خطبة جمعة الانفلات الأمني سببه غياب الإسـلام
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ عليه وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. وبعد
أيها المسلمون: إننا أمة ذات رسالة؛ ورسالتنا هي إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، بطريق الإسلام الذي شُرع في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقة تجعلنا حريصين على البشر حتى لا يهلكوا ويموتوا قبل أن تصلهم رسالة الإسلام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ وَلا يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ وَمَاتَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم، وقد وقال الله عز وجل في شأن نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]، فالرسول من شدة الهم على كفر الناس وعدم إيمانهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، كاد ان يهلك نفسه ومن ذلك ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما آذاه أهل الطائف، جاءه ملك الجبال وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمره بضم الأخشبين، فرفض صلى الله عليه وسلم، وبيّن انه يريد أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل، وبعد أن تم فتح مكة بالجهاد، تخوّف أهل مكة ان ينتقم منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد آذوه وصحبه الكرام أشد الأذى، وكانوا في المعارك يظهرون أسوأ الضغائن، مثّلوا بالصحابة في أُحُد، وغدروا بالصحابة في غير مرة، فقال لهم رسول الله حين اجتمعوا في المسجد: «مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟». قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ :«اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ».
أيها المسلمون: إن الناس أمانة في أعناقنا بمن فيهم أهل جنوب السودان ووسائل الإعلام تتناقل هذه الأيام المجازر التي لم تطل الرجال رعاة المواشي فحسب، بل حتى النساء والأطفال، وفي يوم الأحد الماضي قتل 102 من أهل الجنوب في ولاية جونقلي، لترتفع الحصيلة إلى أكثر من ألفي قتيل خلال عدة أشهر، وطابع هذا القتل الإبادة الجماعية والضغائن القبلية. وقد تناولت وسائل الإعلام التفلتات الأمنية وانها فاقت ما حدث في ولاية دارفور من مجازر.
لقد تباينت ردود الأفعال في هذه التفلتات والأصل فينا ونحن مسلمون أن يكون تأسينا برسولنا صلى الله عليه وسلم. فمن أبناء المسلمين من يرى أن هؤلاء لا يستحقون الحياة فليموتوا وما ذلك إلا لأنه يرى أنه أفضل منهم في العرق، وهذا الدافع نفسه هو الذي جعل القبائل في الجنوب تقتل بعضها بعضاً، وهذه النظرة، نظرة حقيرة لا يقول بها إلا من فيه فكر من أفكار الجاهلية التي بعث رسولنا عليه السلام من أجل اجتثاثها وجعل الناس سواسية كأسنان المشط، وإذا كان هناك شخص أكرم من شخص فليس بلون أو مال، بل يقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وصنف آخر يقول أن اللائمة تقع على الحركة الشعبية وهذا رأي الدولة، وتنفي تهمة انها تمد المعتدين بالسلاح، فيأتي السؤال، من المسؤول عن الناس في الجنوب؟ أولسنا نحن المسلمين الذين جعَلَََنا الإسلام شهداء على الناس لنخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، ولكن الذي حدث أن الدولة في السودان دخلت في اتفاقيات أعطت بموجبها لحركة متمردة الحكم في الجنوب وهي أصلاً تقوم على أساس الكفر، وما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي كان حتماً أن يحدث الفشل بالنسبة للحركة الشعبية، ولكن كل ما حدث من انفلات هو مسؤولية الدولة فهي التي سلمت أهل الجنوب للحركة الشعبية، وهذا يتنافى مع واجب أن نرعاهم بالإسلام، وهو فرض لإخراجهم من الظلم والظلمات إلى عدل الإسلام ونوره، وقسم ثالث يتقرب إلى الحركة حتى يحظى بودها عند الانفصال التام بعد الاستفتاء، والذي قام بذلك هم المعارضون للدولة، بل أخذوا يمدحون الحركة وأن أهل الجنوب مع الانفصال، فلم يتبادر لأذهانهم حرمة تسليم أهل الجنوب لبراثن الكفار والمجرمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم اللقاء. وبعد:
أيها المسلمون: إن المواقف التي يحبها الله لا بد ان تكون على أساس العقيدة الإسلامية؛ وهذه العقيدة تحرِّم أن يكون أكثر من كيان في بلاد المسلمين، لأنها هي المدعاة لشق عصا المسلمين، وانفلات الأمن، فباتفاق نيقاشا ظهرت أكثر من حركة متمردة ومليشيات مسلحة هنا وهناك، وتم عقد اتفاقيات معها وأبقي على اسلحتها، فالواجب ان تسحب الأسلحة من كل المليشيات والحركات، وأن تُحل فورا، ويعود السلطان إلى المسلمين، وأن ترعى كل البلدان بسلطان واحد وهو المسؤول شرعاً امام كل فرد من الرعية مسلماً كان أو كافراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فمسؤولية... » رواه البخاري، وتوفير الأمن للرعية من الأساسيات التي حددها الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه ، مُعَافى فِي بَدَنِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا». وهذه المسؤولية تتعدى غير ذلك كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (والله لو أن بغلة عثرت بالعراق لسئل عنها عمر بين يدي الله عز وجل)، فكيف بمن يقتل ويشرد هو وأهله وأطفاله؟!؟!
أيها المسلمون: إن الصحابة الكرام كانوا يبكون مخافة أن يسألهم الله عز وجل عن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، لذلك كان يبكي أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وما كان بكاؤهم إلا لعلمهم بقوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [ الأعراف: 6]، وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [ الزلزلة: 7، 8].
وهذه الدماء التي تراق هي بسبب عدم وجود نظام الإسلام في حياتنا، ونحن مخاطبون بإيجاد هذه الحياة التي يطبق فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والطريقة الشرعية لذلك؛ هي إقامة الدولة الإسلامية؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.