- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح218) نقض قول القائلين بجواز تأجير الأرض للزراعة (3)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "نقض قول القائلين بجواز تأجير الأرض للزراعة (3)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 135: يُمْنَعُ تَأْجيرُ الأَرضِ لِلزِّرَاعَةِ مُطْلَقاً سَوَاءٌ أَكَانَتْ خرَاجيَّةً أَمْ عُشرِيَّةً، كَمَا تُمْنَعُ المُزَارَعَةُ. أَمَّا المُسَاقَاةُ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَةُ الثَّالِثَةُ لِلـْمَادَّةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَيَقُولُ الَّذِينَ يُجيزُونَ إِجَارَةَ الأَرْضِ: إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِ إِجَارَتِهَا بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ هُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الفَتْحِ فَقَالَ: «وَأَطْلَقَ ابنُ المُنْذِرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ» فَهَذَا الإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ".
وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ إِجَارَةِ الأَرْضِ تَنُصُّ عَلَى المَنْعِ المُطْلَقِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ r يَقُولُ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيُحْرِثْهَا أَخَاهُ، وَإِلاَّ فَلْيَدَعْهَا». (أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ)، وَيَقُولُ r: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ». (أَخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ). فَقَولُهُ: «وَإِلَّا فَلْيَدَعْهَا» وَقَولُهُ: «فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ إِجَارَةِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الأَحَادِيثَ حَصَرَتِ الحُكْمَ فِي اثنَتَينِ لَا غَيرَ كَمَا بَيَّنَّا سَابِقاً، فَإِنَّ قَولَ الرَّسُولِ r «ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ». تَخْيِيرٌ بَينَ اثْنَينِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَالإِجْمَاعُ المَذكُورُ يُجِيزُ ثَالِثًا الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ، وَهُنَا تَعَارُضٌ، فَيُعْمَدُ إِلَى التَّرجِيحِ، وَالأَحَادِيثُ المَذْكُورَةُ أَقْوَى سَنَدًا مِنْ رِوَايَةِ الإِجْمَاعِ، هَذَا فَضْلاً عَنْ أَنَّ الإِجْمَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى شَيءٍ مَوْجُودٍ يُجمْعِوُنَ عَلَى جَوَازِهِ أَوْ عَلَى مَنْعِهِ، أَمَّا الشَّيءُ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَلَا يَتَأَتَّى إِجْمَاعٌ عَلَيهِ، وَإِجَارَةُ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ لَمْ تَكُنْ مِمَّا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ. فَفِي البُخَارِي عَنْ رَافِعٍ: «فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ».
وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيسٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ r عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلاَّ هَذَا؛ فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلا بَأْسَ بِهِ». وَالـمَاذِيَانَاتُ:-كَمَا أَسْلَفْنَا- هِيَ مَا يَنْبُتُ عَلَى حَافَّةِ النَّهْرِ، وَمَسَايِلِ الـمَاءِ، وَأَقْبَالُ الجَدَاوِلِ: هِيَ أَوَائِلُ الأَنْـهَارِ الصَّغِيرَةِ.
فَهَذَانِ الحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ لَـمْ تَكُنْ هُنَالِكَ مُعَامَلَةٌ فِي تَأْجيرِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ مِـمَّا يَنفِي وُجُودَ الإِجْمَاعِ عَلَى شَيءٍ حَاصِلٍ. وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إِنَّـمَا هُوَ كَشْفٌ عَنْ دَلِيلٍ، وَلَيسَ رَأْيًا لَـهُمُ اجتَمَعُوا وَتَنَاقَشُوا فِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيهِ. فَإِجْمَاعُهُمْ أَنَّ هَذَا الفِعْلَ حُكْمُهُ كَذَا يَعنِي أَنَّـهُمْ سَمِعُوا الرَّسُولَ rقَالَ هَذَا الحُكْمَ أَوْ رَأَوْهُ فَعَلَهُ أَوْ سَكَتَ عَنهُ فَأَخْبَرُوا بِالحُكْمِ، وَلَمْ يَرْوُوا الدَّلِيلَ. وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ شَيءٍ حَاصِلٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا شُرِّعَتْ تَنَزُّلاً عَلَى أَفْعَالٍ حَصَلَتْ وَحَوَادِثَ جَرَتْ، وَلَيْسَتْ فُرُوضاً نَظَرِيَّةً، وَمِنْ هُنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إِجْمَاعًا عَلَى شَيءٍ مَوجُودٍ.
