- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
الإيمان وزيادته ونقصه
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: عن ابْنِ عُمَرَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". قال المؤلف: مذهب جماعة أهل السُّنَّة من سَلَف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصانه ما أورده البخاريُّ من كتاب الله من ذكر الزيادة في الإيمان، وبيان ذلك أنه من لم تحصل له بذلك الزيادة، فإيمانه أنقص من إيمان من حصلت له. فإن قيل: إن الإيمان في اللغةِ التصديقُ وبذلك نطق القرآن، قال الله تعالى: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [يوسف: 17] أي ما أنت بمُصَدِّق، يعني في إخبارهم عن أكل الذئب ليوسف فلا ينقص التصديق. قال المهلب: فالجواب في ذلك أن التصديق وإن كان يسمى إيمانًا في اللغة، فإن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان من كمالُ إيمانِهِ، وبهذه الجملةِ يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص، ألا ترى قولَ عمرَ بنِ عبدِ العزيز: إن للإيمانِ فرائضَ وشرائعَ وحدودًا وسُننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زادت زاد الإيمان كمالاً، هذا توسط القول في الإيمان. وأما التصديق بالله وبرسله فلا ينقص... انتهى.
أيها الأحبة الكرام:
تناولَ شارحُ الحديث هنا مسألةً اختلف فيها علماءُ الأمة، وهي مسألةُ زيادةِ الإيمان ونقصِه، واستدلّ القائلون بزيادةِ الإيمانِ ونقصِه بورود اللفظِ صريحاً في القرآنِ الكريمِ والسنةِ المطهّرة، ولكنْ إذا عرفنا أنه إذا انفكّتِ الجهةُ فإنّ الخلافَ لا يعتبرُ اختلافاً، لانفكاك الجهة، أي لاختلاف جهة النظر، وقد أحسنَ المؤلّف في تخريجِ مسألةِ الاختلاف، بأنها لا تَنْصَبُّ على جهةٍ واحدةٍ كالتصديقِ مثلاً، بل انصبّت على أجزاءِ الإيمانِ، فمن آمَنَ باللهِ إيماناً جازماً مطابقاً للواقعِ عن دليلٍ فقد تحقَّقَ له ركنٌ إيمانيٌّ، ومن آمنَ برسلِهِ تحقَّقَ له ركنٌ إيمانيٌّ آخرُ، وهكذا... فكلَّما آمنَ بشيءٍ طُلِبَ الإيمانُ به ازدادت الأجزاءُ المطلوبُ الإيمانُ بها، فالزيادةُ في هذا المقام تعني الكثرةَ ولا تعني القوة.
وهنا مسألة أخرى تدخلُ في هذا البحث، وهي مسألةُ تأثيرِ المفهومِ الإيمانيِّ في نفسِ حاملِه، وارتباطِ المفهوم بالدافعِ الفطريِّ والشعورِ المصاحبِ له، ذلك أنّ شخصيةَ الإنسانِ تتكوّنُ من عقليّتِه ونفسيّتِه، وبينهما ارتباط وثيقٌ، ذلك أنّ الإنسان لديه حاجات عضويةٌ وغرائزُ تتطلبُ الإشباعَ وترافقُها مشاعر متعلقةٌ بها، والإنسانُ المبدئيُّ الناهضُ تتحكّمُ مفاهيمُهُ في حاجاته العضويةِ وغرائزِه، فكلُّ حاجةٍ عضويةٍ، وكلُّ مظهرٍ غريزيٍّ؛ له مفهومٌ يتعلقُ به ينظّمُ إثارتَه، ويتحكّمُ في الشعورِ المصاحبِ له ليتحوّلَ إلى ميلٍ، وينظّمُ إشباعَهُ، وينتجُ عن ذلك أن استذكارَ المفهومَ يُحْيي ارتباطَه بالدافعِ النفسيّ، والميلِ النفسيِّ، فمن هنا نفهمُ مثلَ قولِهِ سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، [الأنفال، 2]، فذكرُ الله سبحانه وتعالى يثيرُ الوجلَ والخوفَ في نفس الذاكر، فيقوّي ارتباطَ الإيمانِ بالنفسِ، وتلاوةُ آياتِ اللهِ تزيدُ ارتباطَ المفاهيم الإيمانية بالنفس وتقوّي ذلك الارتباط.
أما التصديقُ نفسه فإما أن يكونَ أو لا يكونَ، فالتصديقُ المطلوبُ في الإيمان تصديقٌ جازمٌ مطابقٌ للواقعِ عن دليلٍ، ونقصُ التصديقِ يعني الشكّ، فلا ينقصُ، ولا يزيدُ، وإنما الذي ينقصُ ويزيدُ هو ارتباطُه بالنفسِ وتأثيرُه فيها، والله تعالى أعلى وأعلم.
اللهمَّ عاجلنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرِ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: خليفة محمد