- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الأداة المالية الجديدة لأردوغان! ما حقيقتها؟ وما نتائجها؟
الخبر:
كشفت وزارة الخزانة والمالية عن طبيعة الأداة المالية التي أعلن عنها الرئيس التركي أردوغان يوم 2021/12/20 والتي تتيح للمودعين تحقيق المستوى نفسه من الأرباح المحتملة من المدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة التركية. وأنها تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية للتقلبات في أسعار الصرف والحصول على العوائد الربوية المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب. وأوضح أنه في نهاية تاريخ سحب الوديعة إذا كانت أرباح المودعين في المصارف بالليرة أكبر من زيادة سعر الصرف فإنهم سيحافظون على أرباحهم، أما في حال كانت أرباح سعر الصرف أكبر فعندئذ سيتم دفع الفرق للمواطن مع إعفائه من الضرائب. وذكر أنه يمكن فتح حسابات الوديعة بآجال 3 و6 و9 و12 شهرا، وتطبيق الحد الأدنى لمعدل الربا من قبل البنك المركزي التركي. وفي حال سحب قيمة الإيداع قبل تاريخ الاستحقاق فإن حساب الوديعة ستيحول إلى حساب جار ويتم إلغاء حق الحصول على الزيادة الربوية" (الأناضول 2021/12/21). وظهر أنه عقب هذا القرار بدأت الليرة ترتفع بسرعة، فهناك شيء غير طبيعي حدث.
التعليق:
يظهر التناقض في أقوال وأفعال أردوغان، فيقول إنه يحارب الربا ومن ثم يدعو الناس لوضع أموالهم ليكسبوا الربا على مدخراتهم في البنك. وهذه العملية لف ودوران على أموال الناس ليضعوها في البنوك، كما فعل سابقا عندما رفع سعر الربا إلى 24% ليضعوا أموالهم في البنوك. وكانت النتيجة أن أهمل الاقتصاد الحقيقي وارتفعت معدلات البطالة. ومن ثم عادت الليرة إلى الهبوط.
فجل همِّ أردوغان هو دفع الديون الخارجية بالعملات الأجنبية حيث تتراكم، أي التخلف عن دفع الديون العاجلة، عدا الديون الآجلة التي تتضاعف بالربا لتحقيق خطته الاقتصادية حسب الفكر الرأسمالي. ولهذا يريد أن يسحب ما لدى الناس من مدخرات بإعلانه عن أداته المالية الجديدة. حيث كشفت بيانات رسمية أن أكثر من نصف الودائع المحلية أصبحت بالنقد الأجنبي والذهب بسبب عدم الثقة بالليرة التركية. فهناك نحو 5 أطنان من الذهب في البيوت أي ما يعادل 280 مليار دولار. ويظن أردوغان أنه بهذه اللعبة سينقذ الاقتصاد التركي، علما أن هذه الأداة ليست جديدة، فقد طبق مثل ذلك في العقود الماضية ولم ينقذ الليرة وتهاوت حتى هبطت إلى مستوى مليون و797 ألف ليرة في نهاية عام 2004 فاتُّخذ قرارا بإزالة ستة أصفار ابتداء من 2005/1/1 فأصبح الدولار يساوي 1,79 ليرة، ولم تستقر طويلا. فمنذ عام 2013 بدأت قيمة الليرة تسقط بسبب المديونية الضخمة التي تبلغ بلغت نحو 448,4 مليار دولار، وأن أصل الدين هو 262,1 مليار دولار، وقد تضاعف بالربا بجانب دفع التأمينات على الديون. وبلغت الديون العاجلة التي يتطلب على تركيا أداؤها خلال عام واحد نحو 168,7 مليار دولار. حيث يظهر العجز عن دفع الديون العاجلة شهريا بمعدل 9 مليار دولار.
إن ما حدث مؤخرا من ارتفاع للعملة ليس حقيقيا وإنما هو خدعة، ففي الأيام الثلاثة الأولى من هذا الأسبوع فحسب انخفض صافي الاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي 8,5 مليار دولار وفقا لحسابات 3 مصرفيين تحدثوا إلى وكالة رويترز يوم الجمعة 2021/12/24 وأضافوا أن تراجع الاحتياطات في كانون الأول/ديسمبر بلغ قرابة 18 مليار دولار. ونقلت عن 4 مصادر مطلعة منها مسؤول تركي كبير يوم الخميس 2021/12/23 أن بنوكا حكومية باعت الدولار بكثافة هذا الأسبوع في أعقاب إعلان أردوغان خطته. ولم يُقبل الأتراك على بيع الدولار يومي الاثنين والثلاثاء وفق ما أظهرته بيانات رسمية ما يشير إلى أنهم لم يكن لهم دور يذكر في مكاسب السوق الهائلة. وأظهرت تقديرات لمتعاملين أن تدخل الدولة في السوق كلف البنك المركزي أكثر من 8 مليار دولار هذا الأسبوع. وقالت 4 مصادر للوكالة إن البنوك التركية وهي بنك الزراعة وبنك الوقف وبنك الخلق باعت بإفراط هذا الأسبوع دولارات لدعم الليرة. فتراجعت احيتاطات البنك المركزي وفقا لبيانات رسمية وأحد المتعاملين الذي أخبر الوكالة بأنها تراجعت 6 مليارات دولار يومي الاثنين والثلاثاء فقط. وقال مصدر حكومي للوكالة إن تدخلات البنوك الحكومية في يومي الاثنين والثلاثاء بلغت إجمالا 3 مليارات دولار بينما قال مصدران آخران إن التدخلات كانت كثيفة وممتدة نحو نهاية الأسبوع.
إذن لم يتحسن الاقتصاد التركي فجأة حتى يتحسن وضع الليرة بشكل حقيقي، ولم يضع الناس ما لديهم من مدخرات في البنوك ليرابوا بها كما طلب منهم رئيسهم أردوغان. فكان هناك ضخ مليارات من الدولارات في الأسواق من قبل بنوك حكومية حتى تعود الليرة إلى مستواها الهابط قبل شهر تشرين الأول. وضخ الأموال من الحكومة علاج مؤقت وسرعان ما تعود الليرة للهبوط، لأنه لم تأت أموال جديدة بل نرى أن البنك المركزي قد هبط ما لديه من مدخرات بالعملات الأجنبية بشكل كبير. فهذه الأموال كان من الواجب دفعها لسداد الديون ولكنها ضخت في السوق لتعود مرة ثانية للبنوك حتى تسدد الديون الخارجية لتنقذ الليرة مؤقتا ولتشجع الناس على وضع مدخراتهم في البنوك، فهي حلقة مفرغة يدور فيها النظام التركي. وليس من المحتمل أن يضع كثير من الناس مدخراتهم في البنوك لعدم الثقة في هذه الإجراءات. وهذه تشبه ما حصل سابقا عندما رفعت قيمة الربا إلى 24% فوضعت وزارات مليارات الدولارات في البنوك لكسب الفائدة الربوية ولتشجيع الناس على وضع مدخراتهم بالليرة ويبيعوا ما لديهم من عملات أجنبية وذهب.
ويظهر أن تخفيض قيمة الفائدة الربوية من 24% إلى 14% خلال الأشهر الماضية كان لتطبيق هذه الخطة، حتى يضع الناس أموالهم في البنوك ليكسبوا عليها فائدة ربوية أقل من السابق. حيث إن تلك النسبة الربوية خسّرت الدولة كثيرا ولم تعالج المشكلة وحدت من نشاط الاقتصاد الحقيقي.
وهكذا يظهر أن أردوغان ليس حريصا على خفض مقدار الربا لأنه حرام ويريد بالتدريج إلغاءه، إذ إن كثيره وقليله حرام حرمة عظيمة، وهو من الموبقات السبع. وإنما يعمل على سحب ما لدى الناس من مدخرات بالعملات الأجنبية وذهب ليسدد بها الديون المتراكمة، وإلا إذا لم تدفع في أوانها ستبدأ الأطراف الدائنة بالضغط على أردوغان كما حصل مع أجاويد عام 2002 حتى أسقطته. وخاصة أن أغلب هذه الأطراف أوروبية وتتمنى سقوط أردوغان والإتيان بالموالين لأوروبا.
هذا هو النموذج التركي الذي يدّعى أنه ناجح، ولكنه فاشل، نسخة رأسمالية فاسدة محدثة، تغرق البلاد بالديون الربوية، وتعرضها للخطر، فتجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، وتغمسهم بالحرام، وتبعدهم عن دينهم، وتجعل همّ الحاكم فقط هو سداد الديون حتى لا يسقط، فيدمر الاقتصاد، ويهدر أموال الناس، ويتركهم يعانون ضنك العيش، ويخدعهم بكلمات كأنه يريد الإسلام وهكذا دأبه على مدى عشرين عاما. فهل من مدّكر؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور