- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
أرض الفاتحين في ظل الإسلام حولتها الرأسمالية إلى أرض المفقودين!
الخبر:
انتشر خبر غرق مركب للهجرة غير النظامية (الحرقة) بتاريخ 9 أيلول/سبتمبر 2022 في سواحل الشابة من ولاية المهدية عبر مواقع عديدة ووسائل إعلام مختلفة، فقد نشر موقع رصد التونسي خبرا بعنوان "تونس تبكي أبناءها؛ صور ضحايا حادث غرق مركب الحراقة أغلبهم من مدن جبنيانة والكتاتنة وبوحجلة".
كما ورد في إذاعة صبرة إف إم خبر بعنوان "ارتفاع عدد المفقودين من بوحجلة إلى 7 في غرق مركب هجرة غير نظامية".
ونشرت إذاعة موزاييك إف إم "غرق مركب هجرة في سواحل الشابة؛ يوم حزين في بوحجلة"
التعليق:
لقد أصبح خبر الغرق ومشهد انتشال الجثث أمرا متكررا بشكل كبير حيث أصبحنا نفقد أبناءنا في حوادث غرق مراكب الحرقة، أو نخسر طاقات شبابنا المتجه نحو أوروبا متأملا في عيش كريم افتقده في بلاده، واللافت للنظر في هذا الموضوع أن استهداف الشباب أمر واضح وأن مناطق بعينها يقع التغرير بأبنائها أكثر من غيرها. والسؤال المطروح هنا: لماذا يصر شباب هذه المناطق على ركوب قوارب الموت وهم يعلمون أن خطر الموت أقرب إليهم من بلوغ فرصة النجاة وأمل العيش الكريم في أوروبا؟!
إن شباب مدينة القيروان بصفة عامة ومنطقة بوحجلة بصفة خاصة قد تعرضوا لحوادث كثيرة من هذا النوع؛ ففي صيف 2021 تعرض عدد من شباب منطقة حاجب العيون للغرق في رحلة مماثلة، ومع هذا فإن أغلب شباب المنطقة يرغبون في خوض التجربة إن سنحت لهم الفرصة، وذلك لما تعانيه منطقتهم من تفقير وتهميش ممنهج ومقصود، لما تزخر به هذه المنطقة من موروث حضاري يجعلها خاضعة لعقوبة مستمرة من هذا النظام الجائر.
إن مدينة القيروان حباها الخالق بثروات متنوعة ولا يحول بينها وبين توفير مورد رزق وعيش كريم لأبنائها إلا هذه العقوبة المسلطة عليها.
فهذه الولاية التي تبلغ مساحتها 6712 كلم مربعاً منها 590 ألف هكتار أراضي فلاحية أي ما يعادل 58% من مجموع مساحتها تنتج الحبوب والزيتون والخضر والأشجار المثمرة، كما تمتلك المنطقة ثروة حيوانية متنوعة من الأغنام والإبل والأبقار، لكن هذه القطاعات تشكو مشاكل جمة أهمها عدم توفير الدولة للموارد من أسمدة وأدوية وخاصة عدم تمكين الفلاحين من الموارد الكافية من المياه للري رغم أن القيروان فيها 3 سدود كبرى وبها 720 بحيرة، لكن قرى كثيرة فيها تعاني العطش وعدم إيجاد الماء الصالح للشرب!
كما أن القيروان بها طاقات بشرية مهمة وأغلب سكانها من الشباب وتقدر نسبة هذه الفئة بـ59.6% لسنة 2014.
وبالإضافة إلى كل هذا فإن المنطقة تحتوي على ثروة بترولية مهمة، فقد صرحت الشركة الكندية ديالاكس منذ 2018 أن الاحتياطي المحتمل من النفط بمنطقة بوحجلة يفوق مليار برميل وهو ما يقدر بسعر السوق آنذاك بأكثر من 100 مليار دولار، وهو ما يمثل 5 أضعاف دين تونس الخارجي و3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل أكثر من 27 سنة من الاستهلاك بمعدل 100 ألف برميل في اليوم، أي أكثر من 3 مليار دولار من العائدات سنويا ولنفس عدد السنوات. ورغم ما يوفره هذا القطاع من يد عاملة إلا أن المنطقة لم تستفد منه، فالدولة لم تكتف بالتفريط في الثروة وحرمان البلد من خيراتها بل بخلت على أهل الأرض حتى بمورد رزق. وهذا ما يجعل منطقة بوحجلة تحديدا مستهدفة من جانب الدولة بالتهميش والتفقير وإهمال الشباب حتى لا يطالبوا بالثروة من جهة، ومن جهة أخرى فإن منطقتهم تعتبر ممرا للفاتحين، إذ مر منها أبو جعفر المنصور وعبر منها المعز لدين الله الفاطمي، منطقة كهذه استقر فيها قادة العالم في الماضي يجب أن ينتزع من أحفادهم الاعتزاز بماضي أجدادهم وعظمة عقيدتهم.
بهذا الشكل يخضع أهل القيروان للحرمان من العيش الكريم ويجبرون على المجازفة للهروب من الظلم والجور في بلادهم وكل ذنبهم أنهم أحفاد عقبة بن نافع، وأن أرضهم كانت ممرا للفاتحين العظام، وأن تاريخها حافل بالفتوحات والانتصارات والأمجاد، وأن أهلها لم يعيشوا عزا إلا زمن عيشهم في ظل دولة إسلامية ما زال عبقها يفوح وملامحها منتصبة بشموخ، يمرون عليها كل يوم لكنهم ممنوعون من أن يستحضروا هذا التاريخ أو يفكروا في استعادة شيء من تلك الأمجاد!
هكذا تحول ممر الفاتحين إلى أرض محروقة في ظل جور الرأسمالية وتحول أحفاد الفاتحين إلى مهجرين ومشردين ومفقودين في عرض البحر!
هذا فقط ما جعل الدولة تنكل بهم، وتلهيهم في البحث عن لقمة العيش وتشغلهم عن التفكير في أسباب الازدهار في الماضي وأسباب الانحطاط والتردي والمذلة في هذا الزمان، فهذا من شأنه أن يكون نقطة تنبه لدى فئة الشباب خاصة، إلى أن السبب الوحيد للازدهار والعيش الكريم هو العيش في ظل حكم الإسلام واقتلاع الاستعمار وعملائه واسترداد الأرض والثروة وبناء دولة عظيمة بعقيدتها ومبدئها تحفظ للإنسان كرامته.
لم يترك الغرب وعملاؤه للمسلمين منفذا يمكن أن ينفذوا منه للوصول إلى سبب نهضتهم، لكن الله غالب على أمره، فقد سخر حملة الدعوة من شباب حزب التحرير لينيروا للمسلمين الدرب وينبهوهم إلى الطريق الوحيد للنهضة ونيل مرضاة الله سبحانه وسعادة الدارين، فها هم يصلون ليلهم بنهارهم ويدعون المسلمين إلى العمل معهم لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، سائلين الله أن يعجل بقيامها.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سهام عروس