- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح235) تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها
لسد نفقات بيت المال (2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُسْتَوفَى مِنَ الـمُسْلِمِينَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي أَجَازَ الشَّرْعُ استِيفَاءَهَا لِسَدِّ نَفَقَاتِ بَيْتِ الـمَالِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 146: تُسْتَوفَى مِنَ الـمُسْلِمِينَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي أَجَازَ الشَّرْعُ استِيفَاءَهَا لِسَدِّ نَفَقَاتِ بَيْتِ الـمَالِ، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ استِيفَاؤُهَا مِـمَّا يَزِيدُ عَلَى الحَاجَاتِ الَّتِي يَجِبُ تَوفِيرُهُا لِصَاحِبِ الـمَالِ بِالـمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُرَاعَى فِيهَا كِفَايَتُهَا لِسَدِّ حَاجَاتِ الدَّولَةِ.
المادة 147: كُلُّ مَا أَوْجَبَ الشَّرعُ عَلَى الأُمَّةِ القِيَامُ بِهِ مِنَ الأَعْمَالِ، وَلَيسَ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ لِلقِيَامِ بِهِ فَإِنَّ وُجُوبَهُ يَنْتَقِلُ عَلَى الأُمَّةِ، وَلِلدَّولَةِ حِينَئِذٍ الحَقُّ فِي أَنْ تُـحَصِّلَهُ مِنَ الأُمَّةِ بِفَرْضِ الضَّرِيبَة عَلَيهَا. وَمَا لَـمْ يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ شَرْعًا القِيَامُ بِهِ لَا يَجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَفْرِضَ أَيَّ ضَرِيبَةٍ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَا يَـجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ رُسُومًا لِلْمَحَاكِمِ أَوِ الدَّوَائِرِ أَو لِقَضَاءِ أَيِّ مَصْلَحَةٍ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الْـمَادَّتَانِ: السَّادِسَةُ وَالأربَعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسَّابِعَةُ وَالأَربَعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: تتمة المادة 146:وأما الأمر الثاني: وَهُوَ أَنْ لَا تُسْتَوفَى هَذِهِ الضَّرِيبَة إِلَّا مِـمَّا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَاتِ الَّتِي يـَحْتَاجُهَا صَاحِبُ الـمَالِ حَسَبَ العُرْفِ، فَإِنَّ دَلِيلَهُ قَولُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم : «أفضلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى».(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ)، وَالغِنَى مَا يَسْتَغْنِي عَنهُ الإِنْسَانُ مِـمَّا هُوَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ لِإِشْبَاعِ حَاجَاتِهِ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِـمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِر: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ»، فأَخَّر مَنْ تَجبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الضَّرِيبَةُ، لِأَنَّهَا مِثْلُ النَّفَقَةِ، وَمِثْلُ الصَّدَقَةِ. عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ). (البقرة 219) أَيْ مَا لَيسَ فِي إِنْفَاقِهِ جُهْدٌ، بِـمَعْنَى الزَّائِدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الـمُسْلِمِ مِنْ مَالٍ سَوَاءٌ أَكَانَ زَكَاةً، أَمْ نَفَقَةً، إِنَّـمَا تُؤْخَذُ مِنهُ مِـمَّا هُوَ زَائِدٌ عَنْ كِفَايَتِهِ حَسَبَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الضَّرِيبَةُ، فَلَا تَحْصُلُ مِنَ الـمُسْلِمِ إِلَّا إِذَا زَادَتْ عَنِ الحَاجَاتِ الَّتِي تَلْزَمُ مِثْلَهُ عَادَةً، أَيْ مَا زَادَ عَلَى مَأْكَلِهِ، وَمَلْبَسِه، َومَسْكَنِهِ، وَخَادِمِهِ، وَزَوَاجهِ، وَمَا يَركَبُهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ حَسَبَ أَمَثَالِهِ. لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَولِ الرَّسُولِ "عَنْ ظَهْرِ غِنًى".
