- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
الرخصة والعزيمة في الصيام
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. سنن ابن ماجه
أيها الأحبة الكرام
إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه عليه الصلاة والسلام، محمد بن عبد الله، أما بعد:
يحدثنا هذا الحديث الشريف عن رخصة شرعية شرعها الله سبحانه وتعالى لنا في الصيام، فالله سبحانه وتعالى قد جعل لنا الخيار في السفر إما أن نبقى على صيامنا أو أن نفطر، وها هو سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا ومعلمنا يختار الإفطار في رمضان، فحق لنا أن نأخذ بهذه الرخصة في السفر إن أردنا ذلك، ويجوز لنا أن نأخذ بالعزيمة ونبقى على صيامنا كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا الأمر متروك لنا.
ولكن يجب أن يكون معلوماً أن الأخذ بالعزيمة والصيام في السفر يكون بشرط القدرة على هذا الأمر، فلا يستقيم أن يصوم المؤمن في السفر مع أن صيامه هذا سيمنعه من القيام بفرض آخر شرعه الله سبحانه وتعالى عليه، فالأمر متعلق بالقدرة والاستطاعة وليس بالخيار فقط، فالأمر ليس مفتوحاً على إطلاقه كما يظن البعض، فيجب أن نعي أن الصيام فرض من الفرائض التي فرضها الله علينا، وهو من الشعائر العظيمة في الإسلام التي يثيب الله عليها خير الثواب ولكن مع هذا فقد حذرنا سبحانه وتعالى من التقصير بالفروض الأخرى على حساب هذا الفرض.
فلا يتبادر في ذهن الصائم أن الصيام وحده يكفي فيصوم ويمتنع عن فروض شرعية أخرى بحجة الصيام، فهل يعقل أن يفرض الله تعالى علينا أمرين أو ثلاثة في نفس الوقت على جميع المسلمين، في الوقت الذي يوجد منا من لا يستطيع التوفيق بينهما مع القدرة والاستطاعة؟! فهذا الأمر لا يستوي عقلا ولا شرعا، فالله سبحانه يريد لعباده أن يقوموا بكل ما أمر به، فهو سبحانه وتعالى لا يقبل التقصير بفرض فرضه على عباده إلا لسبب أباحه، ويجب أن يكون واضحا عندنا أن الأحكام الشرعية لا تطبق على الأهواء، فالعبادات التي شرعها رب العالمين لا يتصور أن أحد لا يستطيع القيام بها في الظروف العادية فهي مما يقدر البشر كلهم على أدائها.
إن ما نسمعه من ضعاف النفوس الذي يقصرون بالأحكام الشرعية كلها إلا الصيام فأمثال هؤلاء لا يوجد عندهم عذر يقبله الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولقد أصبح هذا الأمر عند بعض المسلمين أمرا عاديا، فهم اعتادوا عليه حتى استمرئوا فعلهم هذا وأصبح مقبولا لديهم لا بأس به عندهم، وإن هذا لهو من وسوسة الشيطان، ولكن شهر رمضان شهر الرحمة تكبل فيه الشياطين وتفتح فيه أبواب التوبة، فإن تاب هؤلاء المسلمون وداوموا على الأفعال التي ترضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وابتعدوا عن ما يغضبه سبحانه وتعالى فإن توبتهم هذه ستكون لهم حجابا يستترون به فيجعلهم الله ممن رضي عنهم وقبل توبتهم وعبادتهم .
فالله نسأل أن يعيننا على الالتزام بالأحكام وتطبيقها في حياتنا والامتناع عن المعاصي في شهر الخير هذا وما بعده من الشهور، إن ذلك ليس على الله بعزيز.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح (رحمه الله)