الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
ما الذي يُسبب أزمة الصّحة العقليّة بين الأطفال في الدّول العلمانية؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما الذي يُسبب أزمة الصّحة العقليّة بين الأطفال في الدّول العلمانية؟

(مترجم)

 

 

 

الخبر:

 

وصل عدد الأطفال الذين يعانون من أزمة الصحة العقلية في إنجلترا إلى مستوى قياسي وفقاً لتحليل بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية الذي أجرته مؤسسة Young Minds الخيرية للصحة العقلية والذي تمّ نشره في آب/أغسطس. وكشفت البيانات أن عدد الأطفال والشباب الذين يخضعون للعلاج أو ينتظرون بدء الرعاية وصل إلى رقم قياسي جديد مع 466.230 إحالة مفتوحة في أيار/مايو إلى خدمات الصحة العقلية للأطفال والشباب. وأفادت أيضاً أن هناك أكثر من 3700 إحالة عاجلة لأشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاماً في أيار/مايو - وهو أعلى بثلاث مرات من الشهر نفسه من عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، حتى آذار/مارس 2023، زادت الإحالات إلى فرق أزمات الصحة العقلية بنسبة 46٪ مقارنة بالعام السابق. علاوةً على ذلك، طلب 1.4 مليون طفل وشاب في إنجلترا مساعدة هيئة الخدمات الصحية الوطنية لعلاج مشاكل عقلية العام الماضي. في الواقع، وفقاً لأرقام هيئة الخدمات الصحية الوطنية، شهد عدد الأطفال في سن المدرسة الذين تمت إحالتهم إلى خدمات الصحة العقلية للأطفال والمراهقين "انفجاراً" في السنوات الثلاث الماضية، حيث ارتفع بنسبة 79٪ منذ عام 2019. وهذا بالنسبة لمشاكل مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل وإيذاء النفس والانتحار. وكانت هناك أيضاً زيادة بنسبة 82٪ في حالات القبول بسبب اضطرابات الأكل على مدار عامين من 2020 إلى 2022 لمن تقل أعمارهم عن 18 عاماً (بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية الرقمية). هناك قلق بشأن حالة الطوارئ المتزايدة في الصحة العقلية للشباب وأن هذا الاضطراب في الصحة العقلية يمكن أن يصبح "الوضع الطبيعي الجديد" بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً.

 

التعليق:

 

إن إنجلترا ليست هي الدولة الوحيدة التي تعاني من أزمة الصحة العقلية هذه بين الأطفال والشباب، فهناك حالة طوارئ تتعلق بالصحة العقلية تؤثر على الأطفال في الدول العلمانية في جميع أنحاء العالم. فقد وجدت دراسة بعنوان "الاتجاهات الوطنية في زيارات قسم الطوارئ المتعلقة بالصحة العقلية بين الشباب 2011-2020"، أنه على مدى 10 سنوات، تضاعفت نسبة زيارات الأطفال لقسم الطوارئ لأسباب تتعلق بالصحة العقلية في أمريكا، بما في ذلك زيادة بمقدار 5 أضعاف في الزيارات المتعلقة بالانتحار. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً للمركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ارتفعت معدلات حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بالتسمم بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاماً بأكثر من 70% بين عامي 2019-2021، وبنحو 50% للأطفال بين 13-15 عاما. في الواقع، في عام 2020، كان الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً، وأفاد ما يقرب من 20٪ من طلاب المدارس الثانوية في أمريكا عن أفكار جدية للانتحار بينما قام ما يقرب من 1 من كل 10 بمحاولة الانتحار. (التحالف الوطني للأمراض العقلية). وفي أستراليا، يعد الانتحار هو الحالة الرئيسية للوفاة بين الأستراليين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً (معهد الصحة والرعاية التابع للحكومة الأسترالية)، بينما في اسكتلندا، تم الإبلاغ عن أنه في عام 2022، كان الانتحار أيضاً الحالة الرئيسية للوفاة بين الأطفال والشباب، وهو ما يمثل 1 من كل 4 أرواح فقدت خلال الفترة 2011-2020.

ألقى البعض باللوم على جائحة كوفيد في أزمة الصحة العقلية بين الأطفال. ومع ذلك، لاحظ العديد من الأكاديميين أن الوباء أدى ببساطة إلى تفاقم صراعات الصحة العقلية الحالية، مع ارتفاع معدلات محاولات الانتحار بين الأطفال حتى قبل ظهور كوفيد. فعلى سبيل المثال، في أمريكا، زاد عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاماً الذين زاروا مستشفيات الأطفال بسبب الأفكار الانتحارية أو إيذاء النفس أكثر من الضعف (115%) بين عامي 2016 و2019. (جمعية مستشفيات الأطفال). وكان هذا قبل انتشار الوباء. علاوةً على ذلك، ذكرت دراسة نشرت في المجلة البريطانية للطب النفسي في شباط/فبراير 2021 أن أكثر من 52000 شاب يبلغ من العمر 17 عاماً في بريطانيا حاولوا الانتحار في مرحلة ما من حياتهم وأن أكثر من 170000 قد ألحقوا الأذى بأنفسهم في الأشهر الـ12 الماضية قبل ظهور فيروس كورونا.

