الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
في ظلّ الأنظمة العلمانية، يتمُّ تجاهل المعاناة الإنسانية بسبب المسافات السياسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

في ظلّ الأنظمة العلمانية، يتمُّ تجاهل المعاناة الإنسانية بسبب المسافات السياسية

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

في الأسابيع الأخيرة، تعرّضت الحكومة البريطانية لانتقادات بسبب المعاملة غير الإنسانية لطالبي اللّجوء في مراكز الهجرة التابعة لها، والظروف المروّعة التي يتمّ احتجازهم فيها أثناء انتظار معالجتهم بمجرد وصولهم إلى شواطئ البلاد. وتمّ الاحتفاظ بحوالي 4000 شخص في منشأة مانستون في كينت، وهي قاعدة جوية سابقة، والتي ينبغي أن تستوعب 1600 شخص فقط. ووُصفت الظروف في المركز المكتظ بأنها بائسة وشبيهة بالسجن، مع تقارير عن مراحيض قذرة ووجبات باردة وطالبي لجوء ينامون على الورق المقوى بالإضافة إلى تفشي الخناق والجرب وعدوى MRSA بسبب البيئة غير الصّحية. كما كانت هناك صور مروّعة لأطفال خلف أسوار من الأسلاك الشائكة في المركز. دفاعاً عن إخفاق الحكومة في التعامل مع المهاجرين بشكل إنساني، زعمت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، في البرلمان أن هناك غزواً من طالبي اللّجوء على الساحل الجنوبي لإنجلترا وأنّ الحكومة كانت تحاول وقف ذلك. وجاءت تعليقاتها المثيرة للجدل والمثيرة للكراهية بعد يوم من قيام رجل بإلقاء قنابل حارقة على مركز للمهاجرين في دوفر، والتي قالت الشرطة إنها مدفوعة بفكر يميني و"شكل من أشكال الظلم المليء بالكراهية". ووفقاً لصحيفة التايمز، منعت برافرمان أيضاً نقل آلاف المهاجرين إلى الفنادق خلال فترة عملها الأولى كوزيرة داخلية في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس. وسبق أن علقت برافرمان بأنها كانت تحلم برؤية عنوان في صحيفة تلغراف اليمينية عن اللاجئين الذين يتمّ نقلهم جواً على متن طائرة متوجهة إلى رواندا.

 

التعليق:

 

من الواضح أن نهج الحكومة البريطانية في التعامل مع اللاجئين اليائسين، الذين فرّ الكثير منهم من الاضطهاد والحرب، هو محاولة جعل الحياة لا تطاق بالنسبة لهم من أجل الانتقاص من الآخرين عن البحث عن ملاذ في البلاد. لقد تُرك العديد من اللاجئين شهوراً طي النسيان، غير قادرين على البحث عن عمل أو تعليم أو التمتع بحياة طبيعية حتى تتمّ معالجة طلب اللّجوء الخاص بهم، ما يؤثر على صحتهم العقلية. وفقاً لصحيفة الغارديان، فقد ارتفع التأخير في معالجة طلبات اللجوء بنسبة 72٪ خلال عام - "أكثر من الضعف قبل عامين وتضاعف ثلاثة أضعاف الفترة التي سبقت وباء كوفيد - وأن 75٪ من الإجمالي كانوا ينتظرون قراراً بشأن المزيد من ستة أشهر" في حزيران/يونيو، كان 122،213 شخصاً ينتظرون قراراً أولياً بشأن طلب لجوئهم. وذكر العديد من المعلقين أن مثل هذا التراكم الهائل والتأخير في معالجة طلبات اللجوء هذه مدفوع أيديولوجياً ويهدف إلى الحدّ من أعداد الذين يتمّ منحهم الإقامة في البلاد. بريطانيا ليست وحدها التي تصنع جحيماً حياً للاجئين أو تحاول جاهدةً منعهم من دخول أراضيها. إن الظروف الفظيعة في مخيمات اللاجئين في كاليه وبنغلادش وتركيا موثقة جيداً. وتخوض الحكومة النرويجية حالياً معركة دبلوماسية مع إيطاليا حول من يجب أن يتحمل مسؤولية حوالي 1000 لاجئ ومهاجر أنقذتهم سفن المنظمات غير الحكومية في البحر الأبيض المتوسط ​​التي كانت ترفع علمها. وتصرُّ أوسلو على أن تتولى روما مسؤولية الأشخاص الذين تقطّعت بهم السبل قبالة سواحلها.

 

تنظر معظم الدول العلمانية إلى اللاجئين على أنهم عبء على اقتصادها بدلاً من كونهم أصلاً لمجتمعهم؛ لأن مثل هذه الدول تقيس كل شيء من خلال العدسة الرأسمالية للمكسب والخسارة المادية، وليس وفقاً للقيم الإنسانية والأخلاقية مثل الحاجة البشرية. علاوةً على ذلك، فهي تستخدم اللاجئين ككبش فداء، وتلقي بشكل ساخر اللوم في بعض المشاكل الاقتصادية التي تؤثر على سكانها المحليين على المهاجرين الذين يدخلون البلاد. يستخدم السياسيون العلمانيون هؤلاء الأشخاص اليائسين كدروع بشرية وستائر دخان مريحة للمساعدة في صرف الغضب والانتباه العامين عن السياسات والأنظمة الاقتصادية الفاشلة لهذه الدّول التي فشلت في تلبية احتياجات شعوبها وخلق بيئة اقتصادية صحية داخل مجتمعاتها.

 

علاوةً على ذلك، وكما يتّضح من التصريحات التحريضية لوزيرة الداخلية البريطاني، فإن السياسيين العلمانيين لا يتردّدون في تبني خطاب يميني متطرف ولغة غير إنسانية تجاه طالبي اللّجوء، وتصويرهم على أنّهم تهديد للبلاد، بغضّ النظر عن تأجيج الهجمات ضد اللاجئين والعرقيات الصغيرة من السكان الذين يُنظر إليهم على أنهم أجانب بسبب لون بشرتهم أو بلدهم الأصلي. من الواضح أن الهدف هو اللعب على جمهور الناخبين اليمينيين المعادين للأجانب والعنصريين لكسب دعمهم. ليس من المستغرب أن تأتي تعليقات برافرمان في وقت يتأخر فيه حزب المحافظين في استطلاعات الرأي وحيث يوجد غضب شعبي هائل تجاه السقوط المالي المعطّل للقرارات والسياسات الاقتصادية للحكومة. دخلت اللغة التي استخدمها اليمينيون المتطرفون في الاتجاه السائد للسياسة العلمانية، ووظّفها السياسيون لتحقيق مكاسب سياسية. ومن ثمّ، في ظلّ الأنظمة العلمانية، يتمّ استخدام اللاجئين اليائسين كأهداف وأكياس الملاكمة من السياسيين الانتهازيين للفوز بالانتخابات وللمسافات السياسية. نرى في تركيا على سبيل المثال كيف أن الانتقادات اللاذعة السياسية ضد اللاجئين السوريين في البلاد، وإلقاء اللوم عليهم في المساهمة في الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، قد تسارعت مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. فقد أعلن أردوغان، على سبيل المثال، أنه يستعد لإعادة مليون لاجئ إلى سوريا التي مزقتها الحرب.

 

هذه هي الحقيقة الخطيرة والمثيرة للاشمئزاز والقاسية للنظام العلماني، والتي تسمح للحكام باستخدام أولئك الذين عانوا من أفظع القيم والاضطهاد كبيادق للفوز بالألعاب السياسية. هذا ليس نظاماً مناسباً لحكم البشرية. في المقابل، يتعامل النظام الإسلامي مع المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين من منظور إنساني وأخلاقي. ففي ظل الحكم الإسلامي، يُمنح المظلوم ملاذاً وحياة كريمة، مع حقوق التابعية الكاملة إذا أرادوا الإقامة داخل الدولة وأن يصبحوا من رعاياها، لأن الإسلام نظام جاء رحمةً للبشرية. قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ لذلك سوف ترحب الخلافة بالباحثين عن اللّجوء والملاذ على أراضيها. علاوةً على ذلك، سيكون لديها القدرة على تزويدهم باحتياجاتهم الأساسية وفرصة البحث عن عمل كريم وبناء مستوى معيشي جيد لأنفسهم، لأنه سينفّذ النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يُجسد المبادئ السليمة لبناء مجتمعات مزدهرة حيث الاستفادة من ثروتها كما ثبت تاريخيا.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. نسرين نوّاز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع