- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 138)
ملكية الدولة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الثامنة والثلاثين بعد المائة، وعنوانها: "ملكية الدولة". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة والعشرين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "هناك أموال لا تدخل في الملكية العامة، بل هي داخلة في الملكية الفردية، لأنها أعيان تقبل الملك الفردي، كالأرض، والأشياء المنقولة، ولكنه قد تعلق فيها حق لعامة المسلمين، فصارت بذلك ليست من الملكية الفردية، وهي لا تدخل في الملكية العامة، فتكون حينئذ ملكا للدولة. وملك الدولة هو ما كان الحق فيه لعامة المسلمين، والتدبير فيه للخليفة، يخص بعضهم بشيء من ذلك، حسب ما يرى. ومعنى تدبيره هذا هو أن يكون له سلطان عليه يتصرف فيه، وهذه هي الملكية؛ لأن معنى الملكية أن يكون للفرد سلطان على ما يملك. وعلى ذلك، فكل ملك مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده يعتبر ملكا للدولة. وقد جعل الشارع أموالا معينة ملكا للدولة، للخليفة أن يصرفها حسب رأيه واجتهاده مثل الفيء، والخراج، والجزية وما شابهها؛ لأن الشرع لم يعين الجهة التي تصرف فيها. أما إذا عين الشرع الجهة التي تصرف فيها، ولم يتركها لرأيه واجتهاده لا تكون ملكا للدولة، وإنما تكون ملكا للجهة التي عينها الشرع، ولذلك لا تعتبر الزكاة ملكا للدولة، بل هي ملك للأصناف الثمانية الذين عينهم الشرع، وبيت المال إنما هو محل إحرازها من أجل صرفها على جهاتها. وإنه، وإن كانت الدولة هي التي تقوم بتدبير الملكية العامة، وتقوم بتدبير ملكية الدولة، إلا أن هنالك فرقا بينهما. وهو أن ما كان داخلا في الملكية العامة، لا يجوز للدولة أن تعطي أصله لأحد، وإن كان لها أن تبيح للناس أن يأخذوا منه، بناء على تدبير يمكنهم جميعا من الانتفاع به، بخلاف ملكية الدولة، فإن للدولة أن تعطيها كلها لأفراد معينين، ولا تعطي الآخرين، ولها أن تمنعها عن الأفراد، إذا رأت في ذلك رعاية لشؤونهم من ناحية أخرى غير إعطائهم. فالماء، والملح، والمراعي، وساحات البلدة، لا يجوز أن تعطيها لأفراد مطلقا، وإن كان يجوز للجميع الانتفاع بها، بحيث يكون النفع لهم جميعا دون تخصيص أحد دون الآخر. والخراج يجوز أن تنفقه على الزراع فقط دون غيرهم لمعالجة شؤون الزراعة، ويجوز أن تنفقه على شراء السلاح فقط، ولا تعطي أحدا منه شيئا، فهي تتصرف به كما ترى مصلحة للرعية".
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. ملك الدولة: هناك أموال غير داخلة في الملكية العامة بل في الملكية الفردية ولكن تعلق فيها حق لعامة المسلمين، فصارت ليست من الملكية الفردية، ولا في الملكية العامة، فتكون ملكا للدولة.
2. تعريف ملك الدولة: ملك الدولة هو ما كان الحق فيه لعامة المسلمين، والتدبير فيه للخليفة، يخص بعضهم بشيء من ذلك، حسب ما يرى.
3. معنى تدبير الخليفة: هو أن يكون له سلطان عليه يتصرف فيه. وهذا هو معنى الملكية.
4. معنى ملكية الدولة: أن يكون للفرد سلطان على ما يملك. وعلى ذلك، فكل ملك مصرفه موقوف على رأي الخليفة واجتهاده يعتبر ملكا للدولة.
5. أموال ملكية الدولة: جعل الشارع أموالا معينة ملكا للدولة، للخليفة أن يصرفها حسب رأيه واجتهاده مثل الفيء والخراج، والجزية وما شابهها؛ لأن الشرع لم يعين الجهة التي تصرف فيها.
6. مال الزكاة ليس ملكا للدولة:
1) إذا عين الشرع الجهة التي تصرف فيها، ولم يتركها لرأيه واجتهاده لا تكون ملكا للدولة، وإنما تكون ملكا للجهة التي عينها الشرع.
2) لا تعتبر الزكاة ملكا للدولة، بل هي ملك للأصناف الثمانية الذين عينهم الشرع.
3) بيت المال هو محل إحراز مال الزكاة من أجل صرفها على جهاتها.
7. الفرق بين تدبير الدولة للملكية العامة وتدبيرها لملكية الدولة:
1) الدولة هي التي تقوم بتدبير الملكية العامة، وتقوم بتدبير ملكية الدولة، إلا أن هنالك فرقا بينهما.
2) ما كان داخلا في الملكية العامة، لا يجوز للدولة أن تعطي أصله لأحد.
3) للدولة أن تبيح للناس أن يأخذوا من الملكية العامة ما يمكنهم جميعا من الانتفاع به.
4) للدولة أن تعطي من ملكيتها لأفراد معينين، ولا تعطي الآخرين، ولها أن تمنعها عن الأفراد، إذا رأت في ذلك رعاية لشؤونهم من ناحية أخرى غير إعطائهم.
5) الماء، والملح، والمراعي، وساحات البلدة، لا يجوز أن تعطيها لأفراد مطلقا، وإنما يجوز للجميع الانتفاع بها، بحيث يكون النفع لهم جميعا دون تخصيص أحد دون الآخر.
6) يجوز للدولة أن تنفق الخراج على الزراع فقط دون غيرهم لمعالجة شؤون الزراعة.
7) يجوز للدولة أن تنفق الخراج على شراء السلاح فقط، ولا تعطي أحدا منه شيئا، فهي تتصرف به كما ترى مصلحة للرعية.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.