- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس قانوناً دولياً بل بلطجة!
الخبر:
دعوى دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد كيان يهود الغاصب.
التعليق:
احتفى الكثيرون بدعوى دولة جنوب أفريقيا ومسعاها في محكمة العدل الدولية لإدانة الكيان الغاصب بارتكابه جرائم حرب وإبادة جماعية، ومسعاها لاستصدار حكم لتعليق الحرب على غزة.
وكانت الحفاوة بشكل أساسي لأجل تزايد الضغوط على الكيان الغاصب وأمريكا وزيادة كشف فضائح الكيان وجرائمه التي يرتكبها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ولكن لنكبح عواطفنا قليلاً ولنقف هنيهة أمام القانون الدولي الذي هو أساس تلك المحكمة الدولية، لنستكشف حقيقته من ناحية تاريخية وفكرية وواقعية.
إن القانون الدولي هو في أصله المعاهدات المعقودة بين الدول النصرانية منذ القرن السادس عشر، والعرف السائد في المجموعات النصرانية الأوروبية منذئذ. فإطلاق اسم القانون الدولي على معاهدات وأعراف الدول النصرانية - وبعدها الدول النصرانية الرأسمالية - وحدها كذب وتزوير، لأن الأفكار التي تصلح لأن تكون قانوناً دولياً ليست معاهدات وأعرافاً للدول النصرانية الأوروبية فحسب، بل الأفكار التي تصلح لذلك هي مجموعة الأعراف الموجودة بين المجموعات البشرية في العالم كله، والاتفاقات والمعاهدات التي تعقد بين المجموعات البشرية في العالم كله، لذلك كان مفهوم القانون الدولي في تأسيسه خطأ.
هذا وقد تمسكت الدول الغربية بالأساس الذي وُجد عليه القانون الدولي، واتفقوا على إنشاء منظمات دولية على ذلك الأساس، ولم تسمح لأن تتسرب للقانون الدولي ولا لنظام هيئة الأمم أي أفكار وقواعد مختلفة، بل ظلت قواعد الدول النصرانية الأوروبية هي الأساس في القانون الدولي. والذي زاد الطين بلة هو أن تلك الدول لم تترك أمر تنفيذ القانون الدولي المزعوم إلى العامل المعنوي، كما هي الحال في الأعراف الدولية، بل لم تتركها تنفذ على من التزم بها فقط، بل جعلتها تنفذ بقوة السلاح، وجعلت تنفيذها على جميع دول العالم سواء من التزم بها أم من لم يلتزم! فقامت الدول الكبرى في القديم والحديث بجعل نفسها الهيئة الحامية للأمن والنظام في الجماعة الدولية، وتدخلت في شؤون غيرها من الدول كلما لاح لها أن هناك تهديداً للسلام أو إخلالاً بالنظام، أي أصبحت تلك الدولة ومنظماتها الشرطي الدولي في العالم لتنفيذ القانون والنظام. وما غزو أمريكا واحتلالها العراق سنة 2003 إلا مثال لفرض تلك الدول الرأسمالية الغربية نفسها شرطياً دولياً. فكان هذا العمل من أفظع الأعمال، وكان سبباً من أسباب شقاء العالم بالأسرة الدولية بمفهومها الأوروبي، وبما يسمى بالقانون الدولي. (وللمزيد في مسألة القانون الدولي وعلاجها، أحيل إلى كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير).
وعودة إلى غزة، أقول نعم، إن الظلم الواقع على غزة كبير جداً ولا يكاد يطاق، ومشاهد الدماء والأشلاء والدمار تكاد تطيش بالعقول، إلا أن حديثاً كحديثنا هنا يجب ألا نعتبره ترفاً فكرياً وحديثاً هامشياً، بل أزعم أنه حديث في صميم المأساة ونبشٌ لأصلها وفصلها؛ ذلك أن الكيان الغاصب قام على أساس القانون الدولي المزعوم، وهو كيان كامل العضوية في منظمة القانون الدولي، وأقصى ما يجري في المحكمة اليوم هو "قرصة أذن" لعضو في منظمة الأمم المتحدة، ومحاكمة لسلوكه لا لوجوده!
ومن جهة أخرى، فأخالني لست بحاجة لإثبات أن القانون الدولي بالنسبة للدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، هو كصنم العجوة لدى الجاهلي؛ يعبده تارةً ويأكله تارةً أخرى!
إن الحرب على غزة أثبتت، بل كشفت، أننا نعيش في غابة، الوحوش فيها ينهشون لحومنا وهم بكامل أناقتهم، يثرثرون بالدبلوماسية ويتسلحون بالشهادات العليا من الجامعات المرموقة، يعتلون ناطحات السحاب ويحسبون أنهم يعتلون البشرية بتفوقهم الحضاري!
الحقبة التاريخية التي تمر بها أمة الإسلام، وجرحها الغائر الذي جاءت لحظة غزة وألقت عليه المزيد من الملح، هي حقبة عاصفة؛ الثبات فيها وتجاوزها يكون بالوعي الفكري المبدئي، ومن ذلك معرفة العدو ومعرفة أدوات حربه.
إن العدو هو الغرب الكافر المستعمر وعلى رأسه أمريكا، وكيان يهود الغاصب هو أحد أدواته، أما القانون الدولي المزعوم فغطاء يستخدمه العدو لتسويغ جرائمه، ولتقييد حركة الشعوب وتحديد سقف مطالبها كما يريد.
بصراحة ووضوح؛ القانون الدولي طاغوت يجب نبذه والكفر به، والله تعالى يقول: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. أسامة الثويني – دائرة الإعلام / ولاية الكويت