- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
ارتفاع صاروخي لنسب التضخم في تونس: الأسباب والحلول
الخبر:
قال الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية معز حديدان في تصريح لموزاييك يوم الثلاثاء 6 أيلول/سبتمبر 2022 إن نسبة التضخم لشهر آب/أغسطس 2022 التي أعلنها المعهد الوطني للإحصاء والمقدرة بـ8.6 % تعد رقما قياسيا وأعلى نسبة للتضخم تبلغها تونس منذ أيلول/سبتمبر 1991 حيث سجلت آنذاك نسبة تضخم بلغت 8.65%. وحذر حديدان من خطورة تواصل نسق ارتفاع نسبة التضخم منبها من خطورتها على الاقتصاد والقدرة الشرائية للتونسيين. (موازييك)
التعليق:
إن أزمة التضخم هي جزء من الاقتصاد الرأسمالي وسمة من سماته، فإن سياسته النقدية تنبع من أن المال في السوق يجب أن يكون أكثر من السلع والخدمات. فقد ألغت أمريكا نظام التعامل بالذهب في مؤتمر بريتون وودز عام 1944، وهذا هو الاسم الآخر لاتفاقية النقد الدولية، وبموجب هذه الاتفاقية فقد تم تحديد قيمة عملة كل دولة انضمت إلى الاتفاقية ووافقت على جعل عملتها قابلة للتحول إلى الذهب مقابل الدولار، وقد ظل الدولار هو العملة الوحيدة القابلة للتحول إلى الذهب. وفي عام 1971 قامت الولايات المتحدة بإلغاء هذا النظام النقدي الذي جاء به بموجب اتفاقية بريتون وودز لكي يتسنى لها استخدام المال كأداة للاستعمار والتلاعب بالنظام النقدي الدولي بما يتماشى مع مصالحها.
نعم، إن التضخم هو سمة دائمة لهذا النظام الرأسمالي ونتيجة حتمية لتبني الخيار الاقتصادي الليبرالي في تونس، لأن البنك المركزي التونسي يوسّع باستمرار العملة الورقية المتداولة، ويخلق الائتمان من خلال أدوات الدين مقارنة بالسلع والأصول، ومن خلال عمليات طباعة النقود، والاحتياطي المصرفي الجزئي، وتمويل النفقات الزائدة من خلال سندات الخزانة بربا، فهذه الآليات الرأسمالية الدائمة وهذه السياسات الجائرة التي حرّمها الشرع، هي التي تتحد في إحداث فيضان عارم يغرق الناس في دوّامة التضخم التي لا ينهيها تغيير سعر الربا، لا برفعها ولا بخفضها.
لقد أشار الاقتصادي البريطاني الشهير جون مينارد كينز في نظريته العامة إلى هذه المفارقة الصارخة التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي المستند إلى سعر الربا عندما اعتبر أنه كلما كان سعر الربا مرتفعا كانت كلفته باهظة على المستثمرين من حيث ارتفاع كلفة الاقتراض التي تؤدي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وبالتالي ارتفاع الأسعار وتصاعد التضخم. وكلما كان سعر الربا منخفضا أو محدودا أضرّ بالمودعين الذين يأملون في الحصول على عائد مُجْزٍ لودائعهم ومدخراتهم. وبعبارة أخرى، لن ينتهي التخبط والاضطراب والتيه والضلال والتقلّب الناتج عن تغيير سعر الربا، إلا بإعلان الحرب على الرّبا والعودة إلى شريعة رب العالمين.
لذلك فإن الأوبئة العالمية والحروب الإقليمية والدولية التي تتذرع بها الأنظمة الحالية وتعتبرها أسبابا للتضخم، ليست في الحقيقة أسبابا مباشرة، إنما هي بمثابة الأطعمة المحفزة للمرض، والتي ينصح الأطباء بتجنبها كي لا يستشري المرض في جسد المريض، ولكن مصدر التضخم الرئيسي والسبب الأساسي لهذه الحالة الاقتصادية المرضية، هو السياسة النقدية الرأسمالية رأسا. فإذا لم تتم معالجة هذا المرض من جذوره، فسوف يتكرر وبشكل دوري خاصة إذا استمر وجود تلك المحفزات من أوبئة وحروب وغيرها.
لهذا السبب فإن الطريقة المثلى لعلاج مرض التضخم بشكل جذري هو العودة إلى العمل بنظام الذهب والفضة. ولكن من المستحيل بالنسبة لتونس الخاضعة للنظام الرأسمالي العالمي، وكذلك الحكام الضعفاء الذين لا يستطيعون رفض إملاءات صندوق النقد الدولي، أن يطبقوا هذا الحل؛ لأن هذا يعني الخروج عن النظام النقدي العالمي، وحكام تونس لا يجرؤون على فعل هذا. فلا أسيادهم ولا النظام الرأسمالي المعجبون به يسمحون لهم بذلك، بل لا يُسمح لمن يفكر خارج هذه الأطر الفكرية الرأسمالية بالوجود ضمن الوسط السياسي الرسمي، لا في الحكم ولا في المعارضة. وعليه فإنه يُرجّح أن تزيد نسب التضخم مجددا في تونس مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية بما لها من تداعيات على منطقة اليورو التي يرتبط بها اقتصادنا المحلي، خاصة وقد بلغت عمليات طباعة العملات الورقية في ظل الأزمة الحالية مستويات قياسية مع استسهال تمويل الميزانية من طباعة النقود.
فقط دولة الخلافة يمكنها إنهاء التضخم المروع، وسوف تقضي عليه بالنقود النائبة المرتبطة بالذهب وستدفن التضخم إلى غير رجعة بإذن الله. إذا كان حكام تونس بمن فيهم وزراء المالية وخبراؤها الاقتصاديين صادقين في القضاء على التضخم فإن عليهم الإصغاء لحزب التحرير الذي وضع وتبنى سياسات تفصيلية للقضاء على التضخم، والكفر بالنظام الديمقراطي الفاسد والتوقف عن البحث عن حلول للتضخم من خلال حلقة الرأسمالية المفرغة، وأن يدعموا حزب التحرير من أجل التغيير الحقيقي الجاد.
إنّ السياسة الإسلامية الثورية للعملة، في ظل الخلافة القائمة قريبا بإذن الله، هي التي ستقضي على التضخم، ولن تصدر الخلافة سوى العملة المدعومة بالذهب والفضة، وبالتالي ستقضي على التضخم الناجم عن طباعة العملات الورقية التي تعتمد على الأصول والسلع، وسيؤدي إلغاء القروض الربوية إلى القضاء على النظام المصرفي الاحتياطي الجزئي، ما يوجد الاستقرار والانضباط المالي في تحصيل الإيرادات والنفقات، وسيؤدي إلغاء الربا أيضاً إلى تحرير تونس من المدفوعات الربوية بإذن الله، كما ستنهي الخلافة الاحتكار والتكتلات في الواردات، وهذا هو التغيير الوحيد الذي سيضع نهاية للتضخم الذي يكسر ظهور الناس، وقد وضع حزب التحرير بالفعل سياسات مفصلة في هذا الصدد جاهزة للتنفيذ، ويطالب أهل تونس بالتوقف عن تحمل نظام الكفر الديمقراطي والسكوت عن هذه السياسات الرأسمالية الجائرة في حقه، وأن يتقدموا لدعم مشروع الخلافة على منهاج النبوة من أجل إحداث التغيير الحقيقي.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. وسام الأطرش – ولاية تونس