- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
الخبر:
فعّلت رئيسة الوزراء البريطانية (تيريزا ماي) في الأسبوع الماضي العمل بالمادة (50) من معاهدة لشبونة، حيث أرسلت إشعاراً رسمياً إلى الاتحاد الأوروبي حول قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد. ويأتي طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد مرور 44 عاماً، وسوف تستمر المحادثات لمدة عامين. كما انتهزت رئيسة الوزراء الفرصة لتعبئة الناس للعمل معاً خلال فترة الانفصال، وقالت: "إننا شعب متحد وعظيم وله دولة ذات تاريخ عريق ومستقبل مشرق، والآن وبعد أن تم اتخاذ القرار بمغادرة الاتحاد الأوروبي، فقد حان الوقت للالتقاء معاً". بينما قال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي (دونالد تاسك): "لا يوجد سبب للتظاهر بأن هذا يوم سعيد فلم نفز بشيء". إن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الآن تتركز على السيطرة على حجم الأضرار، وقد أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تكهنات مكثفة بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي.
التعليق:
على الرغم من تقليل المسؤولين البريطانيين والأوروبيين من حجم تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن الاتحاد لن يكون هو نفسه مرة أخرى، وتصريحات (تاسك) تدلل على حجم الحقائق القاسية التي تواجه كلا الجانبين اللذين يتنافسان في لعبة وضع المؤامرات الجيوسياسية.
لقد منح الاتحاد الأوروبي ميزان القوى لصالح إسبانيا على أراضي جبل طارق المتنازع عليها، وقد تقف بريطانيا مع المطالب الأمريكية لأعضاء الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي أو تختار عدم الاهتمام بالمخاطر، وفي الوقت نفسه روسيا حريصة على الاستفادة من معضلة الاتحاد الأوروبي لبيع مقاتلات نفاثة لصربيا ودعم التحركات الشعبية في جميع أنحاء القارة؛ لذلك فإن وضع الاتحاد يسير نحو المجهول بالنسبة للأوروبيين.
مع ذلك، فإن توسيع سياق محادثات الطلاق هو حيلة متعمدة تهدف إلى تعزيز مواقف المتفاوضين، ولكن لها عواقب طويلة الأمد على أوروبا، ومن المثير للاهتمام قول (مونيت) مؤسس الاتحاد الأوروبي: "عندما تكون لديك مشكلة لا يمكنك حلها، فاعمد إلى توسيع سياقها". من وجهة نظر بريطانيا فإن أوروبا المقسمة التي ستظهر بعد المحادثات هي الهدف المنشود لها، ومن ناحية أخرى تطمح الدول الأعضاء الأساسية في الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الاتحاد من خلال تقديم مثال من بريطانيا.
لقد كانت سياسات القوة العظمى دائماً سمة من سمات السياسة الأوروبية، ويعتقد الكثير من الأوروبيين أن ما يمر به الاتحاد ليس من صنع أيديهم وليس هو ما يرغبون فيه. لقد أكد العالم الأمريكي (كاغان) أنه بدون الضامن الأمريكي لن يكون هناك وجود للاتحاد الأوروبي، فقد كان الإبداع والمال الأمريكيان محوريّين في المشروع الأوروبي، فبعد الحرب العالمية الثانية كان الهدف الرئيسي لأمريكا هو مواجهة التوسع السوفيتي وإيجاد أوروبا موحدة مزدهرة بالرأسمالية؛ لعزل الشيوعية الروسية.
كان مشروع مارشال الأمريكي لتحويل المجتمع الأوروبي إلى تحويل الفحم والصلب إلى كتلة موحدة يمكن أن تقف ضد الإمبراطورية الحمراء. إن الإخفاق الذي تعرضت له بريطانيا وفرنسا، والسباق الذري بين القوى القطبية الثنائية، وغزو روسيا للمجر، أكد الحقيقة المروعة بأن أوروبا قد نزلت إلى المركز الثالث من بين القوى العالمية، وهي غير قادرة على التصرف بالأحداث العالمية والمحلية، وقد وفر ذلك الزخم اللازم لمعاهدة روما في عام 1957م، التي وضعت الأسس لتجربة التكامل في أوروبا.
إذا كان الاتحاد الأوروبي اليوم رهيناً للقوى الخارجية مثل أمريكا، فإن الفكرة الفعلية لأوروبا الموحدة لها أصول غريبة. في القرن الخامس عشر، تخوف بعض الأوروبيين من الدولة العثمانية من تحقيق الوحدة في القارة، فقد قاد جورج بوديبراد (ملك بوهيميا) تلك الجهود بما سُمي برسالة السلام. وفي القرن السابع عشر، رد دوق سولي - وهو "المجلس المسيحي في أوروبا" الذي يضم 15 دولة - على الهيمنة العثمانية.
بصرف النظر عن فكرة أوروبا، فقد لعب الإسلام دوراً أساسياً في تشكيل الحضارة الغربية، فنقاط التفاعل بين الإسلام والغرب، مثل: إسبانيا وصقلية، والمشرق، وطرق التجارة، والسياسة العثمانية في قلب أوروبا، وفّر كل ذلك لأوروبا رأس المال الفكري اللازم لبث الحياة فيها، فعلى سبيل المثال: قدم النبلاء العائدون من الحروب الصليبية مساهمات كبيرة في الدعوة إلى مزيد من الحقوق بين الملك ورعاياه، ووثيقة (ماغنا كارتا) لعام 1215م هي مثال على الطبقة النبيلة في إنجلترا التي تستعير الأفكار السياسية في الإسلام لتشكل حقوقاً محلية.
بغض النظر عن مدى صعوبة قدرة أوروبا على إخفاء ماضيها الذي تأثر بالإسلام، فإن الإسلام لا بد أن يلعب دوراً محورياً في مستقبل أوروبا. من غير المرجح أن يبقى الاتحاد الأوروبي من دون بريطانيا في شكله الحالي، وبالنسبة لبريطانيا فإنها لن تتسامح أبداً مع وجود قوة قارية قوية، وينطبق الأمر نفسه على أمريكا وروسيا وهما تسعيان إلى تحديد مجالات نفوذهما. ثم هناك شهية شريرة شعبية، والتي من المرجح أن تشجع على إشعال القومية التي من شأنها تدمير القارة.
على الرغم من أن هذه القوى تتنافس على الأسبقية في القارة، فإن تحدي الإسلام ليس بعيداً، فأوروبا تعاني حالياً من عدد كبير من القضايا الإسلامية، بدءاً من الأمن... إلى وجود المسلمين الذين يعيشون في الغرب، ومن المرجح أن تكون هذه القضايا على سلم أولويات الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله وتوظّف لصالح المسلمين، وقد تنبأ أحد العلماء الفرنسيين (بوألم سنسال) بالفعل بزوال أوروبا، وتوقع أن يحكم الإسلام العالم بحلول عام 2084م.
عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ الرَّحَبِىِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ نبي اللَّهِ rقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَى لي الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وأعطاني الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي – باكستان