- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
حمى الضريبة في الأردن: "يداك أوكتا وفوك نفخ"
الخبر:
أكد رئيس الوزراء عمر الرزاز أن عدم إقرار المشروع المعدل لقانون ضريبة الدخل قبل بداية العام المقبل "سيكون ثمنه باهظا والوقت ليس في صالحنا"، موضحا أن "الأردن سيدفع ثمناً قد يصل إلى 300 مليون ستذهب إلى الخارج في حال دخل العام 2019 بدون قانون ضريبة". وشدد الرزاز في لقاء مع برنامج "ستون دقيقة" الذي بثه التلفزيون الأردني مساء الجمعة 2018/9/21، على أنه لا توجد أي "جهة تملي على الأردن أي شيء لأننا مستقلون ولكن الدول التي عليها ديون تحتاج لإعادة جدولة الديون وإعادة الاستدانة".
التعليق:
لا شك أن الدول الدائنة تحتاج إلى استرجاع ديونها أو ربا الدين على الأقل. لا شك أن المدين إذا لم يكن لديه مصدر دخل قوي لسداد ديونه سوف يضطر للاستدانة ثانية من أجل سداد الدين الأول وهو ما يسمى بإعادة الجدولة والاستدانة لسداد الدين. فهذا لا يحتاج إلى عبقرية لفهمه. ولكن السؤال الأهم هو ما الذي أوصل الدين في دولة صغيرة مثل الأردن إلى أرقام فلكية تزيد على مجمل ناتجها القومي؟ وكيف استفحل الدين من أجل مشاريع لم تسعف الدولة في إنتاج ولو جزء بسيط من أقساط الدين السنوية؟ ومن ثم لماذا تستمر الدول الدائنة من خلال منظومة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إقراض دولة كالأردن وهي تعلم أنها لا تملك المقدرة على السداد ولا تستعمل الديون في مشاريع إنتاجية تمكنها من الوفاء بالتزاماتها؟
أما تراكم الدين في الأردن إلى أن زاد على 40 مليار دولار فهو بدون أدنى شك أداة سهلة ميسورة للنهب والسلب من قبل أرباب البلد وحكامه، خاصة أنه لا توجد ثروات طبيعية مستغلة تمكن هؤلاء من الثراء الفاحش كأمثالهم في دول الخليج، فلم يجد هؤلاء وسيلة للثراء الفاحش إلا الاستدانة على حساب الشعب. وهو ما يفسر ثراء أرباب البلد بشكل فاحش دون أن يكون هناك مصدر ثراء غير هذه الديون.
أما لماذا يترك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأردن وأمثالها للغرق في الديون إلى درجة العجز التام عن سداد أقساطها، فهو عائد بالدرجة الأولى إلى وضع الدولة في مأزق دائم تحت وصاية وضغط البنك وصندوق النقد الدوليين. أما الثاني فإن الدول الدائنة تعلم أنها تستطيع استرجاع أموالها من خلال جمع الأموال من الشعب حتى ولو كان في غاية الفقر. والحكومة أيا كان جنسها أو نوعها أو شكلها يصبح لها عمل واحد مهم وهو توفير قيمة القسط السنوي لدفعه للدول الدائنة من خلال البنك الدولي. ولما كانت الدولة في الأردن مثل غيرها من الدول الرأسمالية التي لا تملك مقدرات حقيقية، فإنه لا سبيل لها إلى جمع المال إلا الضرائب التي تفرضها على الناس. فهي أي الدولة قد باعت جميع ما لديها من مؤسسات صناعية تحت باب الخصخصة، ولم يبق لديها أي ممتلكات، وهو ليس مستغربا في دول تتبع النظام الرأسمالي.
إلا أن الدولة في الأردن تختلف عن كثير من الدول الرأسمالية من حيث إنها لا تنفق ما تجمعه من الناس على شكل ضرائب مختلفة على مصالح الناس وعلى بناء أسس صلبة للإنتاج والتسويق وزيادة الدخل. فهي تجمع من الناس لسداد أقساط الديون ودفع رواتب موظفيها في الجيش والأمن والصحة والتعليم وغيرها، وهي في معظمها مصاريف استهلاكية.
من هنا كانت طبيعة النظام الرأسمالي الذي يحكم الأردن مسؤولاً بشكل مباشر عن جعل ابن البلد مسؤولا مسؤولية تامة عن تمويل الدولة ومشاريعها من خلال نظام الضرائب. كما أن الحكومات المتعاقبة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن التوغل في الاستدانة وتراكم الديون دون أن يكون لهذه الديون أثر في زيادة دخل ابن البلد الذي سوف يدفع من أمواله لتغطية أقساط الدين، هذا بالإضافة إلى سرقة ونهب غالبية القروض لصالح أرباب الدولة والنظام والذين بلغوا حدا من الثراء ليس له تفسير إلا الولوغ في الدين.
أما ما نشاهده من احتجاجات واسعة يقوم بها الشعب في الأردن على مشاريع الضريبة والتي سوف تزيد من أعبائه، فمردها إلى شعوره بالغبن الفاحش، والعجز التام عن الاستمرار في دفع الضرائب وتلبية طلبات الحكومة المستمرة. وهنا تكمن مشكلة أخرى لا بد من التعرض لها؛ وهي أولا وقبل كل شيء طبيعة النظام الرأسمالي الذي يجعل الضرائب هي الوسيلة الأهم والأكثر شيوعا في تأمين المال اللازم للدولة وحكوماتها. وبالتالي فإن الاحتجاج على زيادة الضريبة هو قبول مبطن بنظام الضريبة والذي هو سبب مباشر في تأزيم الوضع في دولة كالأردن. فالأصل هو نقض نظام الضرائب والتمويل الضريبي من أساسه. وبالتالي نقض النظام الرأسمالي الذي جعل ملكية الدولة قائمة على مال الأفراد بأي شكل من الأشكال، وهو في غالبه جائر وغير متزن. ثانيا، كان الأصل في الشعب ألا يقبل برهن سياسة الدولة التي تحكمه لمؤسسات دولية استعمارية لا ترقب فيهم إلا ولا ذمة. وألا ينتظروا حتى تصبح مقدرات البلد كلها مرهونة بأيدي الدائنين، وحينها تصبح أي حكومة مهما أوتيت من حكمة أو غباء، تصبح عاجزة عن التحرك إلا ضمن مسار مفروض عليها من المؤسسات الدولية حتى لو ادعت أنها لا تخضع لإملاءات. فعدم الخضوع للإملاءات في هذه الحالة معناه شيء واحد وهو السير بموجب الإملاءات دون ضغط، يعني يصبح عبدا طواعية.
لا نريد توجيه اللوم للشعب على الانتظار إلى هذا الوقت الذي غدا فيه التحرك وعدمه كالغارق في وحل حار؛ إن بقي ساكنا فهو غارق لا محالة، وإن تحرك فتزداد حرارة الوحل على جسده. فكما قيل "يداك أوكتا وفوك نفخ".
وأخيرا هل هناك من مخرج من هذا الوحل الذي أغرق البلاد والعباد؟ والجواب أنه لا يمكن إيجاد حل لمأساة بلد مثل الأردن من خلال النظام نفسه الذي أدى به إلى هذه الحال. لا بد إذاً من البحث عن حل من الجذور!
﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني