- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
نساء بلا تقاعد – فقر المسنات
الخبر:
أستاذة الدراسات الثقافية الاجتماعية وعالمة الأجناس إيرينه جوتس Irene Götz تصدر كتابا بعنوان "لا تقاعد" يبحث في فقر النساء المعمرات أسبابه ومعالجاته.
مما تذكره المؤلفة كخلاصة لكتابها أمران مهمان وجوهريان:
- فقر المسنات بالذات هو حالة اجتماعية متصاعدة نتيجة عدم المساواة الاجتماعية، وفضيحة مدوية في دولة تعد من أغنى دول العالم.
- فقر المسنين والمسنات ليس حالة فردية وإنما ظاهرة عامة في المجتمع بالإمكان التغلب عليها من خلال تحمل مسؤولية الرعاية سياسيا [تلفزيون HR2]
التعليق:
لعل ذكر بعض أسباب الفقر الحاصل عند المسنات يكشف حقيقة المشكلة ويبين ارتباطها المباشر بالمبدأ بشقيه، الفكرة الكلية والطريقة المنبثقة عنه.
فمن حيث الفكرة فإن المساواة التي تصبو إليها النساء وعملن منذ عقود على تحقيقها لا نجدها في الواقع العملي، وإنما في التنظير حتى اضطر المنظرون إلى استحداث ما يسمى الكوتا.
والمرأة مثلا حسب وصف الكاتبة تضحي بالوظيفة ولا تقدر على الرقي والتنافس في السلم الوظيفي عندما تضطر لترك العمل لأسباب الولادة ورعاية الأطفال أو كبار السن من الوالدين اللذين لا يملكان القدرة على الإنفاق بأنفسهما على الإقامة في دور المسنين، وهي مهمة قلما توكل للأبناء، وإنما للبنات، وهذه التضحية تؤدي إلى تقليل رصيدها من قيمة التقاعد الذي يحسب على أساس سنوات الخدمة ومقدار الراتب الشهري والمبلغ المقتطع للتقاعد.
ومن أسباب فقر المسنات أن النساء لا يحصلن حقيقة على رواتب مساوية للرجال، وما زالت قاعدة التمييز الجنسي قائمة معششة في العقول رغم سنوات المكافحة للحصول عليها، وهذا يعني نقصاً في الراتب وبالتالي عجزاً في مرتب التقاعد.
أما من حيث الطريقة فإن نظام التقاعد المعمول به في أرقى دول أوروبا وأغناها - ألمانيا - قائم على أساس ما يقتطع من رواتب الموظفين والعمال شهريا ليوضع في صندوق يدفع منه للمتقاعدين حاليا، فيلزم بذلك أن يدفع تقريبا ثلاثة موظفين راتبَ متقاعدٍ واحد، ولكن المشكلة تكمن في أن عدد العاملين في تراجع مقابل ازدياد عدد المسنين وذلك نتيجة لنقص التوالد وتراجع نسبة المواليد مقابل ارتفاع عدد المعمرين (المتقاعدين) والذين يكونون عادة بحاجة إلى رعاية صحية وحياتية أكثر من الشباب. إذن سيَعَضُّ القِطّ ذَنَبَهُ ويدور حول نفسه ولا يجد مخرجا. هكذا هو حال المجتمع القائم على أسس النفعية والأنانية وعدم مراعاة الإنسانية سواء من الرجال للنساء أو الأبناء لكبار السن وغير ذلك من فئات المجتمع الطبقي!
فلنقارن هذا الوضع مع نظرة الإسلام إلى المرأة على أنها عرض يجب أن يصان وأنها أمٌّ أو أخت أو زوجة، وأن نفقتها تقع على الزوج أو الأب أو الابن أو الأخ، فهي غير ملزمة بالعمل للحصول على قوتها أو تقاعدها أو تكاليف رعايتها، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي.
ومن ناحية أخرى نجد نظرة الإسلام إلى الوالدين، حيث جعل رعايتهما سببا لدخول الجنة وإهمالهما سببا لدخول النار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ r، قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ»، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدهُمَا أَوْ كِلَيْهمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ». (صحيح مسلم)
ففي نظام النفقات في الإسلام لا يمكن أن يعيش المسن في ضيق وحرج، فقد كفل الإسلام المسنين، عن طريق رعاية الأسرة للأبوين والجدّين، ورعاية أهل الحي للمسنين من الجيران، والمسؤولية في تأمين الحاجات الضرورية، والرعاية تقع في الدرجة الأولى على الدولة.
وقد اشتهر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مرَّ بباب قوم، ووجد عليه سائلا يسأل، وكان شيخاً كبيراً ضريراً، وعلم منه أنه يهودي، فقال له: فما ألجأك إلى ما أرى؟ فقال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده، وأرسل إلى خازن بيت المال انظر هذا: فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن أمثاله. وهذا مثال حي على ما يقدمه الإسلام للمسنين ورحمته بهم.
فلنرجع إذن إلى ديننا الذي نستقى منه معالجات الحياة الاجتماعية والرعاية الفردية لكل فرد من أفراد الرعية، ولن يكون ذلك إلا بتطبيق شريعة الله وإحياء دينه في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وأختم بقوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.
فالحمد لله على نعمة الإسلام ونعوذ بالله من الضلال والانحراف عن نهجه سبحانه وتعالى بأخذ القيم والأفكار الغربية الغريبة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة – ألمانيا
وسائط
1 تعليق
-
بوركتم وجزيتم خيرا