- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تايوان والاستراتيجية الأمريكية ذات الغموض بين الثبات والإلغاء
الخبر:
زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي تايوان، والتقت فيها رئيسة تايوان تساي إنغ وين وعدداً من المسؤولين البارزين في العاصمة تايبيه، وأكدت خلالها أن أمريكا ثابتة في التزامها تجاه تايوان ولن تتخلى عنها، وقالت إنها ناقشت مع رئيسة تايوان تعميق علاقات البلدين الاقتصادية والأمنية والدفاع عن القيم الديمقراطية المشتركة، وأضافت في تغريدات عبر موقع تويتر أن أمريكا لا تزال ثابتة في التزامها تجاه شعب تايوان ولعقود مقبلة، ثم جاءت زيارة 5 نواب أمريكيين تايوان، وتم لقاء رئيسة تايوان تساي إنغ وين ونواب آخرين، وذلك لإظهار الدعم لتايوان في ظل تصاعد التوترات في مضيق تايوان.
التعليق:
نشأت تايوان ككيان منفصل عن بقية الصين، إثر فرار حكومة حزب الكومينتانغ بعد انهيار سلطتها في البر الرئيسي للصين عام 1949 أمام قوات الحزب الشيوعي، وادعت هذه الفئة أنها تمثل كامل الصين، في حين ادعت حكومة الحزب الشيوعي أنها الممثل الوحيد لكامل التراب الصيني، لذا فمسألة صين واحدة كانت محل اتفاق بين الخصمين مع ادعاء كل منهما أنه الممثل الرسمي والشرعي لكامل التراب الصيني، وبصفة عامة ظلت سياسة الصين الواحدة هي السياسة الرسمية لتايوان حتى بداية التسعينات حيث أكد حزب الكومينتانغ الذي أسس تايوان، على أن كلاً من جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الصين قد اتفقتا على وجود صين واحدة، لكنهما اختلفتا حول ما إذا كانت الصين تمثلها جمهورية الصين الشعبية، أم جمهورية الصين (تايوان).
ولبيان وتجلية الأمور نقول: في عام 1979 ألغت أمريكا برئاسة جيمي كارتر الاعتراف بجمهورية الصين وأقرت بحكومة بكين كممثل وحيد للصين، ومع ذلك رفضت الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الأمريكي). وهذا يعني أن واشنطن لا توافق على مطالبة بكين بالسيادة، ولا تتفق مع تايبيه على أن جمهورية الصين دولة مستقلة وذات سيادة.
وعلى إثر الاعتراف بالصين الشعبية أقر الكونغرس الأمريكي 1979 "قانون العلاقات مع تايوان" الذي نظم العلاقات مع الجزيرة والمصالح الأمنية والتجارية للولايات المتحدة. وحسب وزارة الخارجية الأمريكية فإن تايوان "كدولة ديمقراطية رائدة وقوة تكنولوجية تعد شريكا رئيسيا للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ". وبموجب قانون الكونغرس، يتعين على الولايات المتحدة بيع الإمدادات العسكرية لتايوان لضمان دفاعها عن النفس ضد القوات المسلحة الأكبر حجما في بكين.
إن استراتيجية الغموض مسألة متعمدة من جانب الولايات المتحدة؛ ففي الوقت الذي ترفض فيه عودة تايوان إلى الصين، وهذه حقيقة الأمر في سياستها بعيداً عن الغموض، في الوقت نفسه تستخدم أسلوبا مراوغاً منذ بداية الأمر بالتلاعب بالألفاظ والوقت وقصة صين واحدة التي أضحت واضحة لكل ذي لب، وإلا فما معنى إبرام الاتفاقيات مع تايوان والحديث عن الدفاع عنها ومدها بالسلاح وتهديد الصين في حالة لجأت إلى القوة؟! فهي استطاعت التلاعب بالصين لعشرات السنين في استراتيجية غامضةٍ على جاهل واضحةٍ لعقلية صاحب الحكم؛ من أجل المحافظة على بقاء الأمور كما هي أحسن ساعة.
يقول البروفيسور ستيف غولدستين مدير ورشة الدراسات التايوانية بمركز فيربانك للسياسات الصينية بجامعة هارفارد: إن هذه السياسة "تخلق نوعا من الرادع المزدوج، فكلا الطرفين يحجم عن تعريض الوضع الراهن للخطر من خلال التدخل المحتمل للولايات المتحدة، في حين يشعر بالاطمئنان إلى أن الطرف الآخر لن يحاول تغيير الوضع الراهن من جانب واحد. ومن ثم فإن تايوان تحجم عن قلب الأوضاع لأنها تعلم أنها ستتلقى الدعم في حال تعرضها لهجوم غير مبرر من بر الصين، كما تحجم الصين عن تغيير الوضع الراهن خشية تدخل محتمل من قبل الولايات المتحدة".
ولكن حديث الصين عن اقتراب الضم وعودة الأرض المتمردة للوطن، جعل البعض يظن أن الولايات المتحدة تراجعت عن سياسية الغموض، وهي لا زالت ثابتة عليها نتيجة ضعف العقلية السياسية الصينية والواقعية المقيتة والخوف من تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، وأمريكا تدرك هذا، فقامت أمريكا بتصريحات حادة تجاه الصين والتهديد بالتدخل العسكري ودعم تايوان، سواء أكانت هذه تصريحات من بايدن أو بيلوسي أو أعضاء في الكونغرس أو تصريحات لحلفاء أمريكا في المنطقة مثل رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي الذي كتب مقالاً يذكر فيه أن هذه السياسة تعزز عدم الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال جعل الصين تستهين بجدية رغبة الولايات المتحدة في التدخل العسكري، وجعل تايوان تشعر بالقلق في الوقت ذاته.
ويضيف آبي أن المجتمع الدولي أذعن في النهاية لضم روسيا شبه جزيرة القرم، "رغم اعتداء روسيا على أراضي دولة ذات سيادة هي أوكرانيا"، ويمضي في القول بأنه بالنظر لأن غالبية دول العالم لا تعترف بتايوان كدولة ذات سيادة، فإنه لن يكون مستغرباً أن يعول الزعماء الصينيون على أن يكون العالم أكثر تهاوناً إذا ما قاموا بضم أراض يعتبرونها جزءاً من بلادهم.
وفي الختام فإن سياسة الغموض لا زالت ثابتة وتؤتي أكلها بشكل جيد في ثبات الأمور على ما هي عليه، وهذا بدوره يعكس مدى ضعف الصين تجاه أخطر مسألة تعتبرها مسألة حياة أو موت، وهذا الضعف له آثاره وتبعاته على الصين داخلياً وخارجياً في المنطقة، وفي ثبات سياسة الاحتواء الاستراتيجية الوحيدة تجاه الصين منذ عشرات السنين، وإلا فإن الصين إذا أقدمت على المجازفة وضم تايوان بالقوة ففي هذه الحالة ستلغي أمريكا سياسة الغموض وتقوم بالدفاع عن تايوان مع الحلفاء في المنطقة، وهذا هدف آخر ومطلوب، وهو شكل آخر من استراتيجية الاحتواء بمحاولة جرّ الصين لضم تايوان بالقوة وتفعيل أمريكا لجميع الأوراق والأدوات والعملاء ضد الصين، وهذا واضح، ويبدو أنها تعمل لمحاولة ارتكاب الصين هذا الخطأ من وجهة نظرها، لأنه سيكون أقوى بالرد والتعامل وتفعيل سياسة الاحتواء بكامل أشكالها وأدواتها، أما إن بقيت الصين تطالب وتهدد بالأقوال وعلو الصوت وتكتفي ببعض العقوبات التي لا ترتقي لمسألة تعتبرها مسألة حياة أو موت فإن سياسة الغموض الاستراتيجية باقية وتتمدد.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان