- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تملُّك المعادن من طرف الخواص حرام، وبيعُها للكفار أشدُّ حرمة!
الخبر:
نشرت مواقع عدة على الإنترنت بتاريخ 2024/10/18، خبراً عن بيع شركة مناجم المغربية (التابعة للهولدينغ الملكي) إحدى شركاتها وتدعى أومرجان إلى شركة بريطانية تدعى MetalNRG المدرجة في بورصة لندن، بمبلغ 32 مليون دولار (شركة MetalNRG، مدعومة مالياً من شركة Orion، وهي شركة إدارة أصول مقرها نيويورك)، ومن شأن هذه الصفقة، التي تُعد جزءاً من استراتيجية إعادة التركيز على المشروعات الضخمة، أن تمكّن شركة مناجم من تعزيز مكانتها في سوق التعدين.
تنشط الشركة المغربية في إنتاج مركزات النحاس منذ عام 2014، وقد سجلت إنتاج 3 آلاف طن من معدن النحاس في عام 2023. وتمثل هذه الصفقة خطوة رئيسية في استراتيجية شركة مناجم وهي تتطلع إلى المستقبل بطموح لتعزيز مكانتها في سوق التعدين. ومن خلال التخلص من الأصول الصغرى، تأمل المجموعة في تركيز مواردها وخبراتها على المشاريع الكبيرة، مع الحفاظ على معايير عالية في إدارة عملياتها.
التعليق:
لقد قررت أحكام الفقه الإسلامي أن المعادن ذات الكميات الكبيرة هي من الملكية العامة ولا يجوز تملُّكها من الأفراد، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
"ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَعَادِنَ النِّفْطِ وَالقِيرِ وَالمِلحِ وَالمَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ المَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ لاَ تُمْلَكُ بِالإِحْيَاءِ، وَلاَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهَا لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ وَفَدَ إِلَى رَسُول اللَّهِ فَاسْتَقْطَعَهُ المِلحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَال رَجُلٌ مِنَ المَجْلِس: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ المَاءَ العَذْبَ (وفي رواية الماء العد، أي الكثير غير المنقطع)، قَال: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ. وذَهَبَ المَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ المَعَادِنَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَامِدَةً أَمْ سَائِلَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ ظَاهِرَةً أَمْ فِي بَاطِنِ الأَرضِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ مِلكاً خَاصاً أَمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ مِلكٌ لِلدَّوْلَةِ تَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يُحَقِّقُ المَصْلَحَةَ العَامَّةَ بِتَأْجِيرِهَا لِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ، أَوْ إِقْطَاعِهَا لاَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ، إلا أنهم اشترطوا كما قَال البَاجي: وَإِذَا أَقْطَعَهُ فَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ انْتِفَاعاً لاَ تَمْلِيكاً، وَلاَ يَجُوزُ لِمَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الإِمَامُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلاَ يُورَثُ عَمَّنْ أَقْطَعَهُ لَهُ؛ لأَنَّ مَا لاَ يُمْلَكُ لاَ يُورَثُ. وَقَال الحنفية: لَيْسَ لِلإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لاَ غِنَى لِلمُسْلِمِينَ عَنْهُ مِنَ المَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ مَا كَانَ جَوْهَرُهَا الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي جَوَاهِرِ الأَرْضِ بَارِزاً كَمَعَادِنِ المِلحِ وَالكُحْل وَالقَارِ وَالنِّفْطِ، فَلَوْ أَقْطَعَ هَذِهِ المَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ لَمْ يَكُنْ لإِقْطَاعِهَا حُكْمٌ، بَل المُقْطَعُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، فَلَوْ مَنَعَهُمُ المُقْطَعُ كَانَ بِمَنْعِهِ مُتَعَدِّياً، وَكُفَّ عَنِ المَنْعِ وَصُرِفَ عَنْ مُدَاوَمَةِ العَمَل لِئَلَّا يَشْتَبِهَ إِقْطَاعُهُ بِالصِّحَّةِ أَوْ يَصِيرَ مِنْهُ فِي حُكْمِ الأَمْلاَكِ المُسْتَقِرَّةِ".
