- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
رحمة الله على شهداء طنجة
الخبر:
فجع الكل بحادثة الأمس في طنجة 2021/02/08 والتي أدت إلى وفاة ما لا يقل عن 25 شخصاً في غرق مصنع سري للنسيج بمياه الأمطار.
التعليق:
نحتسب هذه الوفيات عند الله من الشهداء لقول رسول الله ﷺ: «ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟» قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: «إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذاً لَقَلِيلٌ»، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: «مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ»، قالَ ابنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أبِيكَ في هذا الحَديثِ أنَّه قالَ: «والْغَرِيقُ شَهِيدٌ». [صحيح، النسائي].
فالغرقى شهداء بإذن الله، نسأل الله أن يتقبلهم ويلهم أهاليهم الصبر والسلوان.
وإنه رغم إيماننا بأن الموت والحياة بأجل الله وحده، وأنه من جاء أجله فلا يملك أن يقدم أو أن يؤخر ولو لثانية، إلا أننا نوجه أصابع الاتهام إلى السلطات التي سكتت على الظروف التي كان يشتغل فيها عمال هذا المصنع. فقد كان عددهم يفوق المائة يشتغلون في قبو تحت الأرض يفتقر إلى تجهيزات السلامة، والدليل هو هذا الذي وقع.
وإننا لنستغرب كيف يوصف هذا المعمل بالسري مع أنه يستهلك تيارا كهربائيا عاليا ويشتغل فيه أكثر من مائة شخص ولمدة سنوات، ولو أن ربع هذا العدد اجتمعوا ليقرؤوا القرآن أو يتدارسوا كتبا شرعية، لحاصرهم المخبرون وأجهزة الأمن قبل أن يقوموا من مقامهم. هذا ليعلم الناس ما هي أولويات الأجهزة الأمنية، وأنها موجهة بالأساس لمحاربة الدعوة إلى الله، وليس لحفظ الأمن أو ردع المستهترين بسلامة الناس.
إن لأهالي هؤلاء الشهداء حقَّ الدية التي فرضها الله في القتل الخطأ، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا﴾ [سورة النساء: 92]، يدفعها صاحب المعمل والسلطات التي سكتت عن هذا التقصير فكانت شريكاً له في الجريمة، ومقدار الدية كما جاء في النصوص وكتب الفقه، مائة من الإبل أو ألف دينار ذهبية (4.25 كلغ ذهباً)، وعلماً أن سعر غرام الذهب هذه الأيام حوالي 320 درهما للغرام، فيكون مبلغ الدية عن كل شخص 1.36 مليون درهم. فإن عجز صاحب المعمل وعاقلته (عشيرته) عن دفع نصيبهم من الدية لزم ما بقي في عنق الدولة، قال علي رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن مات من زحام يوم الجمعة أو في الطواف: "يا أمير المؤمنين، لا يُطلُّ دم امرئٍ مسلمٍ، إن علمت قاتله، وإلا فَأَعْطِهِ ديته من بيت المال".
إن هذا الحادث الأليم يؤكد مرة أخرى أن هذه الدولة هي أبعد ما تكون عن دولة الرعاية التي تسهر على أبنائها وتحفظهم وتذود عنهم، وأنها لا تحسن إلا الجباية وتكميم أفواه الناس ومنعهم أن يرفعوا أصواتهم تنديداً بالظلم والفساد.
إن السكوت عن هذه الدولة والرضا بظلمها يسوقنا من مصيبة إلى أخرى ومن انتكاسة إلى أخرى، وإن طلب السلامة في الإعراض عن محاسبتها والانشغال بطلب الرزق كفاً لأذاها، لا يضمن السلامة أبداً، وهذه أكفان الموتى تُساق أمامنا قد بلغوا آجالهم وهم في أعمالهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا يمنعنَّ أحدَكم هيبةُ الناس أن يصدع بالحق ويأخذ على يد الظالم، فإن ذلك لا يُقرِّب أجلاً ولا يباعد رزقاً، وإنما يفتح باباً من الأجر يجعل صاحبه على درب سيد الشهداء بإذن الله.
إن ما نعيشه اليوم هو عين الضنك الذي توعَّد الله به المُعرضين عن دينه، وإن الفرج كل الفرج في العودة إلى شرع ربنا وإقامة الدولة، دولة الخلافة، التي فرضها علينا فتقيم العدل وتقسم بالسوية، وتحفظ كبيرنا وتحنو على مريضنا وتحجز القوي من أن يعتدي على الضعيف.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
خالد رضوان