وأما الأمر الثالث: وَهُوَ أَنْ لَا تُسْتَوفَى الضَّرِيبَةُ إِلَّا بِـمِقْدَارِ مَا يَـحْتَاجُ بَيتُ الـمَالِ، وَلَا تُسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنَّ دَلِيلَهُ تَـحْرِيمُ الشَّرعِ أَخْذَ مَا لَـمْ يَجِبْ، وَمَا زَادَ عَنِ الكِفَايَةِ لَـمْ يَجِبْ عَلَى الـمُسْلِمِ، فَحَرُمَ أَخْذُهُ. وَلِـهَذَا تُحَصَّلُ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ لِبَيتِ الـمَالِ، وَلَا يُؤْخَذُ أكَثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدِ اقتَرَحَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنْ لَا يُبْقِي فِي بَيتِ الـمَالِ شَيئًا فَقَالَ لَهُ: «تُقَسِّمُ كُلَّ سَنَةٍ مَا اجْتَمَعَ إِلَيكَ مِنَ الـمَالِ، وَلَا تُمْسِكْ مِنهُ شَيئًا».(أَخرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الوَاقِدِيِّ). وَيُرْوَى «أَنَّ عَلِيًا رضي الله عنه كَانَ يُقَسِّمُ الأَمْوَالَ حَتَّى يُفَرِّغَ بَيتَ الـمَالِ فَيُرَشُّ لَهُ فَيَجْلِسَ فِيهِ». (أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبدِ البَرِّ فِي الاستِذْكَارِ عَنْ أَنَسٍ بْنِ سِيرِينَ). وَهَذَا بِالنِّسُبَةِ لِلوَارِدَاتِ مِنْ غَيرِ الضَّرَائِبِ كَانَ يَفْعَلُ الخُلَفَاءُ ذَلِكَ، فَكَيفَ بِوَارِدَاتِ الضَّرَائِبِ. فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنهَا شَيْءٌ فِي بَيتِ الـمَالِ، فَلَا يَحْصُلُ مِنْهَا زِيَادَةٌ عَمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ بِحَيثُ تَبْقَى فِي بَيتِ الـمَالِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا أَدِلَّةُ الـمَادَّةِ بِأُمُورِهَا الثَّلَاثَةِ.
ثانيًا: المادة 147: فَرْضُ الضَّرِيبَةِ لِلإِنْفَاق عَلَى مَا أَوْجَبَ الشَّرعُ عَلَى الأُمَّةِ القِيَامُ بِهِ مِنَ الأَعْمَالِ. دَلِيلُهَا هُوَ عَينُهُ دَلِيلُ الأَمْرِ الأَوَّلِ مِنَ الـمَادَّةِ السَّادِسَةِ وَالأَربَعِينَ وَمِائَةٍ الَّتِي قَبْلَهَا، مِنْ أَنَّ الشَّرْعَ حَدَّدَ الوَارِدَاتِ العَامَّةِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَفْرِضْ ضَرَائِبَ، وَأَنَّهُ نـَهَى عَنْ فَرْضِ ضَرِيبَةِ الـمُكُوسِ، وَهِيَ ضَرِيبَةُ الجَمَارِكِ لَأَنَّهَا ضَرِيبَةُ، فَهُو نَهْيٌ يَشْمَلُ كُلَّ ضَرِيبَةٍ، وَمِنْ أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ عَلَى بَيْتِ الـمَالِ، وَعَلَى الأُمَّةِ إِذَا لَـمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ انتَقَلَ وُجُوبُهُ إِلَى الأُمَّةِ، وَمَا فَرَضَهُ الشَّرعُ عَلَى بَيتِ الـمَالَ، وَلَـمْ يُوجبْهُ عَلَى الأُمَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ وُجُوبُهُ عَلَى الأُمَّةِ إِذَا لَـمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ الـمَالِ مَالٌ، بَلْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يُوجَدَ ماَلٌ، وَلَا تُفْرَضُ بِهِ ضَرَائِبُ عَلَى الأُمَّةِ. وَكَمَا لَا تُفْرَضَ الضَّرَائِبُ عَلَى الأُمَّةِ بِشَكْلٍ مُبَاشَرٍ فِيمَا لَـمْ يُوجبْهُ عَلَيهَا كَذَلِكَ لَا تُفْرَضُ ضَرَائِبُ بِشَكْلٍ غَيرِ مُبَاشَرٍ، فَلَا تُؤْخَذُ رُسُومٌ لِلمَحَاكِمِ، وَلَا لِلدَّوَائِرِ، وَلَا طَوَابِعُ إِيرَادَاتٍ، وَلَا رُسُومُ رُخَصٍ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا. أَمَّا طَوَابِعُ البَرِيدِ فَهِيَ لَيْسَتْ ضَرَائِبَ بِشَكْلٍ غَيرِ مُبَاشَرٍ، بَلْ هِيَ أُجْرَةُ نَقْلِ الرَّسَائِلِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ. فَكُلُّ ضَرِيبَةٍ بِشَكْلٍ غَيرِ مُبَاشَرٍ مِـمَّا لَـمْ يُوجبْهُ الشَّرعُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ أَنْ تُـحَصَّلَ، فَهِيَ كَالضَّرِيبَةِ الـمُبَاشَرَةِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ لَا يـَجُوزُ تَـحْصِيلُهَا مِنَ الأُمَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.