- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح224) لكل فرد من أفراد الأمة حق الانتفاع بما هو داخل في الملكية العامة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الأُمَّةِ حَقُّ الانتِفَاعِ بِـمَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 140: لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الأُمَّةِ حَقُّ الانتِفَاعِ بِـمَا هُوَ دَاخِلٌ فِي الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، وَلَا يَـجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَأْذَنَ لِأَحَدٍ دُونَ بَاقِي الرَّعِيَّةِ بِـمِلْكِيَّةِ الأَملَاكِ العَامَّةِ أَو استِغْلَالِـهَا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ الأَربَعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
هَذِهِ الـمَادَّةُ ذَاتُ شِقَّينِ: الشِّقُّ الأَوَّلُ: لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ حَقُّ الانتِفَاعِ مِنَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ. وَالشِّقُّ الثَّانِي: مَنْعُ الدَّوْلَةِ مِنْ أَنْ تَأْذَنَ لِأَحَدٍ دُونَ بَاقِي الرَّعِيَّةِ بِمِلْكِيَّةِ الأَمْلَاكِ العَامَّةِ أَوِ استِغْلَالهَا.
أولا: أدلة الشق الأول: الأُمَّةُ الـمَقْصُودَةُ فِي هَذِهِ الـمَادَّةِ هِيَ الرَّعِيَّةُ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، أَيْ كُلُّ مَنْ يَحْمِلُ تَابِعِيَّةَ الدَّولَةِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنَ الـمُسْلِمِينَ أَمْ مِنَ الذِّمِّيّينَ، وَعَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَرْعَاهُمْ الرِّعَايَةَ الدَّائِمَةَ الـمُلْزِمَةَ، وَذَلِكَ بِتَوفِيرِ الحَاجَاتِ الأَسَاسِيَّةِ لَهُمْ. وَذَلِكَ حَسَبَ أَحْكَامِ الإِسْلَامِ الَّتِي خَضَعُوا لَهَا. وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ لَهُ حَقُّ الانتِفَاعِ بِـمَا هُوَ مِنَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، وَالذِّمِّيُ وَالـمُسْلِمُ فِي حَقِّ الانتِفَاعِ بِـمَرَافِقِ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ سَوَاءٌ.
وَلَا يُقَالُ:"إِنَّ حَدِيثَ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ» يَعنِي أَنَّ الـمِلْكِيَّةَ العَامَّةَ هِيَ لِلمُسْلِمِينَ فَقَط، بَلْ إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «النَّاسُ شُرَكَاءُ...» كِلَاهُمَا مُخَصَّصٌ بِحَدِيثِ بُرَيدَةَ الَّذِي أَخرَجَهُ مُسْلِمُ حَيثُ وَرَدَ فِيهِ: «ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ»، وَدَارُ الـمُهَاجرِينَ أَيْ دَارُ الإِسْلَامِ، فَهَذَا نَصٌّ يَحْصُرُ حَقَّ الرَّعَوِيَّةِ فِي مَنْ يَتَحَوَّلُ إِلَى دَارِ الإِسْلَامِ، أَيْ يَحْمِلُ تَابِعِيَّةِ دَارِ الإِسْلَامِ، فَلَا يَشْمَلُ كُلَّ الـمُسْلِمِينَ فِي العَالَـمِ، بَلِ الَّذِينَ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ لَا يَسْتَثنِي غَيرَ الـمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، وَيَحْمِلُونَ تَابِعِيَّةَ الدَّولَةِ، لِأَنَّ حَدِيثَ بُرَيدَةَ جَعَلَ التَّمَتُّعَ بِحَقِّ الرَّعَوِيَّةِ مَشْرُوطاً بِالتَّحَوُّلِ إِلَى دَارِ الإِسْلَامِ، وَعَلَيهِ فَإِنَّ الـمُسْلِمَ الَّذِي فِي دَارِ الإِسْلَامِ، وَالذِّمِّيُّ الَّذِي يَعِيشُ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، وَيَحْمِلُ تَابِعِيَّتَهَا، كِلَيهِمَا تَنطَبِقُ عَلَيهِ الـمَادَّةُ. وَهَذَا مَا كَانَتْ عَلَيهِ الرَّعِيَّةُ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، فَكَانَتْ تَنتَفِعُ بِالـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، وَلَا يُمنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِماً أَمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَمَّا انتِفَاعُ الرَّعِيَّةِ مِنَ الـمُسْلِمِينَ بِالـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَدْ وَرَدَ كَثِيرٌ مِنَ النُّصُوصِ وَالوَقَائِعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَكُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ:
- فَقَدْ كَانُوا يَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ، يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ، وَالأَسْوَاقُ مِنَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ. رَوَى أَحْمَدُ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «... فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ السُّوقَ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟...» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الـمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ كَانُوا يَغْشَونَ الأَسْوَاقَ لِحَاجَاتِهِمْ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
- وَقَدْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ مِنَ الـمَاءِ وَالنَّارِ وَالكَلأِ. رَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ وَالْكَلأُ وَالنَّارُ». وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ نَصَارَى الشَّامِ يَشْرَبُونَ مَعَ الـمُسْلِمِينَ مِنْ أَنـْهَارِ الشَّامِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَقِيَ عَلَى مَجُوسِيَّتِهِ فِي العِرَاقِ وَالبَحْرَينِ، وَكَذَلِكَ القِبْطُ فِي مِصْرَ يَشرَبُونَ وَيَسْقُونَ مِنَ النِّيلِ. وَكَانُوا جَمِيعاً يَحتَطِبُونَ مِنْ أَحْرَاشِ الاحتِطَابِ، وَيَسقُونَ مَزَارِعَهُمْ مِنَ الأَنْـهَارِ العَامَّةِ، وَيَرعَوْنَ مَوَاشِيَهُمْ فِي الأَمَاكِنِ العَامَّةِ لِلرَّعْيِ. وَلَـهُمُ اليَومَ أَنْ يَنتَفِعُوا مِنَ البِترُولِ وَمُشْتَقَّاتِهِ، وَمِنَ الكَهْرَبَاءِ؛ لِأَنَّ كِلَيهِمَا مِنَ النَّارِ الوَارِدَةِ فِي الحَدِيثِ.
- وَلَهُمُ الحَقُّ فِي إِحْيَاءِ الـمَوَاتِ لِـمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ». وَمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ». وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «العِبَادُ عِبَادُ اللهِ، وَالْبِلادُ بِلادُ اللهِ، فَمَنْ أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الأَرْضِ شَيْئاً فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ».وَكُلُّ هَذِهِ الأَدِلَّةُ هِيَ أَدِلَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانُوا مُسْلِمِينَ أَمْ غَيرَ مُسْلِمِينَ.
- وَكَذَلِكَ فَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ، مُسْلِمِهَا وَأَهْلِ ذِمَّتِهَا، استِعْمَالُ طُرُقِ الـمُوَاصَلَاتِ البَرِّيَّةِ وَالبَحْرِيَّةِ وَالجَوِّيَّةِ. أَمَّا البَرِّيَّةُ فَقَدْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ يَسْتَعْمِلُونَـهَا زَمَنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَوَى التِّرمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: « كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ غَلِيظَانِ، فَكَانَ إِذَا قَعَدَ فَعَرِقَ ثَقُلاَ عَلَيْهِ، فَقَدِمَ بَزٌّ مِنْ الشَّامِ لِفُلاَنٍ الْيَهُودِيِّ، فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ...» الحَدِيثُ.
وَأَمَّا طُرُقُ البَحْرِ فَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونـَهَا كَالـمٌسْلِمِينَ زَمَنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ، وَيُقَاسُ عَلَيهَا اليَوْمَ الطُّرُقُ الجَوِّيَّةُ.وَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ البَرِيدَ العَامَّ وَوَسَائِلَ الاتِّصَالَاتِ العَامَّةِ قِيَاساً عَلَى الـمُوَاصَلَاتِ العَامَّةِ.هَذِهِ أَدِلَّةُ الشِّقِّ الأَوَّلِ مِنَ الـمَادَّةِ بِأَنَّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ حَقُّ الانتِفَاعِ مِنَ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ.
ثانيا: أدلة الشق الثاني: وَهُوَ مَنْعُ الدَّولَةِ مِنْ أَنْ تَأْذَنَ لِأَحَدٍ دُونَ بَاقِي الرَّعِيَّةِ بِمِلْكِيَّةِ الأَمْلَاكِ العَامَّةِ أَوِ استِغْلَالَهَا، فَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالَ عِندَمَا أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِصلى الله عليه وسلم مَعْدِنَ الـمِلْحِ بِمَأْرِبَ، وَعِندَمَا أُخْبِرَ صَلَوَاتُ اللهُ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ أَنَّ المِلْحَ الَّذِي أَقْطَعَهُ إِيَّاهُ بِمَثَابَةِ الـمَاءِ العِدِّ رَجَعَهَ مِنهُ.
رَوَى التِّرمِذِيُّ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وسلم فَاسْتَقْطَعَهُ الـمِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ. فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنَ الـمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّـمَا قَطَعْتَ لَهُ الـمَاءَ العِدَّ. قَالَ فَانتَزَعَهُ مِنهُ». وَبِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابنُ خُزَيمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ». وَحَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جُثَامَةَ عِندَ البُخَارِيِّ «لَا حِمَى إِلاَّ للهِ وَلِرَسُولِهِ».
وَمِنَ الوَاضِحِ أَنَّ أَكْثَرَ الاحْتِكَارَاتِ الرَّأْسمَالِيَّةِ، وَغِنَى الشَّرِكَاتِ وَالأَفْرَادِ غِنًى فَاحِشاً خَيَالِيّاً إِنَّـمَا هُوَ بِسَبَبِ الامْتِيَازَاتِ الَّتِي يَحْصُلُونَ عَلَيهَا لِاستِغْلَالِ الـمِلْكِيَّاتِ العَامَّةِ بِأَنْوَاعِهَا. كَالغَازِ وَالبِترُولِ وَسَائِرِ الـمَعَادِنِ العِدِّ، وَالاتَّصَالَاتِ وَالـمُوَاصَلَاتِ وَالـمِيَاهِ وَغَيرِهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.