- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى وزير الأوقاف المغربي: اخدم الدين ولا تستخدمه فتُظهر الباطل في صورة الحقّ!
الخبر:
أعاد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، النقاش حول العوائد البنكية ومفهوم الربا إلى الواجهة، خلال مشاركته في منتدى الاستقرار المالي الإسلامي، الذي نظمه بنك المغرب ومجلس الخدمات المالية الإسلامية الخميس 03/07/2025 بالعاصمة الرباط. وشدد على أن التعامل المالي بالعوائد على القروض يتعلق بـ"التشرع" أي التعاقد والتراضي الكفيل بالعدل، أكثر مما يتعلق بـ"التعبد"، مبيّنا أن العدل يقتضي ألا تتحول الضرورة إلى فرصة حيف وإجحاف بالمقترض، وهذا ما يستدعي تدخل الإمارة لحماية المال بقواعد ومؤسسات. (صحيفة إيلاف)
التعليق:
لم يكن هذا التصريح الأول لوزير الأوقاف المغربي حول إحلال الربا بل سبقه قراءته الحديثة للتعاملات البنكية التي شاركها العام الماضي في درس حسني رمضاني ألقاه أمام الملك مُحمد السادس حيث انتقد "بعض المتكلمين في الدين الذين أحرجوا ضمير المسلمين بالقول إن الربا هو الفائدة على القرض بأي فائدة كانت"، وأوضح بأن "مُعْظم الاقتراض في هذا العصر للضرورة أو الاستثمار، وما يتم أداؤه من فوائد يتعلق بثمن الأجل ومقابل الخدمات"، فيما "الفائدة تقل بقدر نمو الاقتصاد في البلاد". ويرى بأن حكمة القرآن الكريم في تحريم الربا جَاءت للقطيعة مع مُمارسات كانت شائعة في بعض الحضارات القديمة، بحيث كانت هذه الممارسات تقوم على استعباد العاجز عن رد الدين بعوائد مضاعفة، وهو ما استنكره بعض فلاسفة اليونان.
وزير الأوقاف هذا الذي يلبس الحق بالباطل ويدعو الناس إلى الاطمئنان بأن المعاملات البنكية العادية ليست خارجة عن الإسلام ما دامت في إطار التعاقد وما لم تكن بالأضعاف المضاعفة، وبذلك يرى بأنه يحقق مصلحة العامة بتجديده للخطاب الديني وإزاحة الهوة بين "الفهم الفقهي الجامد" وبين الواقع المعيشي للمسلمين، إنّما هو يحارب نصّا شرعيا قطعيا ثابتا في الكتاب والسنة والإجماع، وعليه فإن حرمة الربا لا تقبل التأويل أو التبديل والعوائد بقطع النظر عن مقدارها إنّما تدخل في الربا.
يقول الإمام الغزالي: "أما المصلحة فهي عبارةٌ في الأصل عن جلْبِ منفعةٍ أو دفع مضرَّة؛ ولسنا نعني بها ذلك؛ فإنَّ جلب المنفعة أو دفع المضرة مقاصدُ الخَلْق؛ وصلاحُ الخَلْق في تحصيل مقاصدهم، لكنَّا نعني بالمصلحة: المحافظةَ على مقصود الشرع" (المستصفى: 1/217).
فكلّ خيْرٍ للعباد يكْمُن بطاعة الله عزَّ وجل، وبذلك تتحقق المصلحة، والتراضي لا يحلّ ما حرّم الله، وقد بيّن الإمام الشاطبي أن رضا المتعاقدين لا يرفع المفسدة المقصودة بالنهي الشرعي، وإنما التراضي معتبر من جهة كونه كاشفا عن رغبة الطرفين ولا إكراه عليهما، لا من جهة كونه باعثا على شرعية العقد. وبالتالي فإن العائد المتفق عليه برضا الطرفين وإن كان قليلا لا يرفع عن العقد صفته الربوية. فحريّ بوزير الأوقاف ألا يتلاعب بالأحكام الشرعية ويستغلّ منصبه في استخدام الدين بدلا من خدمته فيضلل الناس ويلبس عليهم بأن الدولة أخذت روح الشريعة واتبعت مقاصدها بالتيسير على الناس! وفي هذا يقول الإمامُ ابن قيم الجوزية: "فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكالَهُ أنْ يحذرَ استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأنْ يَعْلمَ أنه لا يُخَلِّصُه من الله ما أظْهَرَهُ مكراً وخديعةً مِنَ الأقوال والأفعال، وأن يعلمَ أنَّ لله يوماً تُبلى فيه السرائر، ويُحَصَّل ما في الصدور، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يلعبون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون" (إعلام الموقعين (3/163) باختصار).
ونصيحتنا إلى وزير الأوقاف أن لا يحمل الناس على ظهره فيحمل أوزارهم وتذكر قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. درة البكوش