- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
إذا لم تستح فاصنع ما شئت
الإخوة الأحبّة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أورد البخاريُّ رحمه الله في صحيحه، عَنْ أبي مسعودٍ الأنصاريّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»
وقد شرح ابن حجرٍ رحمه الله الحديث في فتح الباري، ومما جاء فيه:
قَوْلُهُ: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ) أي آخِرَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى .. وَأَدْرَكَ: بِمَعْنَى بَلَغَ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَحِ: اسْمٌ لِلْكَلِمَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِتَأْوِيلِ هَذَا الْقَوْلِ.
قَوْلُهُ: (فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ دُونَ الْخَبَرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يَكُفُّ الْإِنْسَانَ عَنْ مُوَاقَعَةِ الشَّرِّ هُوَ الْحَيَاءُ، فَإِذَا تَرَكَهُ صَارَ كَالْمَأْمُورِ طَبْعاً بِارْتِكَابِ كُلِّ شَرٍّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "الْأَرْبَعِينَ": الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ، أَيْ إِذَا أَرَدْتَ فِعْلَ شَيْءٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَسْتَحِي إِذَا فَعَلْتَهُ مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنَ النَّاسِ فَافْعَلْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ، وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ يُسْتَحَى مِنْ تَرْكِهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ يُسْتَحَى مِنْ فِعْلِهِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَالْحَيَاءُ مِنْ فِعْلِهِ جَائِزٌ، وَكَذَا مَنْ تَرَكَهُ فَتَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ. وَقِيلَ هُوَ أَمْرُ تَهْدِيدٍ، وَمَعْنَاهُ إِذَا نُزِعَ مِنْكَ الْحَيَاءُ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيكَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْحَيَاءِ، أَيْ مَنْ لَا يَسْتَحِي يَصْنَعُ مَا أَرَادَ.
الإخوة الأحبّة الكرام
وكأننا بحكام المسلمين لم يأبهوا بالحياء، فما أقاموا له وزناً ولا جعلوا له اعتباراً، فأذاقوا شعوبهم ويلاتٍ وويلاتٍ وويلاتٍ، فسفاح في سوريا وآخر في ليبيا وثالث في اليمن ورابع في مصر وخامس في الحجاز ونجد حتى امتلأت بلاد المسلمين بحكامٍ قليلي حياء، بل قل: معدومي حياء، وبلغت وقاحتهم حد تسمية البلاد بأسمائهم، فهذه الحجاز ونجد أسموها السعودية نسبة إلى حكام الضلالة، وهذه الأردن أسموها الهاشمية نسبة إلى حكام الضلالة هناك، وتجاوزت جرائم الحكام كل حد، استباحوا الأعراض فانتهكوها، وقتلوا الشباب والشيوخ والنساء والأطفال، بل وأخرجوا الجيوش تنكل في الشعوب فاستحر القتل في المسلمين من حكامهم، وما هذا كله إلا لغياب حاجز الحياء، وإنه لمّا يغيب الحياء فلا يعود شيءٌ يمنع المجرم من إجرامه، حينها يصبح لزاماً على أهل الحق أن يثبتوا الحق بالقوة، وليس هناك من قوةٍ تفوق قوة الشعوب إن أرادت حقها وسعت إلى استرداد سلطانها، فهذه شعوب المسلمين بدأت تتململ طالبةً حقها وسلطانها وساعيةً إليه، وبدأ المجرمون معدومي الحياء يتساقطون واحداً تلو الآخر، وإننا ندعو الشعوب إلى المضيّ قدماً في طريق عزتها، وننصحهم ألا يرجوا من معدومي الحياء خيراً فإن معدوم الحياء لا رجاء منه، والله وليّ المستضعفين إن هم نصروه واستقاموا على أمره.
وحتى لقاءٍ آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته