصن نقب - أي ثقب في الحائط - فندب الناس إلى دخوله، فما دخله أحد! فجاء رجل من عرض الجيش - أي من عامته غير معروف - فدخله ففتح الله عليه الحصن، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل إلى الآذن فقال: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى الآذن إلى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال الرجل لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه - أي لا تكتبوه في صحيفة إلى الخليفة - ولا تأمروا له بشيء ولا تسألوه ممن هو؟ أي من أي قبيلة هو، قال مسلمة: فذاك له، قال الرجل: أنا هو، فكان مسلمة بعد هذه لا يصلي صلاة إلا قال: "اللهم اجعلني مع صاحب النقب".
وما أجمل قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يشير إلى عاقبة الإخلاص لله تعالى: "فإنما قدر عون الله للعباد على قدر النيات، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن قصرت نيته قصر عون الله له".
ومن علامات الإخلاص الخضوع للحق وقبول النصح ولو ممن كان دونه في المنزلة، فلا يضيق صدره كيف ظهر الحق مع غيره، حكى الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة عبيد الله بن الحسن العنبري وهو أحد سادات أهل البصرة وعلمائها وكان قاضيها، قال عبد الرحمن بن مهدي تلميذه: كنا في جنازة فسئل عن مسألة، فغلط فيها، فقلت له: أصلحك الله، القول فيها كذا وكذا، فأطرق ساعة فقال: إذن أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل، رحمه الله.
ومن علامات الإخلاص أن لا يكون جريئا في الفتوى وإعطاء الأحكام، ولذلك كان الكثير من السلف الصالح يتحرز من الفتوى ويتمنى أنه لم يسأل، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول"، والذي يحب أن يتصدر المجالس ويسأل ليس أهلا أن يسأل كما أفاد بذلك بشر بن الحارث رحمه الله. وكان الواحد من كبار العلماء لا يخجل من قوله: لا أدري، سئل الشعبي يوما عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أما تستحي من قولك لا أدري وأنت فقيه أهل العراقين قال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: (سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) البقرة (32).
جاء في طبقات الشافعية ما يلي:
حكى القاضي عز الدين الهكاري في مصنف له، ذكر فيه سيرة الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، أن الشيخ عز الدين أفتى مرة بشيء ثم ظهر له أنه أخطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له فلان بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ.
الأستاذ فوزي سنقرط
إن التطورات السريعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، على الصعيدين السياسي والعسكري، جعلت الغرب المستعمر قلقا جدا على مصالحه في المنطقة ومستقبله دوليا. الأمر الذي جعل أمريكا أكثر حذرا وقد بدأ التخوف على الإدارة الأمريكية من أن ينفلت الوضع من بين أيديهم. فخروج الأمر من تحت أيديهم يعني بشكل قطعي لهم أن مشروع الأمة الإسلامية، ذلك المارد الذي يخشون قيامه، بدأ بالنهوض.
وفي قراءة للمستجدات الأخيرة في العراق، نشر معهد راند للدراسات السياسية مقالا لبراين مايكل جنكيس -المستشار الأول لدى رئيس معهد راند للدراسات السياسية - على واقع الصراع العراقي وحيثياته سياسيا وعسكريا وأثره في المنطقة تحت عنوان "نظرات على العراق" بتاريخ 19 جوان 2014.
يقول براين "المشهد العراقي اليوم ليس امتدادا لحرب العراق. عراق اليوم يختلف بشكل ملفت للنظر عن 2011 بعد رحيل القوات الأمريكية. أصبحت ديمقراطية العراق الوليدة أكثر وأكثر استبدادية طائفية." لم يكتفِ نظام المالكي بعزل ومنع السنة والأكراد من تقلد مناصب في الحكم بوصفهم أهل البلد بل ارتكب جرائم في حقهم تتعدى خدمة المصالح الغربية في المنطقة وإرضاء المستعمر، فهي إفشاء لغليل العصبية الطائفية في حق أهل العراق، قلب الحضارة الإسلامية وعاصمة الخلافة لقرون. وقد ساهمت إيران الصفوية في التضييق على أهل العراق. فحالة الامتعاض والغضب التي يعيشها السنة والأكراد وغليان الشارع بسبب ظروف المعيشة القاسية والرعب المرافق لحياة العراقيين حتى صار القتل والتفجير من اليومي المعاش، من المتوقع أن تكون كل هذه الأسباب فتيل اشتعال ثورة في أي لحظة في وجه حكومة المالكي.
بعد خروجها من العراق لم تلتزم الولايات المتحدة بأي اتفاق فعلي أو عهود مبرمة أو حتى التزامات أخلاقية، إلا أن التطور الحاصل بالمنطقة وامتداد رقعة القتال المسلح على الأراضي السورية إلى الأراضي العراقية يجعل أمريكا تقلق بجدية على مصالحها خوفا من فشل حكومة المالكي في السيطرة على الثورة وما قد يترتب عليه خروج العراق من تحت السيطرة. فوجب على أمريكا ربح الوقت بما أنها لا تستطيع التدخل عسكريا مباشرا من دون حلفاء. ولهذا العمل القذر لن تجد أمريكا أفضل من إيران لتقوم به تحت غطاء الطائفية وهكذا تضمن أمريكا عدم الاستقرار حتى يتسنى لها الوقت لتتخذ قرارها. "تأمل العراق أن تساهم القوات الجوية الأمريكية لتدريب المليشيات الشيعية الموالية. مع ضمان عدم تكرار أسلوب القصف العشوائي كالحاصل في سوريا، فالقوات الأمريكية ليست متواجدة على الأرض لتتمكن من تحديد المواقع بدقة مع غياب المعلومات الإستخبارتية الكافية فإن مخاطر الإصابات الجانبية قد تكون مكلفة." على حد تعبير براين.
صار تقسيم العراق إلى أشلاء مطلباً بعد التطورات الأخيرة وخاصة بعد أن صارت الحدود بين سوريا والعراق في حكم الملغية "أن الحدود التي رسمها المستعمر قد مسحت" على حد تعبير المستشار براين، إذاً لا حل لأمريكا لتجنب تطور الثورة ومخافة أن يعلو سقف المطالب فيطلب المسلمون الوحدة في دولة واحدة تجمعهم غير تأجيج نار الفتنة الطائفية والعرقية. فحلف طهران بغداد دمشق وما يرتكبه من مجازر في حق السنة يدفع الوضع للتأزم وخاصة أن أي تدخل عسكري أمريكي سيبدو بمثابة ميل لحكومة المالكي ذات الأغلبية الشيعية على حساب السنة، وهذا لا يساعد أمريكا في المحافظة على مصالحها. الاقتتال الداخلي بين الحركات المسلحة فيما بينها في سوريا وامتدادا للعراق يمثل للولايات المتحدة أملا في تواصل الأزمة ولكن تبقى مخاوفها كبيرة خاصة بعد انتشار الوعي عند الناس أن الحل هو في دولة تمثل الأمة تقوم على أساس الإسلام، ففرضية استفاقة المخلصين من المسلمين وإعادة التفكير في وضعيتهم مما قد يؤدي إلى نبذ الخلافات بينهم تؤرق الإدارة الأمريكية.
أصبحت سوريا ممزقة أشلاء ما بين الثوار والنظام وواصل هذا الأخير التنكيل بالمدن الثائرة قصفا عشوائيا بالبراميل المتفجرة مما أسفر عن محو عديد المدن والقرى وأدى إلى جعل 40 بالمائة من السوريين لاجئين. والآن جاء دور العراق لتقسم على نحو يضمن التشتت والفرقة: امتد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام ليشمل بعد شرق سوريا غرب العراق. كما استولى الأكراد على كركوك والشمال. أما الشيعة فقد سيطروا على الشرق والجنوب بمساعدة إيران. فهل ستحافظ أمريكا على التزامها بتأمين أراضي الدول الوطنية القائمة أم ستتكيف سياستها مع ما يحدث على أرض الواقع؟
وتبقى تعلة محاربة الإرهاب، القديمة المتجددة، هي المشرع الوحيد للتدخل الأمريكي. وباعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام في نظر الإدارة الأمريكية نسخة أكثر تطرفا من قاعدة أسامة بن لادن فإنها تحاول نشر مخاوفها من قيام كيان متطرف أمام ما اعتبره براين مايكل جنكيس "انتصارات مبهرة وما تغنمه من المال ويحقق لها مزيد الدعم وإمكانية زيادة عدد المجندين". وكما حدث سابقا في العراق أيام الدولة الإسلامية في العراق سيتوجه القتال من قتال ضد مستعمر إلى قتال مذهبي طائفي بين أهل البلاد لأسباب يراها المغرر بهم عقائدية وهي في الأساس حماية صرف النظر وتحويل مسار المواجهة عن الاستعمار.
