- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
( ح234 ) تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها
لسد نفقات بيت المال ( 1 )
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُسْتَوفَى مِنَ الـمُسْلِمِينَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي أَجَازَ الشَّرعُ استِيفَاءَهَا لِسَدِّ نَفَقَاتِ بَيتِ الـمَالِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 146: تُسْتَوفَى مِنَ الـمُسْلِمِينَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي أَجَازَ الشَّرعُ استِيفَاءَهَا لِسَدِّ نَفَقَاتِ بَيتِ الـمَالِ، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ استِيفَاؤُهَا مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الحَاجَاتِ الَّتِي يَجِبُ تَوفِيرُهَا لِصَاحِبِ الـمَالِ بِالـمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُرَاعَى فِيهَا كِفَايَتُهَا لِسَدِّ حَاجَاتِ الدَّولَةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْـمَادَّةُ السَّادِسَةُ وَالأربَعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
فِي هَذِهِ الـمَادَّةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدِهَا: استِيفَاءُ الضَّرِيبَةِ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا تُسْتَوفَى هَذِهِ الضَّرِيبَة إِلَّا مِـمَّا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَاتِ الَّتِي يـَحْتَاجُهَا صَاحِبُ الـمَالِ حَسَبَ العُرْفِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا تُسْتَوفَى إِلَّا بِـمِقْدَارِ مَا يَـحْتَاجُ بَيتُ الـمَالِ، وَلَا تُسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
أما الأمر الأول: فَإِنَّ كَلِمَةَ ( ضَرِيبَة ) اصْطِلَاحٌ غَرْبِيٌّ، وَهِيَ مَا يَفْرِضُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الرَّعِيَّةِ لِإِدَارَةِ شُؤْونـِهَا. وَالسُّؤَالُ هُوَ: هَلْ يَـجُوزُ لِلدَّولَةِ الإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تَفْرِضَ ضَرَائِبَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِإِدَارَةِ شُؤُونِـهِمْ؟ وَالجَوابُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَّن الشَّرعَ قَدْ حَدَّدَ الوَارِدَاتِ الَّتِي لِبَيتِ الـمَالِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الوَارِدَاتِ لِإِدَارَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، وَلَـمْ يُشَرِّعْ ضَرَائِبَ لِإِدَارَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُدِيرُ شُؤُونَ الرَّعِيَّةِ بِهَذِهِ الوَارِدَاتِ، وَلَـمْ يَثْبُتْ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ فَرَضَ ضَرِيبَةً عَلَى النَّاسِ، وَلَـمْ يُرْوَ عَنهُ ذَلِكَ مُطْلَقاً، وَحِينَ عَلِمَ أَنَّ مَنْ عَلَى حُدُودِ الدَّولَةِ يَأْخُذُونَ ضَرَائِبَ عَلَى البَضَائِعِ الَّتِي تَدْخُلُ البِلَادِ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ». ( أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالزَّينُ ) . وَعَنْ أَبِي الخَيرِ قَالَ: سَمِعْتُ رُوَيفِعَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ الْمَكْسِ فِي النَّارِ». ( أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الزَّينُ ) قَالَ: "يَعْنِي العَاشِرَ". وَالعَاشِرُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ العُشْرَ عَلَى التِّجَارَةِ الخَارِجِيَّةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الضَّرَائِبِ بِالـمَعْنَى الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيهِ الغَرْبُ. عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ r يَقُولُ فِي الحَدِيثِ الـمُتَّفَقِ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا...». وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ إِنْسَانٍ وَمِنْهَا الدَّولَةُ، وَأَخْذُ الضَّرَائِبِ أَخْذٌ لِمَالِ الـمُسْلِمِ مِنْ غَيرِ طِيبِ نَفْسِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِهَا. إِلَّا أَنَّ وَارِدَاتِ بَيتِ الـمَالِ مُحَدَّدَةُ الجِهَاتِ الَّتِي تُسْتَوفَى مِنْهَا، وَمُحَدَّدَةُ الـمِقْدَارِ فَقَدْ لَا تَكْفِي لِرِعَايَةِ شُؤُونِ الرَّعِيَّةِ، وَقَدْ تُوجَدُ شُؤُونٌ تَـحْتَاجُ إِلَى الرِّعَايَةِ، وَتَكُونُ وَارِدَاتُ بَيتِ الـمَالِ قَدْ نَفِدَتْ، فَهَلْ يَـجُوزُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ فَرْضُ ضَرَائِبَ أَمْ لَا؟
وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ نَوعَانِ: مِنهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ فَقَطْ، وَلَم يُوجبْهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ. وَمِنُهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ، وَأَوْجَبَهُ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ عَلَى الـمُسْلِمِينَ. فَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ فَقَطْ، وَلَـمْ يُوجبْهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لَا يَحِلُّ لِلدَّولَةِ فَرْضُ ضَرِيبَةٍ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِأَجْلِ القِيَامِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ قَامَتْ بِهِ، وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ أَخَّرَتْهُ حَتَّى يُوجَدَ لَدَيهَا مَالٌ لِتَقُومَ بِهِ، وَلَا تَفْرِضُ مِنْ أَجْلِهِ ضَرِيبَةً عَلَى الـمُسْلِمِينَ مُطْلَقاً، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَـمْ يُوجبْ ذَلِكَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ ضَرَائِبَ عَلَيهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الضَّرَائِبِ فِي هَذِهِ الحَالِ يُعْتَبَرُ ظُلْماً وَهُوَ حَرَامٌ، وَيُعتَبَرُ كَذَلِكَ إِيجَاباً لِـمَا لَـمْ يُوجبْهُ اللهُ، وَهُوَ كَتَحْرِيمِ الـمُبَاحِ، وَإِبَاحَةِ الحَرَامِ، وَهُوَ عُدْوَانٌ عَلَى الشَّرْعِ يُعْتَبَرُ فَاعِلُهُ كَافِراً إِنِ اعْتَقَدَهُ، وَيُعْتَبَرُ عَاصِياً إِنْ لَـمْ يَعْتَقِدْهُ.
وَمِنْ هُنَا لَا يَحِلُّ لِلدَّولَةِ فَرْضُ ضَرِيبَةٍ عَلَى الـمُسْلِمِينَ فِيمَا لَـمْ يُوجبْهُ الشَّرعُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَيهِمْ. وَذَلِكَ مِثْلُ إِعْطَاءِ رَوَاتِبَ لِلعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ، وَمِثْلُ إِعْطَاءِ الـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِعْطَاءِ الأَرِقَّاءِ لِيُعْتَقُوا، وَإِعْطَاءِ الـمَدِينِينَ لِيَسُدُّوا دَينَهُمْ، وَمِثْلُ فَتْحِ طَرِيقٍ ثَانِيَةٍ مَعَ وُجُودِ غَيرِهَا، وَمِثْلُ إِقَامَةِ سَدٍّ لِلمِيَاهِ مَعَ وُجُودِ الأَمْطَارِ، وَمِثْلُ إِقَامَةِ مُسْتَشْفًى ثَانٍ مَعَ وُجُودِ مُسْتَشْفَىً قَائِمٍ بِالحَاجَةِ، أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ، مِـمَّا لَا يُؤَدِّي عَدَمُ وُجُودِهِ إِلَى ضَرَرٍ، وَلَكِنْ يُؤَدِّي وُجُودُهُ إِلَى تَحْسِينٍ وَزِيَادَةِ كَمَالٍ. فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُحِلُّ لِلدَّولَةِ فَرْضَ ضَرَائِبَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِأَجْلِ القِيَامِ بِهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَـمْ يُوجبْ عَلَيهِمْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الفُقَهَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ بِأَنَّ هَذَا يَكُونُ استِحْقَاقُهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ مُعْتَبَراً بِالوُجُودِ دُونَ العَدَمِ، فَإِنْ كَانَ الـمَالُ مَوجُوداً كَانَ صَرْفُهُ فِي جهَاتِه مُسْتَحِقاً، وَكَانَ عَدَمُهُ مُسْقِطاً لِاستِحْقَاقِهِ.
وَأَمَّا مَا أَوْجَبَهُ الشَّرعُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ، وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَـمْ يُوْجَدْ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ، أَوْ فُقِدَ مَا فِيهِ مِنْ مَالٍ، فَإِنَّ لِلدَّولَةِ فِي هَذِهِ الحَالِ أَنْ تَفْرِضَ ضَرَائِبَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِلقِيَامِ بِالـمَصَالِـحِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الشَّرعُ عَلَيهِمْ وَأَوْجَبَهَا عَلَى بَيتِ الـمَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ اللهَ أَوْجَبَهَا عَلَيهِمْ، وَجَعَلَ الإِمَامَ وَالِياً عَلَيهِمْ، فَهُوَ الَّذِي يُحَصِّلُ هَذَا الـمَالَ مِنْهُمْ، وَيُنفِقُهُ عَلَى هَذِهِ الـمَصَالِحِ، وَذَلِكَ كَالنَّفَقَاتِ اللَّازِمَةِ لِلفُقَرَاءِ وَالـمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلَـمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ يُنْفَقُ عَلَيهِمْ مِنْهُ، لَا فِي وَارِدَاتِ الزَّكَاةِ، وَلَا فِي وَارِدَاتِ بَيتِ الـمَالِ الأُخْرَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ إٍطْعَامَ الفُقَرَاءِ وَاجبٌ عَلَى جَمِيعِ الـمُسْلِمِينَ، قَالَ r : «وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى». ( أَخـَرجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ أَحْمَد شَاكِر ) . وَكَالنَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ لِلجَيشِ وَالحَرْبِ وَكُلِّ مَا يَلْزَمُ مِنَ الإِعْدَادَاتِ الحَـربِيَّةِ إِذَا لَـمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ الـمَالِ مَا يَكْفِيهَا فَرَضَـتْ عَلَى الـمُسْـلِمِينَ ضَـرِيبَةً لِلْقِيَامِ بِـهَا لِقَولِهِ تَعَـالَى: ( وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) . ( التوبة41 ) وَقَالَ: ( وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) . ( النساء 95 ) وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». ( أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ وَالحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ ) .
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ عَدَمُ القِيَامُ بِهِ يُسَبِّبُ ضَرَراً لِلمُسْلِمِينَ كَفَتْحِ طَرِيقٍ لَا يُوجَدُ غَيرُهَا، وَكَفَتْحِ مُسْتَشْفَىً تَقْتَضِي الضَّرُورَةُ فَتْحَهُ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَكُونُ صَرْفُهُ مُسْتَحِقاً عَلَى وَجْهِ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ البَدَلِ، وَكَانَ ضَرُورَةً مِنَ الضَّرُورَاتِ، وَيَنَالُ الأُمَّةَ ضَرَرٌ مِنْ عَدَمِ وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ تُفْرَضُ ضَرِيبَةٌ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لِلقِيَامِ بِهِ لِأَنَّ إِزَالَةَ الضَّرَرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الـمُسْلِمِينَ. قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ». ( أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ ) . وَكَأَرْزَاقِ الجُنْدِ وَالقُضَاةِ وَالـمُعَلِّمِينَ، فَإِنَّهَا مِـمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرعُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ، إِذِ التَّعْلِيمُ فَرْضٌ عَلَيهِمْ، وَكَذَلِكَ القَضَاءُ، وَالجِهَادُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ. فَهَذِهِ الأُمُورُ الَّتِي أَوْجَبَهَا الشَّرعُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ مَعَ إِيـجَابِـهَا عَلَى بَيتِ الـمَالِ يَـجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَفْرِضَ ضَرَائِبَ لِأَجْلِ القِيَامِ بِـهَا؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ صَرِيـحَةٌ فِي فَرْضِهَا عَلَى الـمُسْلِمِينَ، وَهَذَا دَلِيلُ الأَمْرِ الأَوَّلِ مِنَ الـمَادَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.