إذن ما الذي يدفع هذا النمو الهائل في مشاكل الصحة العقلية بين الشباب في الدول العلمانية في جميع أنحاء العالم؟ إن أسباب مشاكل الصحة العقلية متعددة العوامل، بما في ذلك اعتلال الصحة الجسدية. ومع ذلك، ينبغي بالتأكيد التركيز على المعتقدات والقيم وأسلوب الحياة ونظام الحياة العلمانية التي كانت بلا شك القوة الدافعة الرئيسية وراء أزمة الصحة العقلية هذه بين الشباب.

أولاً: قامت الدول العلمانية بتهميش الدين بشكل متزايد داخل مجتمعاتها، ما أدى إلى الفراغ الروحي عند الأفراد، فضلاً عن عدم فهم هدفهم الحقيقي في الحياة، والارتباك وعدم اليقين في كيفية رؤية مشاكل الحياة والتعامل معها. لدى الإنسان ميول تقديس طبيعية لعبادة جهة أعلى تمنحه التوجيه والإجابات حول ماهية هذه الحياة وكيف يعيش حياته بأفضل طريقة. وإن أي نظام يهمش أو يقمع هذه الغريزة من الطبيعي أن يسبب شعوراً بالفراغ والاضطراب النفسي لدى الأفراد. علاوة على ذلك، فإن غياب الاتجاه الواضح في الحياة يزرع بذور الارتباك والبؤس.

ثانياً: في ظل النظام العلماني، فإن البشر هم الذين يحددون ما هو النجاح والأهداف التي من المتوقع أن يطمح إليها الأفراد. وبالتالي، يتم وضع العديد من التوقعات غير الواقعية للشباب بناءً على عقول البشر القاصرة، سواء أكانت معايير الجمال أو الممتلكات المادية أو الشعبية أو الثروة أو التحصيل التعليمي أو أسلوب الحياة، والتي ستتسبب حتماً في التوتر والقلق والاكتئاب إذا كان المرء كذلك غير قادر على الارتقاء إلى مستوى تلك التوقعات. وبطبيعة الحال، ساهمت وسائل التواصل في تضخيم هذه التوقعات غير الواقعية لدى الشباب.

ثالثاً: إن الحريات العلمانية التي تشجع الأفراد على متابعة أهوائهم ورغباتهم قد خلقت أنماط حياة ممتعة تؤدي إلى إدمان المخدرات والخمور بين الشباب. كما تؤدي إلى تفاقم المشكلات مثل التنمر من خلال خلق شخصيات تتصرف ببساطة بناءً على ما يجعلها تشعر بالرضا أو تجلب لها بعض المنفعة الذاتية. علاوة على ذلك، فقد دمرت الحريات الجنسية البنية الأسرية، وتسببت في جبل من العلاقات المحطمة، فضلاً عن الارتباك الكبير الذي يصاحب قضايا الهوية الجنسية. ولا شك أن كل هذا قد سبب اضطراباً نفسياً كبيراً لدى الكثير من الشباب.

وأخيراً: ولّد النظام الرأسمالي صعوبات اقتصادية هائلة للأفراد، وهوة من عدم المساواة في الثروة، وعدم قدرة الكثيرين على تحمل الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والسكن المستقر ما أدى إلى تغذية القلق والاكتئاب بين الأطفال.

قالت لورا بونت، الرئيس التنفيذي لمنظمة Young Minds، إن الأرقام المتعلقة بأزمة الصحة العقلية بين الشباب في إنجلترا "تشير إلى وجود نظام معطل". النظام الذي تمّ كسره هو النظام العلماني، لقد خذل الشباب وخذل الإنسانية. نحن كمسلمين نحتاج أيضاً إلى طرح بعض الأسئلة الجادة حول الاتجاه الذي يتجه إليه شبابنا، سواء في الغرب أو في بلاد المسلمين. إن تبني النظام الليبرالي العلماني لا يحمل سوى الوعد بانحدار الصحة العقلية لأطفالنا. وليس هناك ما يمكن أن ينقذهم من هذا المصير المدمر سوى المعتقدات والقيم وأسلوب الحياة والنظام الإسلامي القادر وحده على إيجاد الرضا والطمأنينة والسعادة الحقيقية في الإنسان.

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. نسرين نوّاز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

آخر تعديل علىالأربعاء, 13 أيلول/سبتمبر 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع