- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بريكس ومنظمة عدم الانحياز – ما أشبه الليلة بالبارحة
الخبر:
انعقدت في جوهانسبرغ عاصمة جنوب أفريقيا يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر آب 2023 قمة منظمة بريكس والتي تضم دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا لمناقشة قضية مواجهة النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
التعليق:
الرئيس الصيني شي جين بنغ قال "يشهد العالم اليوم تغيرات تاريخية ليس لها مثيل، تعتمد في خط سيرها على خياراتنا الآن". أما رئيس البرازيل دي سيلفا لولا فيما يبدو أنه تحجيم للتوقعات المرجوة من القمة قال: "لا نريد أن نكون بديلا عن الدول السبع أو العشرين الصناعية الكبرى (G7, G8) أو الولايات المتحدة. ولكننا نسعى لتنظيم دولنا". أما الرئيس الروسي فقد ركز في كلمته التي ألقاها من موسكو على ضرورة التقليل من الاعتماد على الدولار في التجارة البينية لدول مجموعة بريكس. وذلك للضرر البالغ الذي لحق بروسيا جراء العقوبات المفروضة على التجارة معها بسبب غزوها أوكرانيا. أما رئيس جنوب أفريقيا فقد بين أن القمة لن تتناول مسألة إصدار عملة خاصة بمجموعة بريكس على غرار اليورو لدول الاتحاد الأوروبي. أما رد فعل أمريكا فقد جاء على لسان جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الذي قال "إن هذه الدول تحمل وجهات نظر مختلفة حول القضايا الملحة ولا تشكل تحديا للولايات المتحدة". ولا شك أنه يشير إلى وجود قضايا حدود صعبة بين الصين والهند، وأن مصلحة البرازيل وجنوب أفريقيا والهند تدور بشكل قوي مع أمريكا، وأن الصين تسعى بكل جدية لكيلا تكون هدفا سياسيا أو تجاريا لأمريكا، وحتى روسيا فإنها لن تستغني عن دور أمريكا في إنهاء الحرب مع أوكرانيا بطريقة مشرفة لها.
فهذه المجموعة رفعت شعار التحدي للنظام العالمي البائس الذي تتربع أمريكا على عرشه، وأذاقت العالم صنوف العذاب والفقر والحروب الظالمة واحدة تلو الأخرى منذ إنشاء هذا النظام. وهي نفسها تعلم أنها عاجزة عن تحديه بشكل جدي وجذري ينقذ البشرية من عواقبه. وهي تدرك أن التحدي الحقيقي يؤدي إلى صدام قد يصل إلى حرب عالمية مدمرة. فالنظام العالمي الحالي جاء نتيجة للحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها أكثر من 70 مليون نسمة. وأن هيمنة أمريكا على هذا النظام قد كلفت العالم حربا باردة لمدة 40 عاما أذاقت البشرية خلالها صنوف الهوان والذل والتشريد والهيمنة. إضافة الى حروب دموية في كوريا وفيتنام والشرق الأوسط وأفريقيا، وانقلابات وحروب داخلية طاحنة كان آخرها في سوريا التي ذهب ضحيتها أكثر من 12 مليون نسمة ما بين قتل وسجن وتشريد وتهجير دائم.
ولا يستبعد أن أمريكا نفسها تشجع وجود مثل هذه المجموعة لينصرف نظر الشعوب والدول إلى آمال وهمية بدلا من التفكير الجدي في إيجاد نظام عالمي يتبنى وجهة نظر في الحياة تقوم على أساس قوي غير الأساس الذي بني عليه النظام الحالي الذي يعتمد فصل الدين عن الحياة والحريات المطلقة وما نتج عنها من نظام رأسمالي جشع، ونظام ديمقراطي كاذب وظالم. وقد اعتمدت أمريكا على مثل هذا الأسلوب في السابق حين شجعت قيام منظمة دول عدم الانحياز التي أنشئت تحت شعار الابتعاد عن الهيمنة والاستعمار وتسلط حلف الناتو الذي تقوده أمريكا وحلف وارسو الذي قاده الاتحاد السوفيتي. وقد شارك أشهر عملاء أمريكا جمال عبد الناصر في إنشاء تلك المنظومة التي استطاعت على مدار الحرب الباردة أن تصرف نظر الشعوب والدول عن الخطر الحقيقي للنظام العالمي آنذاك والبحث عن بديل ينقذ العالم من شرور أمريكا والاتحاد السوفيتي آنئذٍ.
والحقيقة التي لا يماري فيها أحد، أن العالم اليوم ومنذ أكثر من 100 عام يعاني صنوف العذاب والهوان والتشريد والقتل والفقر جراء تحكم النظام الرأسمالي. وقد ذهب ضحية سيطرة هذا النظام أكثر من 200 مليون ما بين قتل وتشريد، وعانى أكثر من ملياري شخص من الفقر والجوع والمرض. وتم نهب وسلب ثروات شعوب العالم في أفريقيا وآسيا بشكل لا مثيل له في تاريخ البشرية. وفرض هذا النظام على معظم دول العالم أنظمة حكم عسكرية وجعل من حكام الشعوب سجانين سجنوا شعوبهم وجعلوهم يقومون بأعمال شاقة لصالح أرباب النظام العالمي.
إن الخلاص من آفات هذا النظام لم يعد خيارا للبشرية. وأعمال التضليل وإبعاد الناس عن الطريق السوي المفضي للخلاص والتحرر التام لم تعد خافية على ذوي الألباب، الذين يذكرون الله دائما ويتفكرون بشكل مستنير، مستعينين بهدي من الله عز وجل، مستنيرين بطريق وهدي رسول الله ﷺ. وهذا الطريق للتحرر والخلاص لا تقوى عليه أوروبا ولا تستطيع السير به، ولا روسيا ولا الصين، ولا أي دولة أو مجموعة من الدول الحالية. فجميعها تتبنى الأنظمة والأفكار والأساليب نفسها التي يقوم عليها النظام الحالي، بفارق أنها ليست هي التي تتربع على العرش.
ولا يملك الحل الصحيح والطريق القويم إلا من آمن بالله حق الإيمان، وأدرك أنه لا عدل إلا بشرعه، ولا حياة مستقرة إلا بالنظام الذي أنزله على نبيه وجعله فرضا على المسلمين لينعموا به أولا، ثم ليقدموه لباقي البشر لينعموا به حتى ولو لم يؤمنوا به.
﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني