- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الفساد كامن منذ أن ضيع حكم من أحكام الله، وظاهر لَمّا تهاون الإنسان بمعاصيه
الخبر:
بدخول عام 2021، غطت الفيضانات عدداً من المناطق في إندونيسيا وأدت إلى غرق منازل السكان بالمياه، واقتضت إخلاء السكان. وقد توسعت كارثة الفيضانات في المناطق التي لم يسبق فيها حدوث هذه الكارثة حيث حصلت في مدينة ديماك في جاوى الوسطى، ومدينة تانجونج بينانج في جزيرة ريياو، ومدينة باندونج في جاوى الغربية، ومدينة إندرامايو في جاوى الغربية، ومدينة كارسيك في جاوى الشرقية. وقد توغلت هذه الكارثة في أقاصي المناطق حتى وصلت إلى جزيرة كالمانتان لا سيما المناطق الجنوبية. أما في المدن الكبيرة مثل جاكرتا عاصمة إندونيسيا فقد أصبحت كارثة الفيضانات كارثة سنوية. ففي يوم السبت 2021/2/20، غمرت المياه شارع كيمانج رايا في جنوب جاكرتا، والتي وصل ارتفاعها إلى مترين، كما غمرت المياه منطقة سيبينانج ملايو في شرق جاكرتا، التي كانت في السابق خالية من الفيضانات، ووصل ارتفاع المياه من مترين إلى أربعة أمتار صباح اليوم السبت. وقد غمرت الفيضانات ما لا يقل عن 200 منطقة في جاكرتا نهاية الأسبوع الماضي. (كومباس كوم، 2021/2/22).
التعليق:
نعم لقد عمت الكوارث مناطق شتى في إندونيسيا حيث أشارت الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث إلى وقوع 2925 كارثة طبيعية خلال عام 2020. وأصبحت الفيضانات أكبر كارثة طبيعية هذا العام في إندونيسيا.
وخلال الشهر الماضي وقع ما لا يقل عن 227 كارثة حسبما أفادته الوكالة، حيث سجلت ما يصل إلى 148 فيضاناً، و37 انهياراً أرضياً، و31 إعصاراً، وكانت الكوارث الأخرى المسجلة هي 5 موجات مد و5 زلازل. وبسبب هذه الكوارث التي وقعت في كانون الثاني/يناير 2021، تضرر ونزح 1.935.517 شخصاً، ولقي 185 شخصا مصرعهم، وفقد 8 أشخاص، وأصيب 3654 آخرون. وفي الوقت نفسه، كان تأثير الكارثة حوالي 9722 منزلاً متضرراً، بما في ذلك 1567 منزلاً متضرراً بشدة، و7593 منزلاً متضرراً بشكل متوسط و562 منزلاً متضرراً بشكل طفيف. كما تضرر ما مجموعه 85 منشأة عامة، مع تضرر تفاصيل 40 منشأة تعليمية و32 منشأة عبادة و13 منشأة صحية، وتضرر 4 مكاتب وتضرر 25 جسراً بسبب الكارثة. هذه هي البيانات المسجلة عند الوكالة وما لم يسجل قد يكون أكثر من هذا.
وقد أدلى الرئيس جوكو ويدودو (جوكوي) بتصريح حول هذه الكوارث وبخصوص كارثة الفيضانات في جنوب كالمانتان قائلا: "إن الفيضانات الكبيرة التي حدثت في جنوب كاليمانتان نتجت عن هطول الأمطار الغزيرة لمدة 10 أيام متتالية. ونتيجة لذلك، لم يكن نهر باريتو، الذي تبلغ سعته 230 مليون متر مكعب، قادراً على تحمل الفيضان السريع للمياه". وقد تابعه الحكام ورؤساء المناطق بأن سبب الفيضانات هي غزارة الأمطار، فقد أعرب محافظ جاكرتا السيد أنيس باسويدان أن هطول الأمطار الغزيرة صباح السبت كان سبب فيضانات في عدد من المواقع في جاكرتا 2021/2/20: "تتراوح قدرة نظام تصريف المياه في جاكرتا من 50 إلى 100 مليمتر، إذا أمطرت أكثر من 100 مليمتر في اليوم، فستحدث البرك بالتأكيد".
تجاه هذه الكوارث الطبيعية، لا بد أن نتدبر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فإن كل متأمل لها يجد أن الماء أنزله الله سبحانه وتعالى نعمة عظيمة لعباده ينتفعون بها في حياتهم. قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق: 9]، وقال تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: 11]
وعن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر قال: فحسر رسول الله ﷺ ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله ﷺ لم صنعت هذا؟! قال: لأنه حديث عهد بربه. رواه مسلم.
هذه النصوص تدل على أن نزول الماء من السماء نعمة من نعم الله العظيمة، فالماء أنزله الله سبحانه وتعالى ليطهر به عباده من الحدث والخبث، وليطهرهم به من وساوس الشيطان ورجزه وليثبت به قلوبهم وليقويها بالثقة في نصر الله، وليثبت أقدامهم به حتى لا تسوخ في الرمال، وحتى يسهل المشي عليها. وهذا الماء نزله الله سبحانه وتعالى ليكون مباركا كثير المنافع والخيرات للناس والدواب والزروع. لأجل ذلك بين رسول الله أن الماء الذي نزل من السماء حديث العهد بالله سبحانه وتعالى فيستحب أن يقف الإنسان في أول المطر ويخرج رحله ليصيبه، فإذا انقلب نزول الماء من كونه نعمة عظيمة إلى نقمة فظيعة أفسدت البلاد والعباد فلا بد أن يكون هناك أسباب أدت إلى هذه المصائب والفساد. وقد بين القرآن هذه المظاهر بيانا واضحا، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [سورة الروم: 41].
وواضح من هذه الآية أن ظهور الفساد وانتشاره في البر والبحر لا يتم عبثاً أو اعتباطاً، وإنما يتم بسبب إعراض الناس عن طاعة الله تعالى، وارتكابهم للمعاصى. ثم إن المتأمل في هذه الآية يجد أن هذا الفساد كائن حيثما وجدت معصية وانتهكت شريعة الله، ولكن ربما لم يظهر في بداية أمره. وذلك أن الله استعمل لفظ ظهر، والظهور: أن يُبين شيء موجود بالفعل لكنَّا لا نراه، وما دام الله سبحانه قال: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ...﴾ فلا بد أن الفساد كان موجوداً، لكن أصحاب الفساد استطاعوا أن يخفوه ويكتموه إلى أن يتهاونوا بارتكاب المعاصي والظلم فأجلى الله الفساد. وهذا المعنى أشارت إليه الآية في جعل السيئة كَسْباً لا اكتساباً حيث كان الغالب أن لفظ "كسب" للحسنة، و"اكتسب" للسيئة، فيمكن أن نفهم أن ظهور الفساد لم يكن إلا حين صارت السيئة عادة عند هؤلاء الظالمين، وسهلت عليهم حتى صارت أمراً طبيعياً يفعلونه ولا يبالون بجرمهم، لا خوف الله أو رحمة لعباده، كالذين يفعلون الحسنة، بل يتهاونون بارتكابها.
ألا ترى أن هذه الفيضانات قد أظهرت مدى العصيان الذي ارتكبه أهل البلاد حتى تنقلب النعمة إلى النقمة ومدى الظلم الذي مارسه صاحب القوة والسلطة فأصبح أمرا هينا. إن هؤلاء بكل سهولة يقولون إن هذه الكوارث سببها غزارة المطر. نعم، إن المطر أصبحت غزارته عذابا، لماذا...؟ بسبب معصية الله وترك شرائعه سبحانه وتعالى، فكلما ضيعتم حكما من أحكام الله فقد بررتم عذابه سبحانه وتعالى، وكلما تهاونتم بالظلم فقد أحللتم بأسه جل وعلا.
وفوق ذلك فإن سياسة البلاد بالنظام الرأسمالي الذي يتناقض مع الإسلام تماما قد سوغت لأصحاب رؤوس الأموال استغلال ثروات البلاد بكل الطرق ولا يبالون بعاقبة فعلهم. فقط أظهرت البيانات أن توسيع أراضي التعدين ومزارع نخيل الزيت هي سبب مباشر في كوارث الفيضانات في بعض المناطق خاصة ما حصل في كالمانتان الجنوبية، حيث أكد مسؤول الدعوة والحملة البيئية (والهي) السيد جفري راهارجا أن هذه الكوارث تحدث نتيجة تراكم عمليات تطهير الأراضي، حيث يمكن ملاحظة هذه الحقيقة من عبء تراخيص الامتياز التي تصل إلى 50 بالمائة والتي تسيطر عليها مناطق التعدين ومزارع نخيل الزيت، وأوضح أن بين عامي 2009 و2011، كانت هناك زيادة في مساحة المزارع بنسبة 14 في المائة واستمرت في الزيادة في السنوات التالية بنسبة 72 في المائة خلال 5 سنوات. أما بالنسبة للتعدين، فقد زادت فتحات الأراضي بنسبة 13 في المائة في عامين فقط، وأضاف أن مساحة المناجم التي تم افتتاحها في عام 2013 بلغت 54238 هكتاراً. فانظروا مدى جشع الرأسماليين حين أعطي لهم حق استغلال ثروات البلاد، بينما الإسلام قد جعل إدارتها للدولة حسب ما تراه لمصالح الرعية وقضاء حاجاتهم، لا سيما المتعلقة بأموال الملكية العامة كالمعادن. إذا، فإن الفساد كامن منذ أن ضيع شرع الله وحل محله النظام الرأسمالي، وقد ظهر لما تهاون الناس بالظلم والإفساد بما فيه من استغلال لثروات البلاد دون أي مراعاة لتوازن الطبيعية وسلامة البشرية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أدي سوديانا