- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة العشرون: المفصل الثاني
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
والمفصل الثاني:
أن الحق سبحانه وتعالى أرسل الرسول ﷺ، وأنزل الكتاب، أحكاما نزلت ليقوم الناس بالقسط، والله تعالى هو خير الحاكمين، ﴿فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [الأعراف: 87]، وهو أعلم بما يصلح للناس وبما يصلحهم، وأنزل الشريعة لتحكم في كل شأن من شؤون الحياة، بحيث يكون الرد في أي تنازع في أي شأن إلى هذه الأحكام، أي أنه شرع لنا نظام حياتنا، على مستوى الفرد، والمجتمع، والدولة، وألزمنا بتطبيق هذا النظام، والعيش به وله، فيصبح النظام منهج حياتنا، ونخضع له في علاقاتنا، الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والقضاء، والعقوبات...الخ، ورفَضَ الشارع أي منهج غيره، ومنع التحاكم إليه، وأمر بالكفر به!
فقد وصف كل نظام لم يصدر عما شرعه سبحانه وتعالى بأنه طاغوت أو جاهلية، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50] وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: 60]، وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا الموضوع، هذا بالنسبة للحكم، فهذه الآيات تدل دلالة قاطعة على أن الحكم إنما يكون بما أنزل الله، وأن الرد لا يكون إلا لله وللرسول، أي لكتاب الله ولسنة رسوله ﷺ، وأن الحكم بغير ما أنزل الله حكم بالطاغوت والجاهلية، وأن الاحتكام إلى الطاغوت أو إلى الجاهلية محرم، وأن من لم يحكم بما أنزل الله إما كافر أو فاسق أو ظالم، وأن الاحتكام إلى منهج الله تعالى إنما يكون في كل أمر يشجر بين الناس، وأن من يتحاكم إلى الطاغوت فإنما إيمانه زعم لا يتحقق في الواقع.
إن النهي عن نظم الحكم المخالفة لنظام الإسلام، واعتبارها جاهلية وطاغوتا، والأمر بالكفر بها، والنهي عن الاحتكام إليها لدليل قاطع على أن الإسلام يفرض على الناس نظاما معينا للحكم والسياسة، ويعتبر التزامه فرضا وفوق ذلك فإنه يبين أنه نظام فرضه الله ولم يترك للبشر أن يصنعوه أو يتواضعوا عليه!
وقد نفت آيات من القرآن محكمة قطعية الدلالة، تعلقت بالحكم بما أنزل الله والتحاكم لشرعته، نفت الإيمان عمن فعل خلاف ذلك، وقد ورد في كتب التفسير أن من يحكم بغير ما أنزل الله إنكاراً له ولصلاحيته يكفر لأنه ينكر حكماً قطعيّ الثبوت قطعي الدلالة. ومن يحكم بغير ما أنزل الله مع اعترافه بأنه الحق ولكنه يتبع الهوى أو أوامر جهات أخرى فإنه بين ظالم وفاسق. وإذا طبقنا هذه الأوصاف على الخليفة فإنها لا تنطبق عليه لأن من شروط نصب الخليفة أن يكون مسلماً وليس كافراً، وعدلاً وليس فاسقاً، وعادلاً وليس ظالماً ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾، مما يدل على وجوب نصب خليفة يحكم بالعدل وبما أنزل الله، ومما يدل على نظام الخلافة الذي سيقيم العدل والحكم بما أنزل الله، ومما يدل دلالة قطعية على أن الأنظمة الوضعية حرام!
وأما على صعيد المنهج، والأنظمة، فإنك تجد مئات الآيات قطعية الدلالة على تفاصيل هذا النظام الذي يشكل في مجموعه دستور الدولة وأنظمتها وأحكامها التفصيلية، من الآيات والأحاديث التي تتناول النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والعلاقات بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول، والتشريع الحربي، والجنائي، وأنظمة المال والسياسة الداخلية، والخارجية، والمعاهدات، ومسئوليات الدولة عن تأمين حاجيات الناس الأساسية، وهكذا، وسنورد تفاصيل هذا إن شاء الله بعد قليل في باب منفصل يؤكد عليها ويربط بينها وبين النظام الذي يجمع كل هذه الأنظمة والأحكام تحت جناحيه، أي نظام الخلافة التي خلفت النبوة في منهاجها ومسئولياتها وأحكامها، فالخلافة هي الامتداد والاستمرار لنظام النبوة في الحكم، فهذه الآيات والأحاديث التي هي أكثر من أن تحصى نستفيد منها قطعية فرض النظام الذي يطبقها وينفذها أي نظام الدولة الإسلامية.
وكما أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالحكم بما أنزل، فإنه أمرنا وإلى قيام الساعة بالأمر نفسه، فخطاب الله تعالى لرسوله ﷺ هو خطاب لأمته بالحكم بما أنزل الله، فالأحكام التي أنزلها الله، مثل الأحكام المتعلقة بالنظام الاقتصادي أو الاجتماعي أو نظام الحكم والقضاء والعقوبات إنما نزلت ليتحاكم إليها الناس، والله تعالى فرض التحاكم إليها على الناس إلى قيام الساعة، فالحكم بما أنزل الله لا يكون إلا وفق ما شرع من تنظيمات وشكل أي عبر دولة الخلافة الإسلامية ولم يترك الناس هملا سدى بلا بيان يبين لهم كيف يحكمون بما أنزل الله!
[1] دلالة الالتزام