- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الحادية والعشرون
أركان الإيمان
ميزان يتألف من مجموعة من المفاهيم المؤثرة في تشكيل العقلية والنفسية، وهي:
1- الإيمان بالله: وقد ذكرنا قبل أنه المفهوم الأكبر والأساس الذي تبنى عليه كل المفاهيم والأفكار، وبه تشبع مظاهر الإحساس بالنقص والعجز والضعف والمحدودية والاحتياج من غريزة التدين، وبه مع مفاهيم أخرى يشبع الكثير من مظاهر الغرائز الأخرى، كالخوف والحزن وغيرهما، ونفصل ذلك في موضعه إن شاء الله، وعنه مع بعض المفاهيم الأخرى تنبثق أحكام السلوك (التي سنعرض لها في موقعها من الميزان بإذن الله).
2- الإيمان بالملائكة: وهم مخلوقات غيبية لا تقع تحت حس الإنسان، لهم وظائف وأعمال كثيرة، ندرك بالإيمان بهم وبمعرفة أعمالهم ووظائفهم عظمة الله تعالى وواسع قدرته، وندرك أيضاً بعض أعمالهم المتعلقة بنا كحمايتهم وحفظهم لنا، وندرك أنهم يسجلون أعمالنا وأقوالنا، فنزداد خشية لله تعالى، ونزداد استمراراً في طاعته سبحانه، والبعد عن معصيته.
3-4 الإيمان بالكتب السابقة والرسل السابقين: نؤمن أن الله سبحانه وتعالى أرسل الكثير من الرسل والأنبياء، وأنزل معهم الكتاب (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)، فندرك بهذا الإيمان حاجة البشر كلهم عبر تاريخهم إلى ميزان الله تعالى ليَزِنوا به فكرهم ونفسيتهم وسلوكهم، وأنهم – أي البشر – بغير رسل الله وبغير رسالاته وبغير ميزانه ضالّون ضائعون خاسرون، فنزداد يقيناً برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه من كتاب وسنة، وما فيهما من ميزان قويم لحياتنا، فنكون أحرص على التزام ما أمرنا الله سبحانه وتعالى واجتناب ما نهانا عنه، ونعتبر مما حصل مع أقوام الرسل السابقين، وما أصابهم من غضب الله عز وجل وعذابه لما خالفوا أوامره واقترفوا نواهيه، فلا نقع في شيء لما وقعوا فيه.
6- الإيمان باليوم الآخر:
ميزان عظيم، تقوم عليه الحياة الدنيا كلها، لأنه مكان الحساب عن الحياة الدنيا، وفيه الثواب والعقاب، وفيه الفوز العظيم، أو الخسران المبين، وبالإيمان باليوم الآخر تتشكل الحياة الدنيا والنظرة إليها تشكلاً خاصاً متناسباً معه، يصاغ شعور الخوف من العذاب، وشعور الطمع في الثواب، وأمام هذين الشعورين يهون كل خوفٍ في الحياة الدنيا، ويصغر كل طمع في الحياة الدنيا، فلا يطمع العبد في شيء من متاع هذه الحياة الدنيا الزائل، ويزهد في الدنيا وما فيها، ولا يخاف العبد شيئاً في هذه الحياة الدنيا إزاء الخوف الحقيقي من الله سبحانه ومن عذابه في الآخرة، ويمتثل أوامر الله تعالى ويجتنب نواهيه.
و بهذا جاء الأمر من الله تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا)، ومدح الله سبحانه نبيه زكريا وولده يحيى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
وبالإيمان باليوم الآخر يحل السؤال الثالث من أسئلة العقدة الكبرى، وهو: إلى أين ؟، فترتبط الحياة الدنيا بالحياة الآخرة، وتصبح الحياة الدنيا عند الإنسان سُلَّماً وطريقاً يسير به نحو الفوز في الحياة الآخرة، فينضبط سلوك العبد في الدنيا بما يتناسب مع تلك الغاية، وتنساق أعماله ضمن ميزان سلوكي محدد ينبثق عن حل العقدة الكبرى، عن العقيدة، عن الإيمان بالله واليوم الآخر.
فلا عجب أن يرتبط الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله أكثر من عشرين مرة في القرآن الكريم، وفي عشرات من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي التذكرة بالإيمان باليوم الآخر خيرُ موعظة وذكرى للمسلم، خاصة لمن تشكل لديه ميل الخوف من القبر وعذابه، والبعث وأهواله، والعرض وما يصاحبه من شدة على الناس، فيصبح ميل الخوف مؤثراً في شخصية العبد، يدفعه للطاعة، ويجنبه المعصية.
6- الإيمان بالقدر خيره وشره، من الله تعالى
وهو ميزان يحدد موقف الإنسان من كلَّ ما حوله وما يقع عليه حسه وما فيها كلها من خواصَّ مفروضةٍ عليها، وأن هذه الخواص وما ينتج عنها من خير أو شر إنما هي من الله تعالى وبتقدير الله سبحانه، وكذلك ما في الإنسان نفسه من خواصَّ وما ينتج عنها من خير أو شر إنما هي من الله تعالى، سواءٌ أكانت هذه الخواصّ بيولوجية متعلقة ببدنه وتركيبه البيولوجي، أم كانت متعلقة بنفسه بما فيها من حاجات عضوية وغرائز، أم كانت متعلقة بعقله وتفكيره وخواص دماغه، فيؤمن العبد أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، وهو الذي قدر في كل مخلوقاته خواصّ قد تنتج خيراً أو شراً، وكذلك على الإنسان أن يستخدم هذه الخواصّ سواءٌ أكانت فيه أم في الأشياء التي حوله أن يستخدمها لتنتج خيراً، لينال الخير والأجر والثواب، علماً أن الله سبحانه أعطانا أيضاً ميزاناً للخير والشر سنبينه بعد قليل إن شاء الله.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد - الأردن