- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
روسيا أمام مأزقها الاستراتيجي تستجدي شراكة استراتيجية من الصين، والصين تتلكأ!
الخبر:
- ميدفيديف في بيكين للبحث عن شراكة استراتيجية لا حدود لها مع الصين: أجرى ديميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي مباحثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ تناولت الشراكة الاستراتيجية والحرب في أوكرانيا. وقال ميدفيديف إنه ناقش مع شي الشراكة الاستراتيجية والتعاون "بلا حدود" بين البلدين وكذلك الوضع في أوكرانيا. (رويترز: 2022/12/21)
- أكد الرئيس الصيني أن تطوير شراكة استراتيجية مع روسيا خيار استراتيجي طويل الأمد يقوم به البلدان وفقا لظروفهما الوطنية. ومن جهته، أكد الرئيس الصيني لميدفيديف خلال لقائهما، أن بلاده تأمل أن يحافظ جميع الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية على ضبط النفس، ووضع حد للمخاوف الأمنية من خلال الطرق السياسية. (رويترز: 2022/12/21)
التعليق:
أقدام الروس تغوص في المستنقع الأوكراني، وقد شارفت حربهم هناك على السنة، وباتوا حبيسي الفخ الأمريكي والقفص الأوكراني، فتحولت ورطتهم إلى مأزق جيوستراتيجي، ينخر جسم الدولة وعسكريتها واقتصادها. ويكأن الروس في ضيق أفقهم السياسي وغبائهم الاستراتيجي هم من أحكموا خناق الفخ الأمريكي عليهم.
فأمام ورطة القيادة وفشلها الاستراتيجي الذريع، أوفد بوتين رجل مهامه الخاصة ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، حاملا رسالته الخاصة للرئيس الصيني يستجدي بها شراكة استراتيجية مع الصين. بل يَعِدُ الصين ويُمَنِّيها بأن شراكته هذه لا حدود لها، أي أن الروس مستعدون لطرح كل أوراقهم الاستراتيجية على الطاولة. بينما لسان حال الصين وتصريح رئيسها "خيار استراتيجي طويل الأمد يقوم به البلدان وفقا لظروفهما الوطنية"، فالأمد الطويل والظروف الوطنية هي لسان الدبلوماسية الصينية لتلطيف "انتظروا إنا منتظرون" وسياسة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.
بل في أخطر أزمات روسيا الاستراتيجية، حربها في أوكرانيا ضد تمدد وانتشار الحلف الأطلسي على بوابتها الغربية، ترى موقف الصين المعلن هو الحياد بل الحياد السلبي الذي تحول مؤخرا إلى تنصل من روسيا وتخففا من عبء حمل مأزقها الاستراتيجي، فقد استسلمت الصين لتهديدات أمريكا خوفا من عواقب دعمها لروسيا فتركتها في العراء الاستراتيجي التام، تخوض حرب استنزاف اقتصادها وعسكريتها لوحدها، جاء في جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة "نجحت إدارة بايدن عن طريق تخويف الصين من دعم روسيا في إبعاد الصين عمليا عن روسيا، بغض النظر عن التصريحات الصينية والروسية الفارغة من محتواها عن قوة علاقتهما"، وذلك ما أكده الرئيس الصيني في لقائه مع ميدفيديف "أن بلاده تأمل أن يحافظ جميع الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية على ضبط النفس، ووضع حد للمخاوف الأمنية من خلال الطرق السياسية"، وهكذا لا ترى الصين في روسيا سوى طرف من الأطراف الدولية لا أكثر ولا أقل، وأن حرب روسيا في أوكرانيا ليست كما يراها الروس دفاعا عن مجالهم الجيوستراتيجي، بل هي حسب التوصيف الصيني أزمة دولية يجب على الأطراف المعنية ضبط النفس واللجوء إلى الطرق السياسية لحلها، فموقف الصين الأخير يعني تخليها عن روسيا وتركها لمواجهة مصيرها لوحدها.
مأزق روسيا الاستراتيجي لن تكون الصين هي باب المخرج منه، بل لن تكون حتى ثقبا لتنفيسه. فاعتماد الصين في اقتصادها بشكل أساسي على سلاسل الإنتاج الأمريكية والأوروبية، وعلى سوق أمريكا وأوروبا في تصريف منتوجها وفائض إنتاجها، يفوق بمراحل ضخمة كل العلاقة الصينية الروسية، ففي عام 2020 بلغ حجم التجارة بين الصين وأمريكا حسب إدارة الجمارك الصينية العامة 586.72 مليار دولار بزيادة 8.3%، كما نما بنسبة 28.7% في عام 2021 ليصل إلى 755.64 مليار دولار. أما حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي سنة 2021 فقد بلغ 732 مليار دولار بمعدل تبادل تجاري يومي بقيمة 2 مليار دولار، فهذه الأرقام هي صاحبة الفعل الحقيقي في السياسة الاستراتيجية الصينية، فالصين جزء من المنظومة الرأسمالية، وعليه فالمال حاكم والسياسة تبع له، هكذا هي الفلسفة الرأسمالية. الأمر الذي يجعل من تلك الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين في الظروف الحالية ضربا من الأماني الروسية ليس إلا.
فضلا عن مستحقات وفاتورة التاريخ وباب العلاقات الصينية الروسية فيه التي لا يمكن تجاوزها، فالتاريخ في العلاقات الدولية وأخطرها الاستراتيجية حاكم وفاعل مؤثر، والعلاقات الصينية الروسية كانت دوما متصدعة، فضلا عن الاختلاف الحضاري بين البلدين، فالصين تعتبر روسيا الوجه الآخر للغرب، ذلك الغرب الذي خبرته وجربته، والذي ما عرفته إلا مستعمرا عبر إمبراطورية الإنجليز وحروب الأفيون الخاصة بها، وروسيا القيصرية وصراعاتها مع سلالة تشينغ الحاكمة في الصين. بل حتى في فترة المشترك الشيوعي بين الصين الشيوعية والاتحاد السوفيتي كانت العلاقات بينهما متصدعة، وخاض البلدان حربين على مدى السنوات العشر التالية لثوراتهما.
الأمر الذي يجعل الحديث عن شراكة استراتيجية بين روسيا والصين حديثا أجوف، وإن أضفنا لها "بلا حدود" يصبح الأمر نوعا من الخبل السياسي بل يتعداه للغباء السياسي، فالروس سيبقون في عرائهم الاستراتيجي التام، واستجداؤهم لشراكة استراتيجية مع الصين مجرد أضغاث أحلام، أما حديث الصين عنها فمجرد جعجعة بلا طحن لإسماع الصوت وتسجيل الكلمة واستمرار تدفق نفط وغاز روسيا.
أما الحقيقة الجيوستراتيجية العارية التي فضحتها الحرب الأوكرانية، فهي ضعف وهوان العسكرية الروسية، فلمجرم موسكو أن يستقوي على المستضعفين ويقتل أهل الشام العزل، ولكنه في خزي هوانه أضعف من أن يحسم حربه الاستراتيجية مع أوكرانيا التي هي أضعف منه بمراحل. أما الصين فأجبن من أن تتخذ قرار مجابهة ومواجهة فضلا أن تتحدى وتقود، أما رأس الكفر والشر أمريكا فلولا أحلافها وحشودها من الأوباش والخونة لما وجدت أنيابا لتعض بها، أما عن تلك الشرذمة من بني الأصفر المكناة اتحادا أوروبيا فخزي حالها مع الحرب الأوكرانية يغني عن التعليق.
هو العالم كله في العراء الاستراتيجي التام، ولقد آن أوان بعث حقيقتكم الاستراتيجية العظمى معشر المسلمين لملء هذا الثقب الأسود الجيوستراتجي، وما كانت إلا خلافتكم الراشدة على منهاج النبوة لتملأه وتعيد للعالم أمنه واستقراره، هي شمس الدنيا وتاجها وسيف عدلها، ناصرة المستضعفين المظلومين وقاهرة الظلمة الباغين، آن أوان ربعيّ زمانكم ليصنع ما صنعه جدكم العزيز المظفر برستم كسرى وهو يدوس بسط الفُرس بفَرسه ويخرم وسائدهم المرصعة ذهباً ليجعل منها حلقة يربط فيها لجام فرسه، ثم أخذ رمحه واتجه صوب رستم وأهل فارس في صمت ورستمهم أصمت، فرهبتهم من موقف عز ما ألفوا مثله!
هيهات هيهات منا الخنوع، نحن أمة تستعلي بالله ولا تستجدي ولا تتوسل، تتوكل على ربها ولا تحتاج ولا تطلب أحلافا من خلقه، بل نعزم وحدنا ونمضي لقدرنا ونقضي وننجز وعد ربنا، فحثوا الخطا فقد أوشك الركب على وصول مسعاه ومبتغى ربه ومرضاته. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مناجي محمد