- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح240) تضمن الدولة إيجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية
الموظفون عند الأفراد كالموظفين عند الدولة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الأَربَعِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تَضْمَنُ الدَّولَةُ إِيجَادَ الأَعْمَالِ لِكُلِّ مَنْ يَحْمِلُ التَّابِعِيَّةَ. المُوَظَّفُونَ عِندَ الأَفْرَادِ كَالمُوَظَّفِينَ عِندَ الدَّولَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 153: تَضْمَنُ الدَّولَةُ إِيجَادَ الأَعْمَالِ لِكُلِّ مَنْ يَحْمِلُ التَّابِعِيَّةَ.
المادة 154: المُوَظَّفُونَ عِندَ الأَفْرَادِ وَالشَّرِكَاتِ كَالمُوَظَّفِينَ عِندَ الدَّولَةِ فِي جَمِيعِ الحُقُوقِ وَالوَاجبَاتِ، وَكُلُّ مَنْ يَعْمَلُ بِأَجْرٍ هُوَ مُوَظَّفٌ مَهْمَا اختَلَفَ نَوعُ العَمَلِ أَوِ العَامِلُ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الأَجيرُ وَالمُسْتَأْجِرُ عَلَى الأُجْرَةِ يُحَكَّمُ أَجْرُ المِثْلِ. أَمَّا إِذَا اختَلَفُوا عَلَى غَيرِهَا فَيُحَكَّمُ عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَى حَسَبِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْمَادَّتَانِ: الثَّالِثَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ المِائَةِ، وَالرَّابِعَةُ وَالخَمْسُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ المَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 153: أَدِلَّةُ هَذِهِ المَادَّةِ كَونُهَا تَدْخُلُ فِي عُمَومِ قَولِهِ r: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ)، فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ إِيجَادَ العَمَلِ لِلقَادِرِينَ عَلَيهِ وَلَا يَجِدُونَهُ. وَكَونَ نَفَقَةِ الفَقِيرِ الَّذِي لَا قَرِيبَ لَهُ قَادِراً عَلَى الإِنْفَاقِ عَلَيهِ إِنَّمَا هِيَ عَلَى الدَّولَةِ لِقَولِهِ r: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ فَإِلَيْنَا». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ). وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ: «وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ)، أَيْ مَنْ تَرَكَ خَلَفاً ذَوِي ضَيَاعٍ. وَمَنْ وَجَبَ عَلَى الدَّولَةِ نَفَقَتُهُ وَجَبَ عَلَيهَا إِيجَادُ عَمَلٍ يَكْتَسِبُ مِنهُ لِيُنْفِقَ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابنُ مَاجَه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r يَسْأَلُهُ فَقَالَ: لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ r بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاماً فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُوماً فَأْتِنِي بِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَشَدَّ فِيهِ عُوداً بِيَدِهِ وَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَلا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَاماً وَبِبَعْضِهَا ثَوْباً، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ»، (وَأَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مُخْتَصَراً وَحَسَّنَهُ بِلَفْظٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ): «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r بَاعَ حِلْساً وَقَدَحاً وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ r مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ»، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَه أَنَّ الرَّسُولَ r قَالَ: «قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ؟»، وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثِ التِّرمِذِيِّ أَنَّ الرَّسُولَ r قَالَ: «مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟»، أَيْ أَنَّ البَيعَ تَمَّ بِطَرِيقِ المُزَايَدَةِ.
وَهَكَذَا فَإِنَّ مُبَاشَرَةَ الرَّسُولِ r لِلْعَمَلِيَّةِ بِوَصْفِهِ r رَئيساً لِلدَّولَةِ، تَعنِي أَنَّ عَلَى الدَّولَةِ إِيجَادَ عَمَلٍ لِلعَاطِلِ عَنِ العَمَلِ.
وَفَوقَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى بَيتِ المَالِ هِيَ لِلعَاجِزِ فِعْلاً أَوْ حُكْماً. فَالعَاجِزُ فِعْلاً هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى العَمَلِ، وَالعَاجزُ حُكْماً هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى العَمَلِ، وَلَا يَجِدُهُ، فَهُوَ عَاجزٌ حُكْماً وَتَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ، فَيَكُونُ تَوفِيرُ العَمَلِ لِلعَاجِزِ حُكْماً كَتَوفِيرِ النَّفَقَةِ لِلعَاجِزِ فِعْلاً سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ السُّؤَالَ أَيِ الاستِجْدَاءَ وَأَجَازَهُ مِنَ السُّلْطَانِ أَيِ مِنَ الدَّولَةِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَمُرَةَ ابْنَ جُنْدُبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَاناً أَوْ فِي أَمْرٍ لا بُدَّ مِنْهُ». (أَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ التِّرمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الزَّينُ). فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ السُّلْطَانِ أَيِ الدَّولَةِ. وَهَذَا يَعنِي أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالإِنفَاقِ عَلَيهِ أَوْ إَيجَادِ عَمَلٍ لَهُ.
ثانيا: المادة 154: دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ الإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ المُوَظَّفَ أَجيرٌ قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ). (الطلاق 6)، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ، فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّه: «قَالَ اللهُ: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إِلَى أَنْ قَالَ: «وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ». (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طِرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ).
فَإِذَا لَمْ تَكُنِ الأُجْرَةُ مَعْلُومَةً، انعَقَدَتِ الإِجَارَةُ وَصَحَّتْ، وَيُرجَعُ عِندَ الاختِلَافِ فِي مِقْدَارِهَا إِلَى أَجْرِ المِثْلِ. فَإِذَا لَمْ يُسَمَّ الأَجْرُ عِندَ عَقْدِ الإِجَارَةِ، أَوِ اخْتَلَفَ الأَجيرُ وَالمُسْتَأْجرُ فِي الأَجْرِ المُسَمَّى، فَإِنَّهُ يُرجَعُ إِلَى أَجْرِ المِثْلِ، وَذَلِكَ قِيَاساً عَلى المَهْرِ، فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ عِندَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ أَوِ الاختِلَافِ عَلَى المُسَمَّى إِلَى مَهْرِ المِثْلِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ: «عَن ابْنِ مَسْـعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقاً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا مِثْـلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا العِدَّةُ وَلَهَا المِيرَاثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ، فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ». وَمَعْنَى قَولِهِ: لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا، أَيْ لَهَا مَهْرٌ مِثْلُ مَهْرِ نِسَائِهَا. فَأَوجَبَ الشَّارِعُ مَهْرَ المِثْلِ لِمَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا اخْتُلِفَ فِي المَهْرِ المُسَمَّى. وَلَمَّا كَانَ المَهْرُ عِوَضاً لَازِماً يَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ يُقَاسُ عَلَيهِ كُلُّ عِوَضٍ لَازِمٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مُقَابِلِ هَذَا العِوَضِ، أَكَانَ مَالاً كَالبَيعِ، أَمْ مَنْفَعَةً أَمْ جُهْداً كَالإِجَارَةِ، أَمْ نِحْلَةً كَمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ.
وَعَلَيهِ، فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ فِيهِ بِعِوَضِ المِثْلِ فِي حَالَةِ عَدَمِ تَسْمِيَةِ العِوَضِ فِي العَقْدِ، أَوِ الاختِلَافِ عَلَى العِوَضِ المُسَمَّى، وَلِذَلِكَ يُحْكَمُ بِأَجْرِ المِثْلِ فِي الإِجَارَةِ، وَبِثَمَنِ المِثْلِ فِي البَيعِ، عِندَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ عِندَ العَقْدِ، وَعِنْدَ الاختِلَافِ فِي المُسَمَّى. وَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِأَجْرِ المِثْلِ عِندَ اختِلَافِ الأَجِيرِ وَالمُسْتَأْجِرِ عَلَى الأَجْرِ المُسَمَّى، وَعِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ الأَجْرِ عِندَ العَقْدِ. فَإِذَا عُرِفَتِ الأُجْرَةُ عِندَ العَقْدِ، يَكُونُ الأَجْرُ حِينَئِذٍ أَجْراً مُسَمَّىً. وَإِذَا لَمْ تُعْرَفْ أَوِ اختُلِفَ عَلَى الأَجْرِ المُسَمَّى يَكُونُ الأَجْرُ أَجْرَ المِثْلِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.