الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
أمريكا: رئيس جديد وليس جديد رئيس!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أمريكا: رئيس جديد وليس جديد رئيس!

 

 

 

الخبر:

 

تكتمل يوم الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر انتخابات الرئاسة الأمريكية لتفرز اللعبة الديمقراطية أحد فرسي رهان...

 

التعليق:

 

دأبت أمريكا منذ تأسيسها على ترسيخ فكرة تداول السلطة وانتخابات رئاسية كل 4 سنين، مع إمكانية الرئيس الحالي أن يفوز لمرة ثانية دون التكرار، ليكون مجموع الفترة الرئاسية لأي رئيس لا تتجاوز 8 سنين. وخلال القرنين الماضيين تمحور التنافس على منصب الرئيس حول حزبين رئيسين الجمهوري والديمقراطي. وجعل مؤسسو الدولة الفيدرالية الأمريكية الرأي الحاسم لفوز أحد المرشحين لمجموعة من الأشخاص في كل ولاية يطلق عليهم اسم مندوبي الأصوات Electoral Votes. وكأنهم أرادوا أن يكون هناك ضابط فوق صوت الجمهور ليتم اختيار الرئيس على غير قياس رأي الجمهور. كما تشكلت خلال مسيرة الاتحاد الفيدرالي الطويلة فئات مختلفة ذات مصالح قوية في الدولة، تطورت إلى مجموعات ضغط، ثم إلى دولة عميقة تسير أعمال الدولة من خلال رئيس ينتخبه الناس. والدولة العميقة هذه تشكلت من مجموعات وأفراد تتناقض مصالحهم وتتضارب أكثر مما تتلاقى وتتواءم، ولكنها تمكنت من إيجاد آليات محددة لتوزيع المصالح والمنافع بحيث يصل كل فئة ما يناسبها أو يناسب نفوذها. وأبرز هذه الآليات مجلس الشؤون الخارجية الذي تشكل عام 1921 ليكون أداة الدولة العميقة القوية، ومجلس كارتيل النفط والذي يضم شركات النفط الكبرى.

 

وعلى ذلك فقد أصبحت انتخابات أمريكا منذ زمن بعيد لا تؤثر في مسيرة السياسة الأمريكية بشكل كبير، وإن كانت تعتبر مناسبة مهمة لتغيير الأساليب والوسائل التي تستخدم لتنفيذ الاستراتيجيات وتحقيق الغايات والأهداف. وقد حرصت مؤسسات الدولة العميقة على أن لا يكون الرئيس المنتخب من ذوي المصالح الكبرى والتي قد تؤدي إلى تغليب مصالحه على مصالح المتنفذين. ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا عائلة بوش التي تملك مصالح كبرى في صناعة النفط.

 

أما ترامب فهو وإن كان من أصحاب المصالح، ألا أن مصالحه ليست من المصالح الرئيسة في الاقتصاد الأمريكي فهو ليس جزءاً من الدولة العميقة ولا علاقة له بها، إنما هو منفذ كغيره من الرؤساء التنفيذيين. ومثله في ذلك بايدن ومن قبله أوباما وكلينتون. ولذلك فإن مجريات الانتخابات في أمريكا تجري بالطريقة الطبيعية دون تحيز لواحد ضد الآخر، وإن كان ترامب حاول أن يظهر أن خسارته في الانتخابات إن حصلت فسوف تكون بسبب تخلي الدولة العميقة عنه. من هنا فإننا نستطيع أن نفهم كثرة حديث ترامب عن الانتعاش الاقتصادي وزيادة الثروة وتشجيعه للبنك الفيدرالي أن يصدر عدة تريليونات من الدولارات والتي تفيد جيوب كبار المتنفذين وأصحاب المصالح الكبرى.

 

والذي نريده من هذا الحديث اليوم، ليس ترجيح من يفوز أو يخسر، ولا من هو أقدر على رسم الخطط والسياسات، فكل هذه يتم ترتيبها بغض النظر عن الفائز. ولكن ما نريد أن يفهمه الناس عامة والمسلمون خاصة، هو أن الديمقراطية التي طالما سوقها الغرب إلى العالم ما هي إلا خدعة كبرى ووهم خالص ليست أقل من خدعة الرأسمالية ووهم المال. فلطالما قالوا إن الديمقراطية هي حكم الشعب، وأن الشعب بمجموعه يحكم نفسه من خلال مجالس تشريعية ينتخبها الناس، وأن من ينفذ الحكم هو الشعب من خلال من ينتخبه من الرؤساء. وقد أصبح ماثلا للعيان أن من ينتخبه الشعب هو واحد ممن تقدمهم الدولة العميقة وأصحاب المصالح الكبرى في حلبة أشبه ما تكون بحلبة سباق الخيل أو قل الكلاب. فيتسابق الناس على المراهنة على أحدهم ليفوز في السباق، وليس للناس في نهاية المطاف أي شأن في هذا ولا ذاك. وكذلك انتخاب مجالس النواب لا تختلف عن انتخابات الرئيس بأي شكل، فهي لا تستطيع تشريع قانون ولا إصدار أي تشريع يتعارض بأي شكل مع مصالح الفئة الأقوى في الدولة. ومن هنا كانت الديمقراطية هي وهم لا حقيقة. فليس صحيحا أن الناس هم من يحكمون أنفسهم أو يشرعون لأنفسهم، بل إن الناس في الدولة الديمقراطية كالولايات المتحدة هم من يعطون الثقة لمجموعة من الأفراد يتم تقديمهم من قبل مؤسسات وأدوات الحكومة العميقة ليشرعوا ويصدروا من الأحكام والقوانين ما يحمي مصالح الكبار ويمكنهم من نهب الثروات وحصد الأموال واستعباد الشعب نفسه الذي لم يأل جهدا في إعطاء ثقته. وبالطريقة نفسها فإن الناس يلهثون في ماراثون الانتخابات الرئاسية ليوصلوا للبيت الأبيض الشخص نفسه الذي قدمته أدوات الدولة العميقة، لينفذ ما يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم في داخل الدولة أو خارجها.

 

فالديمقراطية هي مجرد وهم وليست حقيقة، وإن كان هذا الواقع أصبح ملموسا لدى كثير من الشعوب، إلا أنها لا ترى أو لا تملك بديلا عن هذا الوهم البراق. وهذا خلاف ما عليه المسلمون، الذين يملكون الحقيقة الكاملة التي ليس فيها مراء ولا يعتريها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. فالمسلمون يؤمنون بالله عز وجل الذي خاطبهم وقال لهم بصريح العبارة إن قضية الحكم والتشريع قد حسمت وأنه ليس لأحد من البشر حق في حكم غيره والتشريع لغيره، لأنه بذلك يكون قد نقض أهم عروة من عرى الإيمان وهي مطلق العبودية والدينونة لله. فالله تعالى يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾. ويقول سبحانه: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾...

 

وهكذا في عشرات الآيات والأحاديث تظهر حقيقة الإسلام مقابل وهم الديمقراطية التي هي لا تعدو أن تكون سرابا يحسبه الظمآن ماء فإذا جاءه لم يجده شيئا!

 

فلو لم يكن في انتخابات أمريكا اليوم درس إلا إدراك وهمها وتهافتها مع ديمقراطية تقدس مصالح المتنفذين أمام عظمة الإسلام وتقديس الخالق لكفت. ولعل العبرة العظمى خلال هذه الانتخابات هي ضرورة حث الخطا وتغذية السير لنقدم للعالم البديل الأعظم عن الأقل شأنا والأكثر انحطاطا ليعود الإسلام بنظامه ودولته وعظمته ونوره يبدد ظلمات الديمقراطية والرأسمالية.

 

﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. محمد جيلاني

آخر تعديل علىالإثنين, 26 تشرين الأول/أكتوبر 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع