- الموافق
- 3 تعليقات
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة - أبو مالك
(الحلقة الثانية عشرة - البدعة: إذن فالعمل على التغيير قوامه تغيير دار الكفر إلى دار الإسلام)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
إذن فالعمل على التغيير قوامه تغيير دار الكفر إلى دار الإسلام.
لا بأس هنا أن نبدأ بهذه المقدمة التوضيحية: يجدر التنبه إلى الفرق بين إقامة أول دار إسلام، وبين انتشار دار الإسلام وتوسعها، ففي حال انعدام دار الإسلام وسواد أنظمة الكفر وعلو قيمها في المجتمع وإقامة السلطان على أساسها، فإن العمل يكون بالتزام طريقة الرسول ﷺ في مكة المكرمة في مرحلة ما قبل إقامة الدولة، فهذا مناط الحكم الذي كان العمل فيه تغيير دار الكفر إلى دار إسلام، ومن ثم حين تقوم الدولة، وتقوم دار الإسلام الأولى، تتوسع الدولة بالدعوة والجهاد، كما هو الحال في عمل الرسول ﷺ في توسيع رقعة الدولة وبسط هيمنتها على أرجاء الأرض.
والحالة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها هي مرحلة محاولة الحاكم في دار الإسلام أن يحول الدار إلى دار كفر بإظهار كفر بواح، [أي أن الدولة الإسلامية قائمة بالفعل، ولكن الحاكم أظهر أعمالاً أو أقوالاً فيها كفر بواح ـ ظاهر لا مرية فيه ـ ] فهذه الحالة يرفع في وجهه السيف لمنع ذلك، عملا بحديث الرسول ﷺ: «عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي ﷺ قال دعانا النبي ﷺ فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان». رواه البخاري، ومعنى «إلا أن تروا»: أنكم لم تكونوا ترونه من قبل، أي كانت دار إسلام تعلو فيها أحكام الإسلام وتظهر، ويريد الحاكم إظهار أحكام الكفر، فتنقلب الدار لدار كفر، ففي مرحلة محاولة فرض أحكام الكفر، وطالما لم تظهر في المجتمع ولم يتحول السلطان على أساسها لسلطان يحكم بالكفر، في هذه المرحلة يكون التغيير على الحاكم بالقوة لمنعه من إعلاء كلمة الكفر في المجتمع، والحكم هنا هو رفع السيف لمنع حصول ذلك. أما إن استقر له حكم الكفر، وظهر في المجتمع، وأضحت منكراتُ الإسلام في المجتمع أعرافا مرضية غير منكرة، فعندها تنقلب الدار إلى دار كفر ويعمل على التغيير فيها دون استعمال السيف، إذ يكون مناط الحكم فيها هو عمل الرسول ﷺ في مكة على التغيير مع النهي في أكثر من نيف وسبعين دليلا عن استعمال الاعمال المادية في تلك الحالة.
مقدمة ضرورية لاستنباط طريقة الرسول ﷺ في العمل شرعاً:
وجوب التأسي بفعل الرسول ﷺ [1]:
من المعلوم أن أفعال الرسول ﷺ على ثلاثة أقسام،
- جِبِلَّيَّةٍ، (طبيعية؛ وفق الطبيعة البشرية)، كالقيام والقعود والمشي وهي على الإباحة بالنسبة له ﷺ وللمسلمين، ولا تدخل في التكليف[2]، أما الاقتداء بطريقة الرسول ﷺ في المباحات ففيه ثواب كمن يشرب الماء بنفس الطريقة (الطرق) التي شرب بها الرسول ﷺ، فيجب أن نفرق بين الفعل الجبلي المباح كالأكل والشرب وبين الاقتداء بطريقة الرسول عليه الصلاة السلام في القيام بالأفعال الجبلية لأنها محل اقتداء، فالقيام بالفعل الجبلي مباح ولكن القيام به وفق الطريقة التي كان يقوم بها الرسول ﷺ يعتبر من السنة ويثاب المقتدي بها.
- وأفعالٍ خاصةٍ به ﷺ لا يشاركه فيها أحد، كاختصاصه ﷺ بوصل الصيام، وكجمعه ﷺ بين تسع زوجات،
- والقسم الثالث: سائر الأفعال، وهي على نوعين:
أ) أولهما: الأفعال التي هي بيان لنص مجمل جاء في القرآن، فبيانه تشريع لنا، ويثبت الحكم في حقنا، ويأخذ المبين حكم البيان،
ب) وثانيهما: الأفعال التي لم يقترن بها ما يدل على أنها للبيان، فهي إما أن يظهر فيها قصد القربة وإما أن لا يظهر، فإن ظهر قصد القربة إلى الله كصيام يوم عاشوراء فهي تدخل في باب المندوب، وإن لم يظهر فيها قصد القربة كاختيار مكان معين للمعركة، فهي تدخل في المباح[3].
ولا نزاع في أننا مأمورون بالإقتداء بالرسول ﷺ، ولا نزاع في أن أفعاله أدلة شرعية، ولا نزاع في وجوب التأسي بالرسول ﷺ، أي القيام بمثل الفعل الذي قام به، على وجهه، من أجل فعله. لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، وهذا مجراه مجرى الوعيد فيمن ترك التأسي به وبالتالي فهي قرينة على الوجوب، ولا معنى للتأسي به إلا أن يفعل الإنسان مثل فعله، على الوجه الذي فعله الرسول ﷺ.
فالله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (63)، فدل ذلك على وجوب طاعة الرسول ﷺ فيما يأمر به، (ملاحظة: الآية وإن ذكرت: الأمر،﴿ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ فإنها لا تقتصر في التحذير على القول دون الفعل، قال الرازي في المحصول في شأن هذه الآية: والأمر حقيقة في الفعل.) ولكنه لا يدل على وجوب القيام بما يأمر به[4]، بل القرينة تصرف الأمر إلى الوجوب أو الندب أو الإباحة، فيكون القيام به حسب ما أمر به، فالتأسي واجب، ولكن القيام بالفعل يكون على وجهه، فإن كان الفعل واجبا وجب القيام به، وإن كان مندوبا، كان القيام به مندوبا، وإن كان مباحا كان القيام به مباحا، فلو كان فعله واجبا أو مباحا وفعلناه مندوبا لما حصل التأسي.
والتقيد بالحكم الشرعي واجب، سواء كان دليله القرآن أو السنة، وسواء أكانت سنة قولية أو فعلية أو تقريرية، فالتقيد بها واجب، لقوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، النساء 65، و ﴿مَا﴾ في قوله ﴿فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ صيغة من صيغ العموم، فتعم كل ما شجر بين المؤمنين من شأن، ولقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ والردّ إلى الرسول بعد وفاته هو الرد إلى سنّته، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا﴾، الأحزاب 36. ودلالة قوله تعالى هنا ﴿وَمَا كَانَ﴾ "وإقحام ﴿كَانَ﴾ في النفي أقوى دلالة على انتفاء الحكم لأن فعل {كان} لدلالته على الكون، أي الوجود يقتضي نفيُه انتفاء الكون الخاص برمته"[5]، وجاءت كلمة ﴿أَمْرًا﴾ مفعولا به للفعل قضى، وجملة ﴿إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ جملةٌ شرطيةٌ وليست جملة منفية، ولذلك فقد جاءت كلمة ﴿أَمْرًا﴾ نكرة في سياق الشرط ولذلك هي تعم، لاحظ أن النفي ليس لجملة ﴿إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا﴾ بل النفي ورد في قوله ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة﴾ فنفى التخيير للمؤمنين بشرط أن يقضي الله ورسوله أمرا، ومن المعروف أصوليا أن النكرة سواء في سياق الشرط أو سياق النفي بأنها تعم سواء باشرها النفي نحو ما أحد قائم أم باشر عاملها نحو ما قام أحد، وسواء كان النافي «ما»، أم «لم»، أم غيرها"[6]. "ولهذا شدد في خلاف ذلك، فقال ﴿وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾"[7]، وهذه أيضا قرينة على وجوب العمل بالأمر، قولا كان أم فعلاً، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الحشر 7.
فهذه النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة صريحة في وجوب الأخذ بالسنّة كالأخذ بالكتاب، وبذلك فإن التأسي بالرسول ﷺ فرض من رب العالمين، وأفعاله ﷺ سنة، أي طريقة واجبة الاتباع على الوجه الذي دلت عليه، وهي أحكام شرعية كالقرآن الكريم سواء بسواء. من هنا فالتأسي بالرسول ﷺ في طريقته في التغيير واجبة شرعاً.
[1] الشخصية الإسلامية، تقي الدين النبهاني: الجزء الثالث، باب أفعال الرسول ﷺ، والمحصول في أصول الفقه للرازي، الجزء الثالث، الآمدي في الإحكام، الطريق إلى دولة الخلافة لمحمد الشويكي.
[2] الواضح في أصول الفقه، محمد حسين عبد الله، ص 71
[3] الواضح في أصول الفقه، محمد حسين عبد الله، ص 71
[4] اختلفت كلمة الأصوليين في معنى الأمر فقيل إن الأمر للوجوب، وقيل للندب، وقال آخرون للإباحة، وكل حاول إثبات رأيه بشيء من الأدلة، والحق أن معنى الأمر يجب أن يلتمس من اللغة، لأن الشرع لم يضع له معنى شرعيا، والأمر في وضع اللغة يفيد الطلب على وجه الإستعلاء، والأمر: الطلب أو المأمور به، وعلى ذلك فإن الأصل في معنى الأمر هو الطلب، والقرائن هي التي تبين أنواع الأمر من جزم وغير جزم أو تخيير. تيسير الوصول إلى الأصول للعلامة عطاء بن خليل أبو الرشتة، ج1 ص 13
[5] التحرير والتنوير لابن عاشور، أي أن الآية تقتضي منع التخيير في أي أمر، مهما كان، حين حصول القضاء في ذلك الأمر!
[6] الشخصية الإسلامية، تقي الدين النبهاني: الجزء الثالث، طرق ثبوت العموم للفظ
[7] تفسير ابن كثير.
وسائط
3 تعليقات
-
بارك الله فيكم
-
أدامكم الله سندا لخدمة هذا الدين .. وسدد رميكم وثبت خطاكم .. ومكنكم من إعلاء راية الحق راية العقاب خفاقة عالية .. شامخة تبدد كل المكائد والخيانات والمؤامرات.. اللهمّ آمين، إنه نعم المولى ونعم النصير..
-
بارك الله فيكم و نفع بكم