ومن استعراض آراء الفقهاء يظهر أن جوهر الاختلاف مردُّه بالأساس إلى كمية المعدن، فإن كان بكمياتٍ قليلة، جاز أن يتملُّكه الأفراد، أما إن كان بكمياتٍ كبيرة، فلا خلاف أنه يصبح حينها ملكاً لجماعة المسلمين، ولا يجوز أن يتملُّكه الأفراد، حتى وإن جاز إقطاعه للأفراد كما يرى المالكية (والأرجح أنهم يقصدون الكميات القليلة، لأنهم لم يعهدوا هذه المناجم الحالية ذات الكميات المرتفعة)، فإنه إقطاعٌ مؤقت ودون تملُّك.
إن الدولة المغربية عندنا لم تكتف بتمليك شركة مناجم منذ عقود معظم معادن البلاد من ذهب وفضة ونحاس وكوبالت وقصدير وفليورين وزنك و... بل أباحت لها التصرف بهذه المناجم حتى أصبحت تبيعها للكافر المستعمر علناً ودون مواربة!
إن هذه المعادن هي ملكٌ للمسلمين، وتملُّكها من الأفراد حرام، بل يجب أن يكون عائدها لبيت مال المسلمين، وإنه وإن جاز استئجار الخواص لاستخراج هذه المعادن، فإنه مجرد استئجار على ألا يكون لأولئك الخواص في تلك المعادن نصيب، بل يكون عائدها لبيت المال فقط.
إن تملُّك هذه الثروات العظيمة من الأفراد هو تفريطٌ في الملكية العامة كما قررها الإسلام، وهو أحد أسباب الفقر الذي تعاني منه البلاد، ففي الوقت الذي تستخرج القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والمعادن الأخرى من باطن الأرض، تعيش القرى الملاصقة لهذه المناجم الفقر والعوز ولا ينالها من تلك الثروات إلا تصدُّع حيطان بيوتها من التفجيرات التي يلجأ إليها للوصول إلى تلك المعادن، بينما لا تضخ شركة مناجم في ميزانية الدولة إلا كما تضخ أي شركة أخرى كضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة (إذا افترضنا أنها لا تتهرب ضريبياً، ومن ذا الذي يستطيع محاسبتها؟!)، وباستعراض ميزانية الدولة لسنة 2024 لا تكاد تجد فيها ما ينمُّ عن أن منح رخص استخراج المعادن يعود بشيء على الدولة. أي أن الدولة لا تكتفي بمنح شركة مناجم حق استغلال الثروات الباطنية، وهو مما لا يجوز شرعاً، بل إنها لا تأخذ منها شيئاً مقابل ذلك، وهو مما لا يجوز عقلاً، والآن ها هي تبيعه وكأنها تملكه ملكية فردية!
هذا أحد أسباب الضنك الذي تعيشه الأمة؛ يُفرِّط حكامها في ثرواتها ويسيئون التصرف فيما بين أيديهم، ثم يدَّعون وجود عجز في الميزانية فيلجؤون إلى المزيد من الضرائب ومزيد من الاقتراض الخارجي، ثم يسيئون التصرف مرة ثانية فيما جنوه من جيوب الناس، فينتجون عجزاً، وهكذا سنةً بعد سنةٍ، يُغرقون الدولة في الديون (جاوزت ديون المغرب في هذه السنة، 130 مليار دولار)، حتى لا يكون منها مخرجٌ إلا مزيد من بيع ممتلكات الدولة ومزيد من الارتماء في حضن الأجنبي لكيلا يمنع عنهم تدفق القروض!
إن الخلاص هو في أحكام الإسلام، وفي أحكام الإسلام وحدها، فهي وحدها التي نظّمت أحكام الملكية تنظيماً محكماً، ومنعت تغوُّل الخواص، وكفلت لكل فردٍ ما يشبع حاجاته الأساسية ويؤهله لإشباع حاجاته الكمالية، وكل من يطلب الخلاص فيما سوى أحكام الإسلام واهمٌ، ولاهثٌ وراء السراب، وها هو مثال الرأسمالية المتوحشة ماثلٌ أمام أعينكم، فاحزموا أمركم أيها العقلاء، وارفعوا أصواتكم بالمطالبة بتطبيق شرع ربكم، عسى الله أن يكتب الخير على أيديكم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله