- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أي مصلحة تتحدثون أيها الواهمون؟
الخبر:
أكد الدكتور الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية السودانية ورئيس حركة جيش تحرير السودان أن مصلحة السودان تعلو فوق كل المصالح، وأشار في حواره مع وكالة السودان للأنباء إلى تأييده لأي اتجاه يصب في مصلحة تقدم البلد وتطوره خاصة في إقامة علاقات مع الدول أو المؤسسات الخارجية مرحباً في هذا الصدد بعملية التطبيع مع (إسرائيل) إن كان يفضي إلى ما هو خير في مصلحة السودان لافتاً إلى تطبيع عدد من الدول مع (إسرائيل) لمصلحة اقتصادهم وأمنهم مردفاً بالقول "السودان ليس استثناء من تلك الدول". (وكالة السودان للأنباء 2020/12/2م).
التعليق:
لا بد للإنسان وهو يحيا في هذه الدنيا أن يكون له مرجع يعود إليه ومقياس ينضبط به وينقاد له ثم يحدد موقفه تجاه الأشياء والأعمال قبل أن يقدم عليها، ثم بعد ذلك ما يراه خيراً يقدم عليه وما يراه شراً يحجم عنه. فهل تطبيع العلاقات مع كيان يهود قيس بمقياس صحيح؟
أولاً: إصدار الأحكام المسبقة على عملية التطبيع مع كيان يهود دون ترو ودون استقاء العبر ممن سبق لهذا المنحدر الذي يهوي إلى مكان سحيق وتوهم المصلحة من توثيق العلاقات مع اليهود أمر غير مستغرب بل هو أمر طبيعي لرئيس الحركة الثورية، فقد تأسست هذه الحركات المسلحة من دعم اليهود والنصارى الحاقدين على الإسلام والمسلمين وكانت معولاً وأداة في يد الداعمين ورهن إشارتهم، فمقياس المصلحة عندهم هو إملاءات وليس مصلحة. وقد ولغت الجبهة الثورية في الدم الحرام داخل وخارج السودان كمرتزقة في ليبيا واليمن، فمن اتصف بهذه الصفات لا يمكن أن يرى التطبيع مع كيان يهود وفق مقاييس الإسلام بل بمقاييس المصلحة الشخصية، والمصلحة بهكذا فهم هي من أخطر الأفكار التي استطاع أن يبثها الغرب الرأسمالي بين المسلمين؛ فهي مصلحة يحددها البشر مع عجزه ونقصه واحتياجه، وهي مقياس الأعمال عند الغرب وعليها قام المبدأ الرأسمالي وهي المفهوم البارز في النظام وفي الحضارة الغربية، ولهذا كانت الحضارة الغربية حضارة نفعية بحتة لا تقيم لغير المنفعة أي وزن ولا تعترف إلا بالنفعية وتجعلها هي المقياس للأعمال، وعليه فالغرب يدعي أن الإنسان أدرى وأعلم بمصالحه وبكيفية تحقيقها لأن التشريع للإنسان أي للطاغوت، فالهوى هو المشرع وهو المحدد للمصالح والمسير للسلوك الإنساني فكيف يقبل بتلك الضلالة عاقل؟! إن هذه النظرة الخاطئة للمصلحة تؤدي إلى إحداث الغموض والإبهام والتذبذب في الولاء.
إن من يحدد المصلحة هو الوحي وحده لأنه هو الذي جاء بالمصلحة ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، وهو الذي يحدد هذه المصلحة وكيف يمكن الحصول عليها، أما أن يترك تقريرها للعقل البشري فسيشكل أمر تقرير المصلحة الحقيقية؛ لأن العقل محدود فهو لا يستطيع أن يحيط بكنه الإنسان وحقيقته ومصالحه ومفاسده، فلا يستطيع أن يقرر ما هو مصلحة للإنسان أو مفسدة، ولا يدرك حقيقة الإنسان إلا خالقه. ولقد كفانا الله شر القتال بشرعه الحنيف الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأن الله تعالى خلقنا ويعلم عجزنا وقصورنا وتسرب الظن إلى حكمنا على الأشياء لم يترك لنا تحديد ما يصلح وما يضر. وعدم الإحاطة بالوجود تجعل الحكم على الشيء من البشر مصلحة اليوم ثم يتبين له أن الشيء نفسه مفسدة وقد يحصل ذلك بالنسبة للمفسدة، فيقول عن الشيء إنّه مفسدة اليوم ثم يتبين له غداً أنه مصلحة فيصبح الشيء الواحد مصلحة ومفسدة، وهذا لا يجوز ولا يكون؛ إذ الشيء إما مصلحة وإما مفسدة للحالة الواحدة، وإلا تصبح المصلحة مصلحة اعتبارية لا مصلحة حقيقية.
إن اتفاقيات التطبيع تتيح لكيان يهود الدخول والسيطرة الكاملة واختراق المجتمعات وبث بذور الفتنة والانقسام بداخلها، لأن منطلقات يهود في بناء علاقاته مع أي دولة تكمن في زيادة نفوذه واختراق العالم الإسلامي ومحاصرته وفق نظرية بن غوريون منذ خمسينات القرن الماضي، وتكفي الإشارة لتجربة أربعين عاماً من مسار التسوية والمعاهدات بين دول عربية وكيان يهود لم تحقق السلام والاستقرار في المنطقة ولم تحقق مصالح. والتطبيع بهذه الدوافع سيجعل السودان تحت (رحمة!) أخبث خلق الله اليهود فيكون الدواء داء والهبات يدس فيها المرض، فاليهود لا يعطون لله بل ما دخلوا بلداً إلا أفسدوها ودمروها وجعلوا أهلها تحت (رحمتهم!). فلا يحقق مصلحة المسلمين إلا شرع الله الذي تقيمه دولة الخلافة الراشدة وتقطع دابر اليهود وأشياعهم، وعليه فلا يستطيع أن يقرر بشر كائناً من كان ما هو مصلحة أو مفسدة للناس على وجه التحقق إلا خالق الإنسان وهو الله سبحانه وتعالى، فما علينا إلا اتباع ما أمر به؛ فطاعة الله ورسوله أنفع لنا، فقد جاء في مسند الإمام أحمد، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا نُحَاقِلُ بِالْأَرْضِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِي فَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعاً وَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا وَكَرِهَ كِرَاءَهَا وَمَا سِوَى ذَلِك فطاعة الله ورسوله أنفع» فرحم الله صحابة رسول الله ﷺ؛ لقد كانوا يعتبرون طاعة الله هي الأنفع والأولى في كل حال، فقد كانوا يرون أن كراء الأرض وهي عبارة عن تأجير الأرض للزارعة فقط، لقد كانوا يرونها نافعة وخيراً لما تجلب لهم من منفعة، ولكن لما أتى الله بتحريمها عدلوا عن رأيهم وعدوا أن طاعة الله أنفع وأولى. لقد حق لهؤلاء أن يكونوا سادة الدنيا وسادتنا. فالمنفعة ليست فيما يقرره العقل بل المنفعة الحقيقية هي في طاعة الله ورسوله بالتقيد بالأحكام الشرعية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)