- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 45)
معنى المِلكيَّة في الإسلام
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "مَعنَى المِلكِيَّةِ فِي الإِسلامِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 73) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"حَقُّ المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ لِلفَردِ، فَلَهُ أنْ يَتَمَلَّكَ أمْوَالاً مَنقُولَةً وَغَيرَ مَنقُولَةٍ. وَهَذَا الحَقُّ مَصُونٌ وَمُحَدَّدٌ بِالتَّشرِيعِ وَالتَّوجِيهِ. وَحَقُّ المِلْكِيَّةِ هَذَا مَعَ كَونِهِ مَصلَحَةً ذَاتَ قِيمَةٍ مَالِيَّةٍ يُحَدِّدُهَا الشَّرعُ، فَإِنَّهُ يَعنِي أنَّ مَعنَى المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ هُوَ أنْ يَكُونَ لِلفَردِ سُلطَانٌ عَلَى مَا يَمْلِكُ لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ، كَمَا لَهُ سُلطَانٌ عَلَى أعمَالِهِ الاختِيَارِيَّةِ.
وَلِذَلِكَ نَجِدُ أنَّ تَحدِيدَ حَقِّ المِلْكِيَّةِ أمُرٌ بَدِيهِيٌّ فِي حُدُودِ أوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ. وَقَد ظَهَرَ تَحدِيدُ المِلْكِيَّةِ هَذَا فِي أسبَابِ التَّمَلُّكِ المَشرُوعَةِ، الَّتِي بِهَا يَتَقَرَّرُ حَقُّ المِلكِيَّةِ، وَفِي الأحوَالِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيهَا العُقُوبَاتُ، واَلأحوَالِ الَّتِي لا تَتَرَتَّبُ عَلَيهَا عُقُوبَاتٌ، مِثلُ تَعرِيفِ السَّرِقَةِ، وَمَتَى تُسَمَّى سَرِقَةً، وَتَعرِيفِ السَّلْبِ، وَتَعرِيفِ الغَصْبِ .. الخ.
كَمَا ظَهَرَ هَذَا التَّحْدِيدُ أيضًا فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي المِلْكِيَّةِ، وَالأحْوَالِ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا هَذَا التَّصَرُّفُ، وَالأحْوَالُ الَّتِي يُمْنَعُ فِيهَا هَذَا التِّصَرُّفُ، وَفِي تَعرِيفِ تِلْكَ الأحوَالِ وَبَيَانِ حَوَادِثِهَا. وَالإِسلامُ حِينَ يُحَدِّدُ المِلْكِيَّةَ لا يُحَدِّدُهَا بِالكَمِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يُحَدِّدُهَا بِالكَيفِيَّةِ وَيَظْهَرُ هَذَا التَّحدِيدُ بِالكَيفِيَّةِ بِارِزًا فِي الأُمُورِ الآتِيَةِ:
- بِتَحدِيدِهَا مِنْ حَيثُ أسْبَابِ التَّمَلُّكِ، وَتَنمِيَةِ المِلْكِ، لا فِي كَمِّيَّةِ المَالِ المَملُوكِ.
- بِتَحْدِيدِ كَيفِيَّةِ التَّصَرُّفِ.
- بِكَونِ رَقَبَةِ الأَرضِ الخَرَاجِيَّةِ مُلْكاً لِلدَّولَةِ لا لِلأفَراَدِ.
- بِصَيرُورَةِ المِلكِيَّةِ الفَردِيَّةِ مِلْكاً عَامًّا جَبرًا فِي أحوَالٍ مُعَيَّنَةٍ.
- بِإعْطَاءِ مَنْ قَصَّرَتْ بِهِ الوَسَائِلُ عَنِ الحُصُولِ عَلَى حَاجَتِهِ مَا يَفِي بِتِلْكَ الحَاجَة فِي حُدُودِهَا.
وَبِهَذَا يَظهَرُ أنَّ مَعنَى المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ هُوَ إِيجَادُ سُلطَانٍ لِلفَردِ عَلَى مَا يِمْلِكُ، عَلَى كَيفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَدَّدَةٍ، جَعَلَتِ المِلْكِيَّةَ حَقًا شَرْعيًا لِلفَردِ. وَقَدْ جَعَلَ التَّشرِيعُ صِيَانَةَ حَقِّ المِلْكِيَّةِ لِلفَردِ وَاجِبًا عَلَى الدَّولَةِ، وَجَعَلَ احتِرَامَهَا وَحِفْظَهَا وَعَدَمَ الاعتِدَاءِ عَلَيهَا أمْرًا حَتْمِيًا. وَلِذَلِكَ وُضِعَتِ العُقُوبَاتُ الزَّاجِرَةُ لِكُلِّ مَنْ يَعبَثُ بِهَذَا الحَقِّ، سَوَاءٌ بِالسَّرِقَةِ أوِ السَّلْبِ، أو أيِّ طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ غَيرِ المَشرُوعَةِ. فَقَدْ وَضَعَ التَّشرِيعُ لَهُ عُقُوبَةً زَاجِرَةً، وَوُضِعَتِ التَّوجِيهَاتُ التَّهذِيبِيَّةُ لِكَفِّ النُّفُوسِ عَنِ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا لَيسَ لَهَا فِيهِ حَقٌّ مِنْ حِقُوقِ المِلْكِيَّةِ، وَمَا هُوَ دَاخِلٌ فِي مِلْكِ الآخَرِينَ. فَالمَالُ الحَلالُ هُوَ الَّذِي يَنطَبِقُ عَلَيهِ مَعنَى المِلْكِيَّةِ، وَالمَالُ الحَرَامُ لَيسَ مِلْكًا، وَلا يَنطَبِقُ عَلَيهِ مَعنَى المِلْكِيَّةِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
- المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ لِلفَردِ، فَلَهُ أنْ يَتَمَلَّكَ أمْوَالاً مَنقُولَةً وَغَيرَ مَنقُولَةٍ.
- المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ حَقٌّ مَصُونٌ وَمُحَدَّدٌ بِالتَّشرِيعِ وَالتَّوجِيهِ.
- حَقُّ المِلْكِيَّةِ هُوَ مَصلَحَةٌ ذَاتُ قِيمَةٍ مَالِيَّةٍ يُحَدِّدُهَا الشَّرعُ.
- مَعنَى المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ هُوَ أنْ يَكُونَ لِلفَردِ سُلطَانٌ عَلَى مَا يَمْلِكُ لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ.
- تَحدِيدُ حَقِّ المِلْكِيَّةِ أمُرٌ بَدِيهِيٌّ فِي حُدُودِ أوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ.
- ظَهَرَ تَحدِيدُ المِلْكِيَّةِ فِي الأُمُورِ الثَلاثَةِ الآتِيَةِ:
أ- فِي أسبَابِ التَّمَلُّكِ المَشرُوعَةِ، الَّتِي بِهَا يَتَقَرَّرُ حَقُّ المِلكِيَّةِ, يَجُوزُ فِيهَا التَّمَلُّكُ, وَأسبَابُ التَّمَلُّكِ غَيرِ المَشرُوعَةِ, لا يَجُوزُ فِيهَا التَّمَلُّكُ. ب- فِي الأحوَالِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيهَا العُقُوبَاتُ, كَالسَّرِقَةِ مَثلاً, لا يَجُوزُ فِيهَا التَّمَلُّكُ.
- واَلأحوَالِ الَّتِي لا تَتَرَتَّبُ عَلَيهَا عُقُوبَاتٌ, كَالبَيعِ وَالشِّرَاءِ, يَجُوزُ فِيهَا التَّمَلُّكُ.
ت- فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي المِلْكِيَّةِ:
- الأحْوَالِ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا هَذَا التَّصَرُّفُ، كَحَالَةِ كَمَالِ العَقْلِ وَالبُلُوغِ, يَجُوزُ فِيهَا التَّمَلُّكُ.- وَالأحْوَالُ الَّتِي يُمْنَعُ فِيهَا هَذَا التِّصَرُّفُ, كَحَالَةِ الجُنُونِ وَعَدَمِ البُلُوغِ، لا يَجُوزُ فِيهَا التَّمَلُّكُ.
7- حِينَ يُحَدِّدُ الإِسلامُ المِلْكِيَّةَ لا يُحَدِّدُهَا بِالكَمِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يُحَدِّدُهَا بِالكَيفِيَّةِ.
8- يَظْهَرُ هَذَا التَّحدِيدُ بِالكَيفِيَّةِ بِارِزًا فِي الأُمُورِ الخَمسَةِ الآتِيَةِ:
أ- بِتَحدِيدِهَا مِنْ حَيثُ أسْبَابِ التَّمَلُّكِ، وَتَنمِيَةِ المِلْكِ، لا فِي كَمِّيَّةِ المَالِ المَملُوكِ.
ب- بِتَحْدِيدِ كَيفِيَّةِ التَّصَرُّفِ.
ت- بِكَونِ رَقَبَةِ الأَرضِ الخَرَاجِيَّةِ مُلْكاً لِلدَّولَةِ لا لِلأفَراَدِ.
ث- بِصَيرُورَةِ المِلكِيَّةِ الفَردِيَّةِ مِلْكاً عَامًّا جَبرًا فِي أحوَالٍ مُعَيَّنَةٍ.
ج- بِإعْطَاءِ مَنْ قَصَّرَتْ بِهِ الوَسَائِلُ عَنِ الحُصُولِ عَلَى حَاجَتِهِ مَا يَفِي بِتِلْكَ الحَاجَة فِي حُدُودِهَا.
9- جَعَلَ التَّشرِيعُ صِيَانَةَ حَقِّ المِلْكِيَّةِ لِلفَردِ وَاجِبًا عَلَى الدَّولَةِ.
10- وَجَعَلَ احتِرَامَ مِلْكِيَّةِ الفَردِ وَحِفْظَهَا وَعَدَمَ الاعتِدَاءِ عَلَيهَا أمْرًا حَتْمِيًا.
11- وَضَعَ التَّشرِيعُ عُقُوبَةً زَاجِرَةً، لِكُلِّ مَنْ يَعبَثُ بِهَذَا الحَقِّ بِأيٍّ مِنَ الطُّرُقِ غَيرِ المَشرُوعَةِ.
12- وُضِعَتِ التَّوجِيهَاتُ التَّهذِيبِيَّةُ لِكَفِّ النُّفُوسِ عَنِ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا لَيسَ لَهَا فِيهِ حَقٌّ مِنْ حِقُوقِ المِلْكِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.