وَمَا دَامَ انتَفَى وُجُودُ مُعَامَلَةِ تَأجيرِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ بِنَصِّ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدِ انتَفَى وُجُودُ إِجْمَاعٍ لِلصَّحَابَةِ عَلَيهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ t عَلَى المِنْبَرِ عَلَى مَلأٍ مِنَ المُسلِمِينَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ». (ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الخَرَاجِ عَنْ سَالِـمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ). فَنَفَى أَنْ يَكُونَ لِلمُحْتَجرِ أَيُّ حَقٍّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَولِهِ: «حَقٌّ» لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَهِيَ تَشْمَلُ نَفْيَ كُلِّ حَقٍّ. فَلَو كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجّرَهَا بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ لَمَا أُخِذَتْ مِنهُ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَدْ قَالَهُ عُمَرُ وَعَمِلَ بِهِ عَلَى مَرْأَى وَمَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيهِ فَكَانَ إِجْمَاعاً.
وَيَقُولُ الَّذِين يُجيزُونَ إِجَارَةَ الأَرْضِ: "إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهَا مَا رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَنْهَ عَنِ المُزَارَعَةِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً مَعْلُوماً». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)، وَقَدَ ذَكَرَ الخَبَرَ ابنُ مَاجَه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ إِكْثَارَ النَّاسِ فِي كِرَاءِ الأَرْضَ قَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «أَلا مَنَحَهَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كِرَائِهَا».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ r لَـمْ يُحَرِّم المُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَنْ يُرفِقَ بَعضُهُمْ بِبَعْضٍ بِقَولِهِ r: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ». (أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ). وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ثَابِتٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ، وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ، وَقَالَ: لا بَأْسَ بِهَا». (أَخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتِ ابْنِ الضَّحَّاكِ). فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ.
وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَاتِهِ كُلِّهَا إِخْبَارٌ عَنْ فَهْمِهِ لِقَولِ الرَّسُولِ، وَلَيسَ رِوَايَةً عَنِ الرَّسُولِ، وَهِيَ بَيَانٌ لِمَا فَهِمَهُ مِنْ نَهْيِ الرَّسُولِ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِأَنَّهُ لَيسَ لِلتَّحرِيمِ، فَيَقُولُ: "لَـمْ يَنْهَ .. وَلَكِنْ قَالَ: ..الخ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا قَالَ ..وَلَمْ يَنْهَ".
وَأَصْرَحُ مِنهُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ إِذْ بَيَّنَ أَنَّهُ يَفْهَمْ هَذَا مِنْ قَولِ الرَّسُولِ إِذْ بَيَّنَ فَهْمَهُ بِذِكْرِ الحَدِيثِ الَّذِي فَهِمَهُ حَيثُ قَالَ: "لَمْ يُحَرِّمِ المُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَنْ يُرفِقَ بَعضُهُمْ بِبَعْضٍ بِقَولِه ..الخ". وَمَا دَامَ هُوَ فَهْماً لابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيسَ حَدِيثاً، فَلَا يُعتَبَرُ حُجَّةً، وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ.
أَمَّا حَدِيثُ ثَابِت مِنْ قَولِهِ: «وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» فَإِنَّهُ يُعَارِضُ الحَدِيثَ الآخَرَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ r عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ».(أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ رَافِع)، وَالحَدِيثُ الآخَرُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ». (أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِر)، فَقَولُهُ r: «وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ». عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مُؤَاجَرَةٍ، وَقَولُهُ r: «عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ»، «أَنْ يُؤْخَذَ أَجْرٌ». كِلَاهُمَا عَامٌّ، أَيْ أَنَّ الأَمْرَ بِالمُؤَاجَرَةِ عَامٌّ، وَالنَّهْيُ عَنْهَا عَامٌّ، وَلَا يُمكِنُ هُنَا الجَمْعُ، لِأَنَّ كُلّاً مِنْهُمَا عَامٌّ، فَلَيسَ أَحَدُهُمَا عَامّاً وَالآخَرُ خَاصّاً، أَوْ أَحَدُهُمَا عَامّاً مِنْ وَجْهٍ وَخَاصّاً مِنْ وَجْهٍ، وَالآخَرُ عَامّاً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَخَاصّاً مِنْ وَجْهٍ غَيرِ الحَدِيثِ الآخَرِ.. حَتَّى يُمكِنَ الجَمْعُ، بَلْ إِنَّ عُمُومَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُتَسَاوٍ، وَلِذَلِكَ يُعمَدُ إِلَى التَّرجِيحِ، فَيُرَجَّحُ حَدِيثُ النَّهْيِ وَيُرَدُّ حَدِيثُ الأَمْرِ لِأَنَّ النَّصَّينِ إِذَا تَعَارَضَا يُرَجَّحُ النَّهْيُ عَلَى الأَمْرِ لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ». أخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ استِدْلَالُهُمْ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.