- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح102) مشروع الدستور - أحكام عامّة - تبني الخليفة (2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُور - أحكَامٌ عَامَّةٌ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 4 - لا يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ أيَّ حُكْمٍ شَرعِيٍّ مُعَيَّنٍ فِي العِبَادَاتِ مَا عَدَا الزَّكَاةَ وَالجِهَادَ، وَلا يَتَبَنَّى أيَّ فِكْرٍ مِنَ الأفكَارِ المُتَعَلِّقَةِ بِالعَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورِ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ المُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةَ الرَّابِعَةُ مِنهُ, ذَكَرنَا سَبعَ نُقَاطٍ مِنْ أَدِلَّتِهَا, وَهَا نَحنُ نُوَاصِلُ بَيَانَ الأَدِلَّةِ مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- بِنَاءً عَلَى هَذَينِ الأمرَينِ: الحَرَجِ، وَمُخَالَفَةِ وَاقِعِ التَّبَنِّي، لا يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ فِي أفكَارِ العَقَائِدِ, وَلا فِي أحكَامِ العِبَادَاتِ. إِلاَّ أنَّهُ إِذَا وَرَدَ نَهْيٌ صَرِيحٌ فِي الكِتَابِ وَالسُنَّةِ عَنْ عَقِيدَة, فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَبَنَّى وَلَو كَانَ فِيهِ حَرَجٌ، وَلَو كَانَ مُخَالِفًا لِوَاقِع التَّبَنِّي، تَرجِيحًا لِلنَّصِّ القَطعِيِّ، مِثلُ جَعْلِ العَقَائِدِ لا تُؤخَذُ إِلاَّ عَنْ يَقِينٍ.
- إِذَا كَانَتْ رِعَايَةُ شُؤُونِ المُسلِمِينَ تَستَلزِمُ جَمْعَهُمْ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ تَرجِيحًا لِلنُّصُوصِ الَّتِي تُحَتِّمُ الـمُحَافَظَةَ عَلَى الجَمَاعَةِ وَالمُحَافَظَةَ عَلَى وَحْدَةِ الدَّولَةِ. مِثلُ تَعيِينِ مَوَاقِيتِ الحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالأعيَادِ، وَمِثلُ الزَّكَاةِ وَالجِهَادِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَبَنَّى الخَلِيفَةُ حُكْمًا شَرعِيًا مُعَينًا، لأنَّهُ بِالنِّسبَةِ لِلعَقِيدَةِ لا يَكُونُ إِكرَاهًا عَلَى تَركِ اعتِقَادٍ، بَلْ إِجبَارًا عَلَى التَّقَيُّدِ بِمَا اعتُقِدَ, وَهُوَ النَّصُّ القَطعِيُّ الثُّبُوتِ, القَطعِيُّ الدَّلالَةِ، وَبِالنِّسبَةِ لِلعِبَادَاتِ لا يَكُونُ فِيهِ حَرَجٌ لأنَّهُ لَيسَ مِمَّا يَختَصُّ بِعَلاقَةِ الإِنسَانِ وَرَبِّهِ وَحْدَهَا كَالصَّلاةِ, بَلْ بِهَا وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِعَلاقَاتِ النَّاسِ، كَالأعيَادِ. وَمِنْ هُنَا جَازَ التَّبَنِّي فِي هَاتَينِ الحَالَتَينِ مِنَ العَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ.
3- الذِي يُعيِّنُ الفِكْرَ كَونَهُ مِنَ العَقِيدَةِ أو مِنَ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ, هُوَ دَلِيلُهُ الشَّرعِيُّ، فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ خِطَابًا مُتَعَلِّقًا بِأفعَالِ العِبَادِ كَانَ حُكْمًا شَرعِيًا؛ لأنَّ الحُكْمَ الشَّرعِيَّ هُوَ خِطَابُ الشَّارِعِ المُتَعَلِّقُ بِأفعَالِ العِبَادِ، وَإِنْ كَانَ غَيرَ مُتَعَلِّقٍ بِأفعَالِ العِبَادِ فَهُوَ مِنَ العَقِيدَةِ، وَأيضًا فَإِنَّ الفَرْقَ بَينَ العَقِيدَةِ وَالحُكْمِ الشَّرعِّي هُوَ أَنَّ مَا طُلِبَ الإِيمَانُ بِهِ هُوَ كَانَ مِمَّا لا يُطلَبُ فِيهِ العَمَلُ كَالقَصَصِ وَالإِخبَارِ بِالمُغَيَّبَاتِ فَإِنَّهُ مِنَ العَقِيدَةِ، وَمَا طُلِبَ فِيهِ العَمَلُ فَهُوَ مِنَ الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
4- قَولُهُ تَعَالَى: (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (وَاذكُر فِي الكِتَابِ مَريَمَ) الآيَاتِ، وَقَولُهُ تَعَالَى: (يَومَ يَكُونُ النَّاسُ كَالفَرَاشِ المَبثُوثِ وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالعِهنِ المَنفُوشِ)، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ العَقِيدَةِ؛ لأنَّهُ غَيرُ مُتَعَلِّقٍ بِأفعَالِ العِبَادِ، وَلأنَّهُ مِمَّا طُلِبَ فِيهِ الإِيمَانِ أو لَمْ يُطلَبْ فِيهِ العَمَلُ.
5- قَولُهُ تَعَالَى: (وَأحَلَّ اللهُ البَيعَ)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، وَقَولُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَينَ النَّاسِ أنْ تَحكُمُوا بِالعَدْلِ)، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الأحكَامِ الشَّرعِيَّةِ؛ لأنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأفعَالِ العِبَادِ، وَلأنَّهُ مِمَّا طُلِبَ فِيهِ العَمَلُ.
6- عَلَى هَذَا فَإِنَّ كَونَ رَسُولِ اللهِ r خَاتَمَ النَّبِيِّينَ يُعتَبَرُ مِنَ العَقِيدَةِ؛ لأنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا طُلِبَ فِيهِ الإِيمَانُ، وَلَكِنَّ الإِمَامَةَ أيِ الخِلافَةَ لَيسَتْ مِنَ العَقِيدَةِ لأنَّهَا مِمَّا طُلِبَ فِيه العَمَلِ، وَكَونَ النَّبِيِّ r مَعصُومًا يُعتَبَرُ مِنَ العَقِيدَةِ, وَلِكِنَّ كَونَ الخَلِيفَةِ قُرَشِيًا أو مِنْ آلِ البَيتِ أو أيِّ مُسلِمٍ مِنَ المُسلِمِينَ هُوَ مِنَ الأحكَامِ الشَّرعِيَّةِ وَلَيسَ مِنَ العَقِيدَةِ، لأنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مِنْ أفْعَالِ العِبَادِ, وَهُوَ شُرُوطُ الخَلِيفَةِ. وَهَكَذَا فَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِأفعَالٍ أو مَا طُلِبَ فِيهِ الإِيمَانُ يُعتَبَرُ مِنَ العَقَائِدِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ أفعَالِ العِبَادِ أو مَا طُلِبَ فِيهِ العَمَلُ فَيُعتَبَرُ مِنَ الأحكَامِ الشَّرعِيَّة
7- وَاقِعُ العَقِيدَةِ هُوَ أنَّهَا فِكْرٌ أسَاسِيٌّ، لأنَّ مَعنَى كَونِهَا عَقِيدَةً أنْ تُتَّخَذَ مِقيَاسًا أسَاسِيًا لِغَيرِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الفِكْرُ أسَاسِيًا لا يُعتَبَرُ مِنَ العَقِيدَةِ. ثُمَّ إِنَّ العَقِيدَةَ هِيَ الفِكْرَةُ الكُلِّيةُ عَنِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ وَمَا قَبلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَمَا بَعدَهَا وَعَلاقَتِهَا بِمَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا. وَهَذَا تَعرِيفٌ لِكُلِّ عَقِيدَةٍ وَيَنطَبِقُ عَلَى العَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ, وَتَدخُلُ فِيهَا المغيَّباتُ.
8- كُلُّ فِكْرٍ مِنْ أفكَارِ هَذِهِ الفِكْرَةِ الكُلِّيةِ هُوَ مِنَ العَقِيدَةِ، فَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللهِ وَبِيَومِ القِيَامَةِ وَبِخَلْقِ العَالَمِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، هُوَ مِنَ العَقِيدَةِ، وَكُلُّ مَا لا عَلاقَةَ لَهُ بِذَلِكَ لا يُعتَبَرُ مِنَ العَقِيدَةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.