- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة لبنان وتأليف حكومته
إيران تتمسك بنفوذها رغم كل التحديات وحزبها يتصلب تبعاً لذلك
الخبر:
نقلاً عن مصادر كثيرة، أعلن مصطفى أديب المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية أمس الجمعة أنه وضع الرئيس ميشال عون بأجواء استشاراته للكتل السياسية، وقال إنه اتفق معه على لقاء صباح اليوم التالي السبت، أي اليوم. وبعد اللقاء المحدد صباح هذا اليوم، أعلن أديب اعتذاره عن متابعة مهمة تشكيل الحكومة.
التعليق:
لقد جاء تكليف مصطفى أديب بتأليف الحكومة في مبادرة فرنسية طرحها الرئيسي ماكرون بقوة، وهدد بعقوبات ومصير صعب للبنان إذا لم يتم تنفيذ مبادرته وتوجيهاته. وقد تحدث آنذاك بفوقية توحي بعَظَمةٍ متميِّزة، فأعطى الأطراف اللبنانية مهلة 15 يوماً ليتفقوا على الحكومة تبدأ من 31 آب، وإلا فإن لبنان سيكون في خطر وجودي. وكان المطروح أن تأليف هذه الحكومة سيكون من اختصاصيين لا ينتمون إلى الكتل السياسية الحاكمة أو المتنفِّذة، وأنه لن يخضع لأي شروط منهم أو إلزامات. وقد لقيت هذه المبادرة تأييداً داخلياً واسعاً من كل الأطراف، بما في ذلك الرئيس عون وتياره (التيار الوطني الحر)، ومن الثنائي الشيعي أيضاً: حزب إيران اللبناني وحركة أمل، اللذين أبديا ارتياحاً كبيراً للمبادرة الفرنسية ولشخص المكلف، وهذا ما أشاع أجواء تفاؤل لدى المعارضة.
إلا أن المهلة انتهت من غير أي تقدم، وعادت أجواء التشاؤم والفشل لتظهر بشكلٍ أقوى، إذ إن الثنائي المذكور تمسك بشروط غير مستساغة في تشكيل حكومات لبنان، فتمسك بوزارة المالية، وبأن يسمي هو الوزراء الشيعة، ولم يلتزم ما كان أبداه بشأن هذه المبادرة وهذه الحكومة. وظهر هذا الأمر بوضوح، وتبيّن أن الثنائي الشيعي، وحزب إيران بشكل خاص يهدر الوقت، وأنه متمسك بما هو عليه من نفوذ في لبنان. ويرجع هذا الموقف المتصلب في الحقيقة إلى موقف إيران وتوجيهاتها إلى حزبها في لبنان. وقد أدى هذا التصلب إلى تسريبات وإشاعات أن أديب سيعتذر عن مهمته، وأن هذا الأمر ستكون له تداعيات خطيرة، فأعلن ماكرون عن تمديد المهلة. وكان من آثار ذلك شعور عام بضعف التأثير الفرنسي، وأن العنجهية التي دخل بها ماكرون كانت تمثيلاً أكثر مما هي حقيقة. يضاف إلى ذلك أن فرنسا رضيت بالتراجع عن أهم ما في مبادرتها، وقامت بإخراج ذلك عبر مبادرة مزعومة من سعد الحريري يعلن فيها عن قبول إعطاء وزارة المالية للثنائي الشيعي، إضافة إلى إمكان حصول تنازلات له حول تسمية الوزراء الشيعة. وهذا أيضاً يدل على تصلب حزب إيران، أي على موقف إيران.
ولقد أدى هذا الأمر، وبخاصة رفض شروط الثنائي الشيعي، إلى سجالات وتسريبات تتحدث عن منصب رئيس الجمهورية وعن حصره بالموارنة، ما يشكل تهديداً للنظام اللبناني الطائفي ولامتيازات النصارى. وهذا ما أثار نصارى لبنان وفي مقدمتهم البطرك بطرس الراعي، فظهرت عندهم تلويحات بأنه إذا كان سيحصل المساس بامتيازاتهم، وإذا كان حزب إيران سيظل على سلاحه ونفوذه، فهم يفضلون تقسيم لبنان. وأسفروا بكلام واضح واستفزازي في ذلك. فرفع أنصار حزب إيران من وتيرة التحدي وقوة التصلب وردوا بقوة. وتخلل ذلك عقد مؤتمر صحفي لميشال عون دلّ على خطورة هذا الوضع على لبنان الذي يراه النصارى أو يريدونه، ودلّ على المأزق الذي يجد ميشال عون نفسه فيه، ما جعله يقول إن لبنان في هذه الأوضاع قد يكون ذاهباً إلى جهنم.
وقد كان هذا سبباً لتأجيل اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة، وإلى صمت أو تلبُّك معظم الأطراف إزاء ذلك بما في ذلك فرنسا، وتبيّن أن تأليف الحكومة وتحديد وزرائها تحُول دونه مصاعب كثيرة، هي بمثابة ثوابت متناقضة عند الأطراف أو الكتل المعنية. وهو ما أدى إلى الاعتذار أو إعلان الفشل المتوقع في تأليف الحكومة. وهو ما يؤكد أن إيران وحزبها وحركة أمل ورئيس الجمهورية وتياره كانوا من البداية يراوغون ويمطمطون تضييعاً للوقت. وواقع الحال في لبنان أنه حتى لو تراجع أديب عن اعتذاره هذا، أو حتى لو تشكلت حكومة بحسب المبادرة الفرنسية، فسيظل الأمر عند إيران وأدواتها إهداراً للوقت، إذ إنّ إسقاطهم للحكومة ممكن في أي وقت.
إنّ أهمّ أسباب هذا التأزم وأخطاره على لبنان هي سياسة أمريكا تجاه إيران، وهي تحجيمها عسكرياً، وتحجيم نفوذها وأذرعها في المنطقة، وبخاصةٍ في العراق ولبنان. وهو ما عاندته إيران وما زالت تواجهه رغم العقوبات الأمريكية المتصاعدة عليها، والتي تأمل ضعف مفعولها قريباً. وأما مراوغة حزبها في لبنان وإهداره الوقت، فالمتوقع استمراره إلى موعد الانتخابات الأمريكية، حيث إن إيران تراهن على خسارة ترامب، وعلى فوز جو بايدن الديمقراطي، والذي ربما ستختلف سياسته تجاه إيران عن سياسة ترامب، بشكل يخفف الضغوط عليها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي