- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
غرينفيل: إدانة دامغة للنّظام الرأسمالي
(مترجم)
الخبر:
في الرابع من أيلول/سبتمبر، نُشر تقرير التحقيق في مأساة برج غرينفيل حيث تُوفي 72 شخصاً في حريق في مبنى سكني شاهق الارتفاع في لندن. وقد أُلقي اللوم في ارتفاع عدد القتلى في المقام الأول على مواد الحماية والعزل المستخدمة في جدران المبنى والتي ثبت أنها قابلة للاشتعال بدرجة كبيرة وأدّت إلى الانتشار السريع للحريق عبر البرج. كان التقرير مداناً ووصف عقوداً من فشل الحكومات والهيئات البريطانية المتعاقبة في ضمان البناء الآمن للأبراج السكنية، فضلاً عن جشع الشركات واستغلالها في صناعة البناء والتي سعت إلى النجاح التجاري على حساب أرواح الناس. وسلّط رئيس التحقيق، السير مارتن مور بيك، الضوء على قائمة طويلة من إخفاقات الحكومات وقادة المجالس المحلية والهيئات وخدمة الإطفاء ومنتجي المواد المستخدمة في بناء وحماية الأبراج السكنية. وجاء في التقرير أنّ حريق غرينفيل كان نتيجة "لدوران غير مُفيد من تبادل الاتهامات" و"عدم الأمانة والجشع المنهجي"، والتصنيع "عديم الضمير" لمواد بناء خطيرة.
التعليق:
وصف التقرير إخفاقات خطيرة على كل مستوى من مستويات النظام من أولئك المكلفين بمسؤولية رعاية رعاياهم، مع إعطاء الأولوية للرّبح على حساب رفاهية وسلامة الناس. عقود من فشل الحكومات البريطانية منذ عام 1991 إلى 2017 في معالجة مشكلة العازل القابل للاشتعال الذي كان يُستخدم بشكل روتيني في بناء المباني. كما ساهم إلغاء حكومة كاميرون المحافظة، للقيود التنظيمية لقوانين البناء لتسهيل الأمر، وبالتالي أرخص، على شركات البناء لبناء مساكن جديدة في المأساة. وذكر أنّ حملة إلغاء القيود الحكومية شهدت "تجاهل أو تأخير أو مماطلة" مسائل السلامة الحاسمة على الرّغم من أنّ الحكومة كانت "مدركة جيداً للمخاطر".
وسمح المجلس المحلي الذي يقع فيه برج غرينفيل للشركات باستخدام مواد البناء الخطرة التي مكنت الحريق من الانتشار بسرعة. وسعت منظمة إدارة المستأجرين، الهيئة العامة التي تحكم البرج، إلى خفض التكاليف من خلال السماح باستخدام العازل الخطير، ما جعل المبنى فخاً للموت فعلياً. وقد باعت عدد من شركات البناء منتجاتها بطريقة غير شريفة، وروجت لها على أنها آمنة على الرغم من علمها بخلاف ذلك. فعلى سبيل المثال، قامت شركة أركونيك، التي صنعت الألواح العازلة PE55، بإخفاء مخاطر السلامة الخاصة بها عمداً. وكانت لديها بيانات أظهرت أنها تتفاعل مع الحريق بطريقة خطيرة للغاية، في حين كان كبار المسؤولين التنفيذيين يعرفون أن العازل يمكن أن يكون شديد الاشتعال لكنهم لم يسحبوه من السوق؛ بل استغلوا القوانين التنظيمية الضعيفة المعمول بها. كما قدمت شركة كينجسبان ادعاءً كاذباً بأن منتجها K15 يمكن استخدامه بأمان في المباني الشاهقة، على الرغم من علمها بأن الاختبارات السابقة على الأنظمة التي تتضمن K15 كانت كارثية. وورد أنه كانت هناك "مناقشات داخلية طويلة الأمد حول ما يمكن أن تفلت به". وذكر تقرير غرينفيل أنه كان هناك "خداع منهجي" في اختبار وتسويق المواد المستخدمة و"استراتيجيات متعمدة ومستدامة للتلاعب بعمليات الاختبار، وتحريف تاريخ الاختبار وتضليل السوق" لتجاوز المنتجات غير الآمنة لإجراءات السلامة.
إلى جانب كل هذا، تجاهلت السلطات لسنوات المخاوف الخطيرة التي أبداها سكان مبنى غرينفيل فيما يتصل بقضايا السلامة. وعزا كثيرون هذا الإهمال في الاستجابة لمخاوفهم إلى حقيقة مفادها أن أغلب السكان ينتمون إلى طبقة مجتمعية اقتصادية أدنى، وبالتالي لم يحظوا باهتمام كبير من أصحاب السلطة.
كل هذا ليس مجرد اتهام لحكومات وهيئات حكومية فاسدة أو شركات جشعة، بل هو اتهام وبيان للنظام الرأسمالي الذي عملوا في ظلّه جميعاً، والذي خلق روحاً أخلاقية على كل مستوى من مستويات الحكم والمجتمع تعطي الأولوية للربح والفائدة الاقتصادية على حساب احتياجات ورفاهية الناس أو القيم والاعتبارات الأخلاقية الأخرى. إنه نظام غير إنساني حيث يتجاهل الأخلاق والمبادئ في سبيل جني الأموال، وينبغي محاكمته هو والمسؤولين عن مأساة غرينفيل.
والواقع أنّ هذه المأساة ليست سوى مثال واحد من سلسلة طويلة من الأمثلة التي توضّح العواقب الكارثية للرأسمالية. إننا نرى على سبيل المثال شركات المياه في بريطانيا تتخلّص من مياه الصّرف الصّحي في الأنهار والبحار على الرغم من المخاطر الصحية الجسيمة التي تهدّد السكان. ونرى شركات في بلدان مختلفة تسكب النفايات الملوثة في الأنهار من مصانعها أو في الهواء، ما يتسبب في مشاكل صحية خطيرة للسكان المحليين. ونرى العديد من حرائق المصانع وانهيار المباني في بلدان مثل بنغلادش ونيجيريا بسبب قيام الشركات بخفض التكاليف وتجاهل اعتبارات السلامة في تشييد المباني أو إدارة الأعمال في سعيها لتحقيق الربح بينما تغضُّ الحكومات الطّرف أو حتى تقدم لها الدعم والغطاء للانخراط في ممارسات فاسدة. ورأينا كيف أنّ ارتفاع عدد القتلى في الزلزال الذي ضرب تركيا العام الماضي حيث مات الآلاف في المباني المنهارة كان بسبب ممارسات البناء الفاسدة التي تهدف إلى تعظيم الربح والإيرادات، والتي تورطت فيها الشركات والحكومة.
من الواضح أن النظام الرأسمالي قد انتهى ولم يعد صالحاً لإدارة حياة الناس. إنه نظام يغذي العقليات، ويخلق بيئة، ويمرر القوانين والسياسات ويشجع القرارات التي يكون فيها تأمين المكاسب المالية أمرا بالغ الأهمية، بينما رعاية الناس هي فكرة ثانوية، وغالبا ما يتم تجاهلها لصالح الشركات الكبرى أو الأثرياء. وبصفتنا مسلمين، يجب أن يكون هذا بمثابة تذكير بأن أي نظام من صنع الإنسان سيفشل في رعاية البشرية بشكل فعّال. إنّ النظام السياسي الإسلامي، كما أمر به خالق الكون سبحانه وتعالى، هو الذي يجسّد جميع القوانين والمبادئ لرعاية احتياجات الناس بصدق وإخلاص، ولا يضع الرّبح أبداً فوق رفاهيتهم. إن إزالة الأنظمة الرأسمالية الفاسدة وغيرها من الأنظمة التي صنعها الإنسان والتي تعمل حالياً في بلادنا الإسلامية وتطبيق النظام الإسلامي السامي بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، هو وحده الذي يحمل وعداً بقيادة قائمة على الرعاية، ومستقبلا مزدهرا وأخلاقيا وعادلا وآمنا للمنطقة، والذي سيكون بمثابة نموذج لدول العالم حول كيفية حكم البشرية.
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسماء صديق
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير