- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
"عاصمة الثقافة العربية" طرابلس الشام ترفض ثقافة التغريب والانحلال
الخبر:
طرد أهل طرابلس الشام مهرجاناً سينمائياً يروّج للفاحشة.
التعليق:
منذ سنة 1996 شُرع تقليد جديد في جامعة الدول العربية، وهو تحديد مدينة من المدن العربية كلّ عام تسمّى عاصمة للثقافة العربية. وكان لافتا للنظر تسمية طرابلس اللبنانية هذا العام لتكون عاصمة للثقافة العربية، على الرغم من الأزمات الحادّة التي يمرّ بها لبنان على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، وعلى الرغم ممّا يعانيه أهل طرابلس أشدّ المعاناة من الفقر والإهمال والفوضى ونقص الخدمات العامّة، وبعد أن صُنّفت المدينة منذ سنوات أفقر مدن حوض المتوسط على الإطلاق!
وكان لافتا للنظر أنّ حفل إعلان طرابلس مدينة للثقافة العربية كان أبعد ما يكون عن أيّ مضمون ثقافي، فكان الحفل عبارة عن مجموعة من الأغاني الطربية وبعض الخطابات الخالية من أيّ مضمون ثقافي، فكان هذا الحفل مثار سخرية ونقد لاذع من عدد من الكتّاب في الصحافة اللبنانية.
إلّا أنّ الأنكى كان محاولة اختراق المدينة ضمن هذا الإطار بمهرجان سينمائي يشتمل على سبعة وثلاثين فلماً قصيرا، من الأفلام التي تحمل رسالة أو فكرة يراد إيصالها للناس. وكان أن رصَدَ بعض النابهين الواعين من أهل المدينة قبل انطلاق المهرجان ومع إعلان عناوين أفلامه أنّ بعض هذه الأفلام يروّج صراحة وبكلّ وقاحة للشذوذ الجنسي وغيره من أشكال الفواحش. فسارعوا إلى التحذير من هذا المهرجان وتنبيه وجوه المدينة وقادة الفكر وكذلك الرأي العامّ فيها إلى خطورة هذا النشاط الذي يوشك على اختراق المدينة وتشويه صورتها وإفساد ذوق أهلها، بأسلوب التسلّل تحت عباءة الثقافة وفنّ السينما. فتنبّه أهل طرابلس، وسرت حالة من الغضب والاشمئزاز بين أهل المدينة وأوساط الفكر والرأي فيها، ورفع مفتي طرابلس وشمال لبنان كتابا إلى وزير الداخلية يطلب منه منع هذا المهرجان لما يحويه من عدوان سافر على كلّ معاني العفّة والفضيلة والشرف. وفي يوم الجمعة الماضي الذي كان أوّل العشر المباركات من ذي الحجّة، والذي كان مقرّرا أن يكون اليوم الأوّل لهذا المهرجان الساقط رفع معظم خطباء الجمعة الصرخة، معربين عن غضبهم من هذا الاقتحام الوقح لمدينة العلم والعلماء، داعين إلى قطع دابره فورا. فاضطرّت الجهة المضيفة للمهرجان في المدينة إلى إعلان إلغائه قبل سويعات من موعد انطلاقه.
وكانت المفاجأة في اليوم التالي تجنيد عدد من الصحف والمواقع والهيئات والشخصيات المتحلّلة من الدين أقلامها للهجوم على طرابلس وأهلها وخطبائها، لا سيّما الهيئات والشخصيات التي كانت رأس حربة في التصدّي لمحاولة الاختراق الوقحة هذه. وكان لافتا للنظر أنّ عددا من هذه الأقلام نحا منحى التحريض على المدينة وأهلها، بأن صوّر رفضها لمهرجان الفساد هذا قمعا وترهيبا وتهديدا للفنّ والفنّانين، حتّى إنّ بعضهم وضع هذا الموقف في خانة انعدام الأمن في المدينة، لتحويل المشهد من مشهد مدينة متديّنة حريصة على أعراضها وشرفها تدافع عن هويّتها الثقافية إلى مشهد مدينة منغلقة متزمّتة تكره الفنّ والثقافة وتهدّد أمن الفنّانين والمبدعين والمثقّفين!
إنّ الصورة الحقيقية لما جرى في هذه الحاضرة العريقة من حواضر الإسلام والمسلمين هي أنّها نموذج للصراع الحضاري والثقافي المحتدم في بلاد المسلمين عموما، حيث يتعرّض المسلمون لموجة جديدة من الغزو الفكري لغسل أدمغتهم وتفريغها مما تبقّى فيها من ثوابت الإسلام، ولتهيئتهم نفسيا للتعايش مع كلّ أشكال الفساد والتحلّل الخلقي التي أفرزتها حضارة الغرب وطريقة عيشه، حضارة فصل الدين عن الحياة والفاحشة والشذوذ وعبادة المادّة والجسد.
إنّ هذه المعركة التي شهدتها طرابلس الأسبوع الماضي ليست معركة بين فنّانين مثقّفين متنوّرين ومجتمع متزمّت منغلق جاهل كما يحاول هؤلاء السقّاط تصويرها. وإنّما هي معركة بين ثقافتين ونظرتين مختلفتين للحياة وطريقة العيش ومعنى السعادة. معركة بين فراخ الحضارة الغربية التي تصوّر الحياة على أنّها المنفعة المادّية البحتة وتصوّر السعادة على أنّها نيل أكبر قسط من المتع واللذائذ الجسدية ولو عن طريق الشذوذ، وأبناء حضارة ترى أنّ الحياة على أنّها مزج للمادّة بالروح، حيث تنتظم الحياة وسلوك الإنسان بأوامر الله ونواهيه، وحيث السعادة لا تتحصّل دون نيل رضوان الله تعالى.
إنّ ما جرى في طرابلس كان بكلّ وضوح تجلّياً لصراع الحضارات بأجلى صوره.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد القصص