بسم الله الرحمن الرحيم
الأحزاب اللبنانية وفتيل الفتنة الطائفية
يخدمان بقاء الطبقة السياسية!
احتقن الشارع في لبنان، على وقع دعوة مجموعةٍ من الأحزاب اللبنانية والجهات السياسية - في ركوب لموجة الحَراك وتوجيهها لغير وجهتها المطلبية المعيشية - إلى نزع سلاح حزب إيران في لبنان، لينقلب ذلك في الشارع إلى صدامٍ ممتزجٍ بفتنةٍ طائفيةٍ، تمثلت في قيام بعض الجهلة الأتباع، بإِفكٍ مُبينٍ متمثلٍ بشتم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، لتتطور الأمور إلى توتر بين مكونين من أهل البلد (السنة والشيعة)، صاحبه كرٌّ وفرٌّ وإطلاق نار، في العاصمة بيروت ومحيطها خصوصاً، وكأن البلد دخل في أتون حربٍ أهليةٍ، أو هكذا يريد مشعلوها أن تُفهم، في سياق الرسائل المتبادلة عبر بريد الشارع والناس.
أزمةٌ قديمةٌ متجددةٌ في محاولة الطرفين سحب البلد إلى تشكيلةٍ تناسب أضغاث أحلامهما، بدأها هذه المرة، رسالةٌ بمناسبةِ عيد الفطر، على لسان المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، عن "وفاة الميثاق الوطني واتفاق الطائف، ووجوب إنشاء عقد سياسي واجتماعي جديد"، مطالباً "بإسقاط الصيغة الطائفية"، ولم يصدر أي موقفٍ رافضٍ عن حزب إيران وحركة أمل، أعقبه البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي، في عظة الأحد 2020/5/31م بالقول: "من الواجب الدفاع عن هذا الكيان بقيادة الدولة وشرعيتها وجيشها وأن لا يستأثر أيُّ مكونٍ بالسلطة" رافضاً - بحسب قوله -: "أن تتحول عملية تطوير النظام إلى ذريعةٍ للقضاء على لبنان"، في تجييشٍ وشدٍّ للعصب المسيحي باختلاف ألوانه، للدفاع عن مكتسبهم في هذا الكيان، يشاركهم في ذلك العَلمانيون من المسلمين والمعادون في الوقت ذاته لحزب إيران.
ينتهي المشهد الهزلي، في هذا الكيان الهزيل أصلاً، لتبقى الذكريات المخيفة للناس، خوفاً على أنفسهم وأهلهم وأولادهم، وما بقي من فتات أموالهم، التي فقدت قيمتها في أزمة هبوط الليرة اللبنانية، والسير في تجويع البلد، بسبب سياساتٍ خرقاء لحكوماتٍ متعاقبةٍ، جعلت البلد يرزح تحت دَينٍ لامس حافة المائة مليار دولار.
أيها الناس، عموم الناس في البلد
أولاً: إنَّ ما ترونه وتسمعونه، ليس إلا زوبعةً في فنجان البلد، الذي يريد سياسيوه الفاسدون أن يبقوه على بنيانه الطائفي، الذي يحافظ على مكتسباتهم، ويبقيه مزرعةً تدر عليهم وعلى أتباعهم الغنائم، على حساب لقمة عيشكم، وكل هؤلاء يعلمون علم اليقين، أنَّ شكل البلد، وطبيعة كيانه، ليست بأيديهم، بل بأيدي أسيادهم، وبخاصةٍ أمريكا، التي تدير هذا الكيان، من مبنىً في عوكر، وها هو لبنان وأحزابه، يجلسون مترقبين أن تنجز أمريكا ظاهر اتفاقها مع إيران، لأن الباطن واحد، بين أمريكا والدائرة في فلكها، أي إيران، ليعرفوا كيف سيسيرون بالبلد، وفق معطيات أمريكا وعملائها وأتباعها واللاهثين وراء سرابها.
ثانياً: نقولها ونكررها: هذا الكيان الهزيل المسمى بلداً ووطناً، لا يحقق أي مصلحةٍ لأهله، ولا أيَّ شكلٍّ من أشكال الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل ذلك بسبب قسمته الطائفية... وانظروا مؤخراً، على سبيل المثال لا الحصر، كيف لا تمر التعيينات إلا عبر بوابة التقسيم الطائفي، وليس بناءً على الكفاءة، وكيف تُزاد محطة كهرباءٍ، سلعاتا نعني، لا لشيءٍ إلا لأنه يجب أن تكون محطةٌ (سنيةٌ)، ومحطةٌ (شيعيةٌ)، ومحطةٌ نصرانية، وليس لأن البلد بحاجةٍ لها، على الأقل في المدى المنظور! ولو كلف هذا مزيداً من الدَّين على خزانة الدولة ومالها العام!!!