إن ما يعيشه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من تخبط تجاه التطورات القائمة في البلاد العربية والإسلامية وما يعانيه من صعوبة في التعامل مع الأحداث القائمة دليل على أن الغرب قد بدأ يستنفد أوراقه حتى صار يبحث في خطط توقيعية ضيقة المدى. في المقابل ما تتكبده الأمة من خسائر في الأرواح والمال ما هي إلا آلام المخاض المبشرة ببزوغ فجر يوم يعز فيه الإسلام والمسلمين في ظل مشروع الأمة الحقيقي الذي يحفظ عرض الناس وحقوقهم وعزهم وغاية إقامته هو حمل الإسلام نورا وعدلا للعالم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسامة بن شعيب
قدّر الله أن تنطلق من تونس الشرارة التّي أشعلت نار الرّبيع العربيّ الذّي امتدّ لهيبه إلى الشّام عقر دار الإسلام مرورا بمصر وليبيا واليمن. فأحرقت الطّغاة والمتجبّرين الذّين تسلّطوا على رقاب المسلمين لعقود لا يرقبون في المؤمنين إلا ولا ذمّة وأخلصوا دينهم للغرب الكافر فمكّنهم من الحكم في مقابل إحكام سيطرته على الأرض والثّروات التّي وهبها الله لنا لتكون عضدا لنا نستخدمها في نصرة دينه الذّي كُلّفنا بحمله إلى العالم بالدّعوة والجهاد. ولقد منّ الله علينا بنصر عظيم على رأس النّظام "بن علي" فكانت تداعيات ذلك أن صارت المرأة المحجّبة تسير من شمال البلاد حتّى جنوبها لا تخشى إلاّ الله بعد أن كانت تخشى الخروج من بيتها، وعمر مساجد الله المصلّون الذين كانوا من قبل يخشون أن تدرج أسماؤهم ضمن قائمة الملاحقين من قبل النّظام وزبانيته.
ولكنّنا عوض أن نمضي قدما في إحقاق الحقّ بتحكيم نظام الإسلام بدلا من النظام الجمهوريّ الدّيمقراطيّ المدنيّ الذّي كان يحكم به الطّاغية "بن علي" تراخينا ووقفنا نهنئ أنفسنا بنصر لم يكتمل بعد، فسنحت الفرصة للغرب الكافر وعملائه أن يستردّوا أنفاسهم وينظّموا صفوفهم وأوراقهم المبعثرة فعادوا مرّة أخرى بثوب الحرّيّة والحداثة القديم الجديد فأزكموا أنوفنا بالدّعوة لمفاهيم الغرب الكافر تحت مسمّيات جديدة.
وما كان من عامّة المسلمين في تونس إلاّ أن ساروا وراء صراع وهميّ مفتعل بين علمانيّة ملحدة وإسلام مُعدَّل ألبس الحقّ بالباطل وكتم الحقّ وأصحابه يعلمون بالرّغم من أنّ كليهما فصل للدّين عن الحياة. نتج عن هذا الصّراع المفتعل توافق على ترك الشّريعة والمضيّ قدما نحو إعادة تثبيت النّظام القديم. فنشأ مجلس تأسيسيّ نجح في سنّ دستور جديد للبلاد يحمل في طيّاته الخزي والعذاب، يعلنها من جديد جمهوريّة ديمقراطيّة مدنيّة تحت راية التّقسيم المسمّاة براية الاستقلال.
هكذا حافظ الغرب الكافر على سيطرته وضمن مصالحه، وأقصى الإسلام عن الحكم بل ويسعى الآن من خلال الانتخابات القادمة إلى تأبيد التبعيّة والاستعمار والإبقاء على النّظام الرّأسماليّ. ولكنّ حزب التّحرير في كلّ مرّة يكشف مخطّطاته وينير الرّأي العام حول ما يحاك ضدّهم. فضجّ الغرب الكافر من كثرة نشاط الحزب وتوسّع حاضنته الشّعبيّة وتأثّر الرأي العام به فحرّك عملاءه الصّغار هنا وهناك في محاولة منه لحظر الحزب أو تضييق الخناق عليه ولكنّه وُوجه بموقف قويّ مثّل صفعة في وجه الاستعمار وعملائه واكتشفوا أنّ الحزب عصيّ على الحجر والمنع ولا يبالي بالوعيد والتّهديد مقتديا بالحبيب المصطفى في الأصل والفصل.
وها نحن اليوم نجد أنفسنا مرّة أخرى وجها لوجه مع الاستعمار الذّي يسعى من خلال الانتخابات في إنجاح مشروعه. فنقابل دعوة "الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات" الناس للإقبال على التسجيل بالانتخابات بدعوتهم لما هو خير لهم في الدّنيا والآخرة، أن يقفوا موقفا يحسب لهم أمام الله ضدّ المشروع العلمانيّ المحارب للإسلام ويقاطعوا الانتخابات ويطالبوا بتحكيم شرع الله فينالوا السّعادة في الدّارين وحتى لا ينطبق علينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم من لا يرحمكم وليدعون خياركم فلا يستجاب لهم».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سلمان الغرايري
عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير في تونس