الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
من يقف وراء عصابات التهجير غير النظامي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من يقف وراء عصابات التهجير غير النظامي؟

 

 

 

الخبر:

 

طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات التونسية يوم الجمعة 2023/07/07 بوضع حد لما وصفتها بعمليات الطرد الجماعي للمهاجرين الأفارقة إلى منطقة صحراوية نائية قرب الحدود مع ليبيا.

 

وقالت المنظمة في بيان إن السلطات قامت منذ الثاني من تموز/يوليو الجاري بطرد مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود من مدينة صفاقس الساحلية وسط شرق إلى منطقة صحراوية وعسكرية بجنوب البلاد. وأضافت أن الطرد الجماعي لهؤلاء المهاجرين تم إثر أعمال عنف شهدتها مدينة صفاقس عقب مقتل شاب تونسي طعنا على يد مهاجر تردد أنه كاميروني الجنسية.

 

وقالت رايتس ووتش إن "الكثير من الأشخاص أبلغوا عن تعرضهم للعنف من جانب السلطات أثناء اعتقالهم أو ترحيلهم". (الجزيرة.نت)

 

التعليق:

 

أولا: من أراد التملص من المسؤولية من الحكام الحاليين، ينسب تفاقم الهجرة غير النظامية عبر تونس وتوطين المهاجرين الأفارقة في صفاقس إلى الحكومات السابقة، متناسيا بذلك تصاعد وتيرة هذا التوافد عبر الحدود منذ سنة 2019 وغياب استراتيجية ومقاربة واضحة المعالم للتعامل مع هذه الظاهرة التي جعلت من أهل البلد فضلا عن هؤلاء المغرر بهم ضحايا لعصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر.

 

والحديث عن توطينٍ وتهجيرٍ منظمٍ لم يعد تحليلا سياسيا ولا واقعا حسيّا فقط، بل صار أيضا جزءاً من الخطاب الرسمي لأعلى هرم السلطة، حيث تحدث الرئيس قيس سعيد في أكثر من مناسبة عن الهجرة غير النظامية باعتبارها اتجارا بالبشر، ملخّصا الظاهرة في شباب "مغرّر به" يرغب في اجتياز الحدود فتستغلّه عصابات الجريمة المنظمة في تونس ثم عصابات أخرى لدى وصوله إلى دول الشمال، فضلا عن تلويحه سابقا بوجود مؤامرة تحاك ضد تونس لتغيير تركيبتها الديمغرافية.

 

ولكن مثل هذه التصريحات، قد تكون مقبولة من شيوخنا وعجائزنا، لا ممن يباشر الحكم وبيده مؤسسات الدولة، لأن المطلوب من الحاكم ومن رجل الدولة هو الفعل لا مجرد الكلام، إلا إذا كانت الغاية من الكلام تثبيت السرديّة التي تقول إن هذه العصابات أقوى من الدولة! ثم من ترك الأزمة تتفاقم طوال هذه الفترة مكتفيا بالمشاهدة حتى بعد إزهاق هذه الروح البريئة في صفاقس؟ أليست هي السلطة التي انشغلت بحرب تطهير العالم الافتراضي من خصوم الرئيس عن كل أشكال الجرائم المنظمة؟! ومن فتح محلات الرهان الإلكتروني وأبواب تجارة المخدرات أيضا؟ ألا يُعتبر غياب السلطة في المسائل الحيويّة جريمة دولة تُضاف إلى سجل جرائم هذا النظام الفاجر؟ وبم تُفسّر السلطة وجود إعلام فرنسا وكيان يهود (i24 News) في جنازة الفقيد في صفاقس وغياب إعلامها الرسمي؟!

 

ثانيا: اللافت في الأمر بعد أن فاحت رائحة بعض الشبكات المنظمة التي فككتها إيطاليا، أن جميع القوى الاستعمارية صارت تتحدث عن ملف الهجرة غير النظامية وعن عصابات تهريب البشر، وعن ضرورة مكافحتها، بمنطق المؤامرة نفسه، دون أن تجرؤ جهة داخلية أو خارجية على تحديد من يقف وراء هذه العصابات لأنهم شركاء في الجريمة نفسها، في حين يؤكد الخبراء والمحللون عبر القنوات الإخبارية امتلاك هذه العصابات معلومات مخابراتية تُسهّل وصول المهاجرين إلى الأماكن المقصودة وبشكل دقيق، سواء عند دخول تونس أم عند الخروج منها.

 

فقد كشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية بتاريخ 2023/05/29 أنّ الغاية من جولة وزير الهجرة البريطاني روبرت جنريك في أفريقيا وزيارته إلى تونس والجزائر على وجه التحديد، هي تقديم كافة إمكانيات بريطانيا للمساعدة في تفكيك عصابات الهجرة غير النظامية. حيث أكد جنريك أن "بريطانيا ستقوم بإجراءات جديدة للحدّ من عدد المهاجرين غير النظاميين القادمين من أفريقيا نحو أوروبا وستكثف جهودها للقضاء على العصابات التي تنظم عمليات الهجرة".

 

في هذا الإطار، انعقدت صباح يوم 2023/05/31 بمقر وزارة الداخلية جلسة عمل جمعت وفدا عن الوزارة ضمّ كلاً من المدير العام آمر الحرس الوطني، المدير العام لشرطة الحدود والأجانب والمدير العام للعلاقات الخارجية والتعاون الدولي، بكلّ من وزير الهجرة المعتمد لدى وزير الداخلية البريطاني روبرت جنريك وسفيرة بريطانيا لدى تونس والوفد المرافق لهما، وذلك بحضور عدد من الإطارات العليا للوزارة.

 

في المُقابل، استنفرت بقية دول أوروبا وصارت تتحدث هي الأخرى عن عصابات منظمة وعن ضرورة تفكيكها، حيث أكّدت وزيرة الداخلية الألمانية خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها الفرنسي عُقد في تونس يوم 2023/6/19 إن بلادها ترغب مع فرنسا "في تعزيز التعاون مع تونس لمكافحة عصابات تهريب البشر والحد من الوفيات في البحر المتوسط". وتابعت "نريد أن نضع معا حدا لعصابات التهريب الإجرامية، نريد حماية حقوق اللاجئين ووقف الوفيات في البحر المتوسط".

 

والسؤال هنا، من يقف وراء هذه العصابات التي تتظاهر كبرى الدول الأوروبية بالتنافس على تفكيكها؟ ومن يصدق أن صناع الأزمات جاؤوا للتعاون مع تونس في حل أزمة التهجير والاتجار بالبشر؟!

 

ثالثا: إن الاتجار بالبشر هي واحدة من أسرع الجرائم المنظمة نمواً في العالم بحسب الإحصائيات الرسمية، بل إن عدد ضحاياه أعلى من الأرقام الرسمية المذكورة في تقارير الأمم المتحدة، وهي صناعة وبضاعة رأسمالية بامتياز تزداد رواجا وتزدهر في البلدان التي تتسم بضعف الدولة وهشاشة النظام وعدم استقرار الأوضاع، ليسهل وضعها بين مطرقة المنظمات الحقوقية وسندان عصابات الهجرة المنظمة، ولذلك لا غرابة أن تصبح تونس من أكبر جيوب الاتجار بالبشر نحو أوروبا، وهذا في الحقيقة أمر معلوم لدى الجهات الرسمية، حيث تتواطأ أطراف داخلية وخارجية وشبكات مختصة في الاتجار بالبشر، في إرسال مهاجرين في شكل "بضاعة" بكل ما يعنيه ذلك من نسف لشعارات حقوق الإنسان التي يتغنى بها المجتمع الدولي. ولذلك فإن الأزمة الحالية هي نتاج طبيعي للسياسات الرأسمالية وللعقلية الاستعمارية في التعامل مع شعوب القارة السمراء، وهي متعلقة فقط بنوعية "البضاعة" التي يريد الغرب تحسينها وتنقيتها بمنطق مصلحي نفعي، فلا يُسمح بدخول أطراف جديدة في عمليّات "الشحن"، ولا بإرسال "بضاعة" غير صالحة أو تكديسها دون فرز، وإنما يصل إلى بلاده فقط من يمتلك قابلية التجنيد للقيام بخدمات معينة ولو في مجال تجارة المخدرات. أما التنافس بين الجهات الأوروبية فمردّه أن لكل دولة شبكاتها ومنظماتها التي تشتغل في هذا المجال خارج الأطر القانونية بعلمها وتحت رقابتها، وهي لا تتدخل إلا من أجل منع تضرر مصالحها أو من باب محاولة احتكار هذا القطاع المربح.

 

ختاما، ولمن صدق أن حكام تونس لا يحرسون حدود دول أخرى...

 

إن قضية الهجرة وسببها الرئيسي متعلق أساسا باختيار المُهاجر أقلَّ الأنظمة الرأسمالية جورا وطغيانا وأخفها ضررا، وإن هذه الحدود الاستعمارية الوهمية التي تفرقنا وتسجننا في أقفاص الوطنية، تزيد من مآسينا وتجعل من بلداننا مجرد حدائق خلفية للاستعمار وسياساته، بل تجعل من حكامنا مجرد بيادق لا يحرسون حدود الاستعمار فحسب، بل يسهرون على تطبيق سياساته الجائرة بحق شعوب الأمة فيصبحون عونا له في التنكيل بالشعوب. ولذلك فإنه لا سبيل لاقتلاع صناعة الجرائم الرأسمالية العابرة للسدود والحدود وإنهاء مأساة الهجرة نظامية كانت أم غير نظامية، إلا باستعادة سلطان الإسلام وإقامة دولة الخلافة التي تعزز الشعور بالانتماء وتعيد الحقوق لأصحابها وتعدل بين رعاياها، لا فرق بين أبيض وأسود ولا بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. مقياسها في ذلك شرع رب العالمين ومقولة الفاروق عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!" ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس وسام الأطرش – ولاية تونس

آخر تعديل علىالأحد, 09 تموز/يوليو 2023

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع