- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 153)
توزيع الثروة بين الناس
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثالثة والخمسين بعد المائة, وعنوانها: "توزيع الثروة بين الناس". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثامنة والأربعين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "لقد أباح الإسلام الملكية الفردية، ولكنه حدد كيفية التملك. وأذن للفرد بأن يتصرف بما يملك، ولكنه حدد كيفية التصرف. ولاحظ تفاوت القوى العقلية والجسمية لدى أفراد بني الإنسان، فاحتاط لهذا التفاوت في إعانته العاجز، وكفايته المحتاج، وفرضه في أموال الأغنياء حقا للفقراء والمساكين. وقد جعل ما لا تستغني عنه الجماعة ملكا عاما لجميع المسلمين، لا يجوز لأحد أن يمتلكه، أو يحميه لنفسه، أو لغيره. كما جعل الدولة مسؤولة عن توفير الثروة أموالا وخدمات للرعية، وأباح لها أن تتملك ملكية خاصة بها. وبهذا كله ضمن العيش لكل فرد من أفراد الرعية، وضمن للجماعة أن تبقى مجتمعة متماسكة، وضمن مصالح هؤلاء الأفراد، ورعاية شؤون هذه الجماعة، وحفظ كيان الدولة في قدرة كافية للاضطلاع بمسؤولياتها الاقتصادية. غير أن ذلك كله يحصل إذا بقي المجتمع على وضع يتحقق فيه توفير الثروة لجميع أفراد الرعية، فردا فردا، وكان أفراد الرعية في جملتهم قائمين بتنفيذ جميع أحكام الشرع. أما إذا قام المجتمع على تفاوت فاحش بين أفراده، في توفير الحاجات، كما هي الحال الآن في العالم الإسلامي، كان لا بد من إيجاد توازن بين أفراده، في عملية توزيع جديدة، توجد التقارب في توفير الحاجات. وكذلك أيضا إذا حصل انحراف في أذهان الناس في تطبيق الأحكام الشرعية، لفهم سقيم، أو لفساد طارئ، أو حصل تقصير من الدولة في تطبيق النظام، فإنهم حينئذ ينحرفون عن النظام، وينحرف المجتمع عن وضعه المرسوم، فيؤدي ذلك إلى الأثرة، والأنانية، وسوء التصرف، في الملكية الفردية، فيحصل حينئذ سوء توزيع الثروة بين الناس، فيصبح لا بد من حفظ التوازن بين أفراد المجتمع، أو إيجاد هذا التوازن. وفي كلتا الحالتين يحصل سوء التوزيع للثروة بين الناس من أحد أمرين. إما من تداول الثروة بين فئة الأغنياء وحدهم. وإما من منعها عن الناس، ومنع أداة التداول بينهم بحجزها عن المجتمع. وقد عالج الإسلام هاتين الناحيتين، فوضع أحكاما شرعية تضمن تداول الثروة بين الناس جميعا، وتعيد توزيعها كلما حصل اختلال في توازن المجتمع. كما وضع أحكاما شرعية تمنع كنز الذهب والفضة، بوصفهما أداة التبادل، وتجبر على وضعهما في المجتمع بين الناس موضع التبادل. وبذلك يعالج المجتمع الفاسد، ويعالج المجتمع المنحرف، أو المائل للانحراف، ويعمل لتوفير الثروة لجميع أفراد الرعية، فردا فردا حتى يشبع كل فرد منهم حاجاته الأساسية، إشباعا تاما، ويفتح أمامه السبيل ليعمل على إشباع حاجاته غير الأساسية قدر ما يستطيع".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
نظرة الإسلام للملكية الفردية, وللملكية العامة, ولملكية الدولة:
1. أباح الإسلام الملكية الفردية، ولكنه حدد كيفية التملك.
2. أذن الإسلام للفرد بأن يتصرف بما يملك، ولكنه حدد كيفية التصرف.
3. لاحظ الإسلام تفاوت القوى العقلية والجسمية لدى أفراد بني الإنسان.
4. احتاط الإسلام لهذا التفاوت في إعانته العاجز، وكفايته المحتاج، وفرضه في أموال الأغنياء حقا للفقراء والمساكين.
5. جعل الإسلام ما لا تستغني عنه الجماعة ملكا عاما لجميع المسلمين، لا يجوز لأحد أن يمتلكه، أو يحميه لنفسه، أو لغيره.
6. جعل الإسلام الدولة مسؤولة عن توفير الثروة أموالا وخدمات للرعية.
7. أباح الإسلام للدولة أن تتملك ملكية خاصة بها.
ميزات النظام الاقتصادي في الإسلام:
1. يضمن العيش لكل فرد من أفراد الرعية.
2. يضمن للجماعة أن تبقى مجتمعة متماسكة.
3. يضمن مصالح الأفراد، ورعاية شؤون الجماعة.
4. يضمن حفظ كيان الدولة في قدرة كافية للاضطلاع بمسؤولياتها الاقتصادية.
5. يعالج المجتمع الفاسد، ويعالج المجتمع المنحرف، أو المائل للانحراف.
6. يعمل لتوفير الثروة لجميع أفراد الرعية، فردا فردا حتى يشبع كل فرد منهم حاجاته الأساسية إشباعا تاما.
7. يفتح أمام الفرد السبيل ليعمل على إشباع حاجاته غير الأساسية قدر ما يستطيع.
شروط تحقق ضمانات النظام الاقتصادي: تحصل تلك الضمانات وتلك الميزات بشرطين اثنين:
1. إذا بقي المجتمع على وضع يتحقق فيه توفير الثروة لجميع أفراد الرعية، فردا فردا.
2.إذا كان أفراد الرعية في جملتهم قائمين بتنفيذ جميع أحكام الشرع.
الوضع الاقتصادي في الوقت الحالي:
1. حال المجتمع في العالم الإسلامي الآن قائم على تفاوت فاحش بين أفراده في توفير الحاجات.
2.لا بد من إيجاد توازن بين أفراده، في عملية توزيع جديدة، توجد التقارب في توفير الحاجات.
أسباب حصول انحراف في أذهان الناس في تطبيق الأحكام الشرعية:
1. نتيجة لفهم سقيم.
2. نتيجة لفساد طارئ.
3. نتيجة حصول تقصير من الدولة في تطبيق النظام.
نتائج الانحراف في أذهان الناس في تطبيق الأحكام الشرعية:
1. ينحرف الناس عن النظام.
2. ينحرف المجتمع عن وضعه المرسوم.
3. يؤدي إلى الأثرة، والأنانية، وسوء التصرف في الملكية الفردية.
4. يحصل سوء توزيع الثروة بين الناس.
5. يصبح لا بد من حفظ التوازن بين أفراد المجتمع أو إيجاد هذا التوازن.
سوء التوزيع للثروة ناتج من أحد أمرين:
1. من تداول الثروة بين فئة الأغنياء وحدهم.
2. من منع الثروة عن الناس، ومنع أداة التداول بينهم بحجزها عن المجتمع.
معالجة الإسلام لمشكلة سوء توزيع الثروة:
1. وضع أحكاما شرعية تضمن تداول الثروة بين الناس جميعا، وتعيد توزيعها كلما حصل اختلال في توازن المجتمع.
2. وضع أحكاما شرعية تمنع كنز الذهب والفضة، بوصفهما أداة التبادل، وتجبر على وضعهما في المجتمع بين الناس موضع التبادل.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.