أيها المسلمون، من أهل البلد
إلى متى تعيشون في أزماتٍ تاريخيةٍ (سنة-شيعة)، لا ناقة لكم فيها ولا جمل؟! لقد سلمت منها سيوفكم، فلتسلم منها ألسنتكم، فإنكم لستم حديثي عهدٍ بهؤلاء الفاسدين من أبناء جلدتكم، يقودونكم، فيضرب بعضكم رقاب بعض على أمرٍ مضى عليه ما يقارب ألف عام، يستخدمها اللئام من الساسة الفاسدين، المعتاشين على الخراب والدمار، الموقظين للفتنة، لشحنكم وتجييشكم، فتشعلون صراعاً وتسفكون دماً حراماً! ثم يقول لكم الساسة ذاتهم: "اضبطوا أنفسكم"، هكذا بكل سهولة، نعم، لأنهم، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الذي يرويه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا».
نعم، لا نستهين بحرمات وأعراض نبينا وآل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام، وصحابته رضوان الله عليهم، التي يدافع عنها كل مسلمٍ عاقلٍ تقيٍّ من غير التفاتٍ لمذهبٍ وطائفة، لكن، ليس لحسابات الفاسدين الضالين؛ جاء رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ فقال: يا رسول اللَّه، ما القتال في سبيل اللَّه؟ فإنَّ أحَدَنَا يقاتل غضباً، ويقاتل حَمِيَّةً، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنَّه كان قائماً، فقال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»...
﴿هُوَ سَمَّىٰكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ﴾، لا (سنةً) ولا (شيعةً)، ولو كان للمسلمين حكمٌ ودولةٌ، لبحثت عمن تعدى، ومن وضع مثل هذه الثقافات، أو نشرها، مسلماً كان أو كافراً، ولو كان في أقصى الأرض، ثم لعاقبت وحاسبت وردعت، كل من تسول له نفسه التعدي على المسلمين وحرماتهم.
ثم أيها العلماء والمشايخ والأسياد العقلاء
لقد خرجت أصواتٌ تبشر وتطمئن أن الخير في هذه الأمة لا ينقطع، مصداقاً لحديث النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ»... لكن، قد آن الأوان أن تنفضوا عنكم غبار الأعمال غير الجذرية، وتنتبهوا للعمل الجذريِّ الجادِّ المجدِّ مع العاملين لوحدة الأمة، العاملين لإقامة دولةٍ إسلاميةٍ خلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، يُوحد الإمام الخليفة رأيها، ويرفع الخلاف من بينها، ويضرب على يد كل من يعتدي عليها داخلياً وخارجياً، فماذا تنتظرون؟!
وختاماً، ليس من حلٍّ لمشكلة بلاد المسلمين عموماً، وهذا التشرذم الحاصل، والفتن النائمة، والعبث بأمن الناس؛ بل ليس من حلٍّ لمشكلة العالم الرأسمالي وجشعه وعنصريته المَقيتة، ومحاولاته جعل البلاد والعباد نهباً له ولعملائه وأتباعه؛ ليس من حلٍّ إلا قيام تغييرٍ جذريٍّ، متمثلٍ في دولةٍ إسلاميةٍ خلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، التي يعمل لها حزب التحرير، واصلاً ليله بنهاره، تحرر البلاد والعباد من الكافر المستعمر وعملائه وأتباعه.
وليس من حلٍّ لمشكلة لبنان، إلا أن يلتحق بركب التغيير هذا، مع الأمة عموماً، ومع بلاد الشام خصوصاً، فيعود الفرع إلى أصله، غصناً نضراً في دولة المسلمين، وتحت سلطان الإسلام وأهله، فينعم ساكنو هذه البلاد، مسلمين وغير مسلمين، بعدل شرعة الإسلام، التي نعمت بها لأعوامٍ طويلةٍ، قبل أن يأتي الغرب الكافر المستعمر، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
التاريخ الهجري :18 من شوال 1441هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 09 حزيران/يونيو 2020م
حزب التحرير
ولاية لبنان
1 تعليق
-
وليس من حلٍّ لمشكلة لبنان، إلا أن يلتحق بركب التغيير هذا، مع الأمة عموماً، ومع بلاد الشام خصوصاً، فيعود الفرع إلى أصله، غصناً نضراً في دولة المسلمين، وتحت سلطان الإسلام وأهله،